الشهب النارية… مسار الرعب

مصادر التموين تحولت من الشرق إلى الشمال في سوق تشهد حربا مع الأمن والسلطات واتحادات "الإلترات" ارتفعت حدة النقاش حول الشهب الاصطناعية، والتي ملأت مدرجات الملاعب، بل باتت مصدر رعب لبعض العائلات، خاصة أن بعض المشاغبين يستغلونها لارتكاب جرائم، مختبئين وراء ألوان الفصائل المشجعة لأندية كرة القدم. ورغم كل المجهودات التي بذلها الأمن والسلطات والجامعة الملكية لكرة القدم، لمنع ترويج واستعمال هذه الشهب، وصلت حد اعتقال أصحابها، والرفع من حدة العقوبات المسلطة على الأندية جراء استعمالها في الملعب، إلى "ويكلو"، غير أنها مازالت منتشرة بكثرة.رصدت "الصباح" من خلال هذا التحقيق، الأماكن التي تنتشر فيها هذه الشهب، وأماكن بيعها، وكيف تصل إلى أيادي بعض الناشطين في الفصائل المساندة للأندية، والتي تستعملها في الملاعب، فيما يعتبرها البعض الآخر أداة لإثارة الرعب والخوف والعنف. إنجاز: العقيد درغام لم يكن المغرب وملاعبه قط، من هواة الشهب الاصطناعية، في بداية الألفية الثالثة، إذ كانت قليلة جدا إلى غاية الانعدام في مناطق عدة. بدأ انتشار الشهب الاصطناعية بالمغرب مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، والتي نقلت صور احتفالات في ملاعب بأوربا الشرقية وتونس والجزائر وبعض دول أمريكا الجنوبية، وهي الحقبة التي صادفت بروز وتأسيس أغلب الفصائل المشجعة للأندية الوطنية، والذي كان يعرف آنذاك ب"الهوليغانز" و"الإلترات". مع ظهور هذه المجموعات المناصرة للأندية، بدأ التفكير داخلها في طرق جديدة ومبتكرة لصنع الاحتفال في المدرجات، وبدأت أغلب الفصائل تتابع ما يحدث في دول أوربا الشرقية وتونس والجزائر وبعض الدول أمريكا الجنوبية، لتقوم بالمثل، لتظهر بعض أساليب التشجيع دخيلة على ملاعب المغرب، مثل "الباشات" وكريات الأوراق والرايات كبيرة الحجم، وصولا إلى "التيفوات" والشهب الاصطناعية. في البداية لم تكن هذه الشهب مخصصة للملاعب، بل للاحتفالات الخاصة والكبيرة، مثل الأعراس والاستقبالات، قبل أن تتحول للملاعب، بعد رصدها من قبل الجماهير، واعتبارها أداة لـ"صنع الفرجة" في الملاعب، على غرار بطولات أمريكا الجنوبية وأوربا الشرقية. الانتشار مع توالي السنين، بدأت الشهب تأخذ زخما أكبر في الملاعب والقاعات الرياضية بالمغرب، بعد اكتشاف منافذ للحصول عليها، عبر الجزائر وإسبانيا خاصة. وإذا كانت الشهب ظهرت لأول مرة بملاعب البيضاء وطنجة والرباط، فإن سنوات ما قبل 2010، شهدت انتشارا في باقي المناطق، على غرار فاس وأكادير ومراكش، وبدأت تستعمل في كل المناسبات الرياضية تقريبا، وليس فقط في مباريات كرة القدم، إذ تابعها الجمهور المغربي في مباريات لكرة السلة مثلا. لكن رغم بروزها بشكل كبير في البيضاء والرباط، فإن ذلك لا يعني أن مصدرها هاتان المدينتان، باستثناء بعض الشحنات التي تلج عبر الموانئ، على غرار المفرقعات، إذ تبين لـ"الصباح" أن مصدرها الأول والمنطقة التي تلج منها أكبر كمية لهذه الشهب، طنجة وتطوان وبعض المناطق المجاورة لهما. قبل التوجه لطنجة وتطوان، لابد من التأكيد أيضا، على أن الجهة الشرقية كانت هي الأخرى قبلة لمروجي هذه الشهب، إذ كانت مدخلا مهما في بداية انتشارها بالمغرب، إلى حين ظهور الجهة الشمالية، والتي باتت المنفذ الرئيسي لهذه الشهب. الشهب تغزو أسواق الشمال أصبحت مناطق بالجهة الشمالية للمملكة، اليوم، "سوقا وافرا" للشهب الاصطناعية، إذ تتعدد المنافذ التي تلج فيها هذه الألعاب النارية للمغرب. نذكر بالأساس سبتة وميناء طنجة، مرورا بالقصر الصغير وأصيلة والمضيق وتطوان، إذ ظهر جليا في السنوات الأخيرة، وبعد الحملات الأمنية الشديدة، أن أغلب الشحنات التي ترصد وسط البلاد وفي مدن البيضاء والرباط وفاس وأكادير، تكون قادمة من الشمال. ومن أجل ذلك، حاولت "الصباح" رصد مسارات هذه الشهب بالمنطقة الشمالية، إذ كانت الانطلاقة من البيضاء، مرورا بعدد من المناطق التي تستغل للترويج لهذه الشهب، على حزام الواجهة البحرية المتوسطية، على غرار أصيلة ومولاي بوسلهام. من خلال رصد هذه المسارات، فإن أول ملاحظة هي اتحاد الفصائل الداعمة للأندية، إذ عكس ما تتم مشاهدته في بعض الملاعب والأزقة، فإن سوق الشهب الاصطناعية، وأهمية استخدامها، يوحدان الفصائل الداعمة للأندية بشكل لافت، إلى درجة أن بعضها يتفق حتى على كيفية اقتنائها. يستعين بعض أفراد الفصائل ببعضهم البعض للحصول على هذه الشهب، إذ يمكن لفصيل معين أن يضمن وصول شحنة من الشهب لفصيل آخر بمنطقة معينة، ومن أجل ذلك، فإن كل هذه "الإلترات" تعين "خلية" خاصة بالشهب، تتكلف بتوفير الإمدادات يوم المباراة والاحتفالات. يفسر هذا التضامن الكبير بين الفصائل الذي عرفته ملاعب عدة بالمملكة، أخيرا، بعد إصدار الجامعة الملكية لكرة القدم عقوبات اللعب دون جمهور، في حق الأندية التي تستخدم جماهيرها الشهب. واستغرب كثيرون أخيرا، عندما رفعت لافتات بعينها في كل الملاعب، من البيضاء إلى فاس وتطوان وأكادير وغيرها، وتساءل البعض عن السر وراء تضامن الفصائل في ما بينها، بخصوص منع استخدام الشهب في الملاعب. الشهب توحد "الإلترات" ولكي تحصل على هذه الإمدادات، فإنها تجد نفسها مضطرة للاتحاد والتفاهم، على طرق الإتيان بها من الشمال، عبر نقاط التقاء كثيرة، بدءا من البيضاء ومرورا بالرباط وسلا والقنيطرة ومولاي بوسلهام، ووصولا إلى تطوان والمضيق وسبتة وأصيلة، على أن يسلك الأفراد أنفسهم المسار نفسه عند العودة. سيقول البعض كيف لهذه الفصائل أن تتحد للحصول على الشهب، علما أنها تستعملها ضد بعضها في بعض "الحروب" العنيفة ؟ وهنا مربط الفرس، إذ لم يسبق لأي فصيل أن استخدم الشهب الاصطناعية ضد فصيل آخر يمثل مدينة أخرى، في عراك الشوارع، وهو ما أكده لنا بعض أفراد هذه "الإلترات"، لكنهم بالمقابل، شددوا على أن هناك بعض الخلافات بين فصائل مساندة للفريق نفسه بالمدينة ذاتها، استعملت فيها الشهب، كما حدث أخيرا بأكادير والبيضاء. المسالة ليست عشوائية بل لها قانون يسمونه "قانون الفصائل"، ويتضمن عددا من البنود، من بينها عدم استعمال الشهب ضد بعضهم البعض في الخلافات و"الحروب"، لكن ذلك لا ينطبق على الصراعات بين فصائل فريق واحد أو مدينة واحدة، لأن الأمور آنذاك تخرج عن السيطرة، وتصبح حربا بلا هوادة، تكون فيها كل الأساليب متاحة، ولعل البيضاء عاشت ويلات ذلك كثيرا في سنوات ماضية. "حرب" بلا هوادة مع انتشارها السريع والكبير، فإن الطريقة التي يتعامل بها أفراد الفصائل للحصول على الشهب، تبرز مدى الخوف الذي ينتابهم من الوقوع في أيدي الأمن، الذي يشن حربا بلا هوادة. ارتفعت حدة هذه الحرب، عندما ظهرت مصادر تموين إضافية في الشمال وبعض الموانئ، وخاصة عندما بدأ بعض المشاغبين يستغلونها ضد الأشخاص، في حروب بين فصائل مساندة لفريق معين. خلال لقاءات في إطار الإعداد لهذا التحقيق، ظهر الغضب على الفصائل، بسبب سوء استخدام هذه الشهب، بل تبرأت من بعض "حروب الشوارع" التي استخدمت فيها هذه المواد الخطيرة، واصفة من يستعملها ب"القاصرين"، و"الذين لا علاقة لهم بالحركية والفصائل عامة"، وليس فقط بالمغرب. وأكثر من ذلك اعترف بعضهم بخطورة استعمالها حتى في الملعب، وأنه يجب إحداث طريقة "آمنة" لإشعالها خلال المباريات، عوض رميها في الملعب عشوائيا. ورصدت "الصباح" تشوهات وحروقا لدى بعض مستعملي هذه الشهب، تعرضوا لها خلال استعمالهم للشهب خلال المباريات وفي الملاعب، وفي بعض الاحتفالات الرياضية. حجز كمية من هذه الشهب، يعتبر خسارة مالية كبيرة للفصائل، إذ هناك من يصرف عليها الملايين من السنتيمات. وحسب المعطيات التي جمعتها "الصباح"، فإن معدل مصاريف رحلة واحدة لاقتناء الشهب من الشمال، يمكن أن تكلف فصيلا ما يفوق 50 ألف درهم، من التنقل و"التدويرة" واقتناء كمية كبيرة من الشهب، ثم العودة. بمعنى أن المكلف بجمع هذه الأموال من باقي الفصائل، وما يصطلح عليه ب"السخار"، سيكون عليه إعادة تلك الأموال في حال فشل في مهمته. موانئ الشمال... مسالك التهريب تحول اهتمام رواد هذه الشهب والمفرقعات، إلى ميناء طنجة وسبتة وتطوان، في السنوات الأخيرة، بعدما كان الاهتمام في السابق منصبا على الجهة الشرقية، التي كانت المورد الرئيسي للسوق المغربية. تطلق بعض فصائل الأندية الوطنية، اسم "المنعمون" على فصائل أندية الشمال، فقط لأنها تتوفر على مداخل أقرب للشهب الاصطناعية، إذ لا يحتاجون للسفر لاقتنائها، ويحصلون على كميات وافرة، إلى درجة أن بعضهم بدأ يتاجر فيها. تعتبر الشحنات التي تلج لبعض الموانئ قليلة، على غرار آسفي والبيضاء وأكادير، ولهذا السبب يفضل أغلب هذه الفصائل السفر للشمال، بطنجة وتطوان وسبتة، لاقتناء عدد وافر منها. ورغم منعها من قبل الأمن، فإن هذه الفصائل تعتبرها "وسيلة احتفال"، لا تستحق المنع، غير أن استعمالها ضد الأشخاص، رفع من خطورتها وكان لزاما على الأمن حينها التحرك لوقف ترويجها. الشهب لا تصنع بالمغرب، ولا يملك أفراد الفصائل طرقا أو فرصة لفعل ذلك، ولهذا فإن تجارتها عرفت انتعاشا كبيرا في السنوات الأخيرة، إذ تنوعت مصادر الحصول عليها، من الشرق إلى الشمال وإلى بعض الموانئ.

الشهب النارية… مسار الرعب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشماعية... حملات لمحاصرة الجريمة

معضلة البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات