بوشارب: الزلزال فرصة لتحقيق الإنصاف الترابي

الخبيرة في التعمير دعت إلى الحفاظ على نمط البناء الجبلي واعتماد معايير مضادة للزلازل أكدت نزهة بوشارب، الوزيرة السابقة في السكنى والتعمير والخبيرة في الهندسة والتعمير والبيئة، أن إعادة الإعمار في المناطق المتضررة، تواجه تحديات أولها مرتبط بالعامل الزمني، سيما ونحن على مشارف فصلي الخريف والشتاء، اللذين تعرف خلالهما هذه المناطق الجبلية ظروفا مناخية قاسية، ما يستدعي إيجاد حلول سريعة لإعادة إيواء المتضررين. ودعت بوشارب في حوار مع "الصباح" إلى الحفاظ على النمط المعماري المتعارف عليه في المناطق الجبلية، مع اعتماد معايير مضادة للزلازل. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني يطرح سؤال إعادة إعمار المناطق المنكوبة العديد من الإكراهات. ما هي في رأيك أهم التحديات التي تواجه هذا الورش الكبير؟ > في البداية أجدد التعازي وأصدق مشاعر المواساة لعائلات الضحايا، والمتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين. كما أستحضر بكل فخر واعتزاز مبادرة جلالة الملك بالإسراع إلى إعطاء توجيهاته السامية إلى مختلف السلطات من أجل إغاثة المنكوبين، بتسخير كل الوسائل والإمكانيات، وتفقده للمصابين بمراكش وتبرع جلالته بالدم. كما لا تفوتني الفرصة دون التنويه بالمجهودات الجبارة والتضحيات الجسام لفرق الإنقاذ بكل مكوناتها. أما بالنسبة لسؤالكم، فهناك عدد من التحديات المطروحة بالنسبة إلى عملية إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من زلزال يوم 8 شتنبر، أولها مرتبط بالعامل الزمني، سيما ونحن على مشارف فصلي الخريف والشتاء، اللذين تعرف خلالهما هذه المناطق الجبلية ظروفا مناخية قاسية، ما يستدعي إيجاد حلول سريعة لإعادة إيواء المتضررين. أما ثاني التحديات، فيتعلق بالطبيعة الجغرافية للمناطق المتضررة، سيما المناطق الجبلية المعروفة بوعورة التضاريس، وتدهور حالة الطرق في العديد من الأحيان، ما يستدعي الشروع في إصلاح البنيات الأساسية كالطرق قبل عملية إعادة الإعمار. ويهم التحدي الثالث طبيعة الإعمار وطبيعة السكن، وهنا يطرح السؤال هل سيتم وضع رؤية جديدة للإعمار في العالم القروي، أم سيقتصر الأمر فقط على إعادة بناء السكن المتهدم، بمراعاة مختلف الأبعاد التاريخية والثقافية والسوسيولوجية، ونوع الأنشطة التي تعرفها تلك المناطق خاصة ما هو مرتبط بالسياحة الجبلية. هل سيتم إشراك السكان في إعادة الإعمار؟ > ارتباطا بهذه التحديات، يطرح تحد أساس لا يقل أهمية، ويتعلق بمشاركة وانخراط السكان في اختيار سيناريو إعادة الإعمار، وفق المستلزمات التي أكد عليها جلالة الملك في اجتماع العمل الذي ترأسه يوم 14 شتنبر الجاري، والتي أخذت بعين الاعتبار الإنصاف والإنصات الدائم لحاجيات السكان المعنية، بإشراف تقني وهندسي منسجم مع تراث المنطقة، مع احترام الخصائص المعمارية المتفردة. كما يطرح تحد آخر مرتبط بطبيعة الدواوير الصغيرة المتضررة المتميزة بالتشتت، علاوة على تحديات ضمان باقي السكان في مناطقهم الأصلية، وعدم دفعهم إلى النزوح إلى المدن والحواضر، وما ينتج عن ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية، علاوة على المواكبة النفسية والاجتماعية للمنكوبين من أجل تجاوز أثار الصدمة. أقرت الحكومة تدابير خاصة بإعادة بناء المنازل المنهارة. في رأيك ما هي الصيغة التي يجب أن يأخذها شكل البناء في المناطق الجبلية المعزولة؟ > إن إعادة الإعمار لا تقتصر فقط على السكن، بل تشمل باقي البنيات الأساسية من طرق وشبكات الماء والكهرباء والتطهير والربط بوسائل الاتصال، وتوفير المدارس والمراكز الصحية. إن الأمر يتطلب وضع مشروع مندمج يوفر إطار العيش اللائق والكريم للسكان، ويتسم بالاستدامة، ويحسب كل المخاطر المحتملة مستقبلا. وبالنسبة إلى شكل البناء في المناطق الجبلية، التي تبين أنها زلزالية، يجب الحفاظ على النمط المعماري المتعارف عليه، مع اعتماد معايير مضادة للزلازل. وهنا أذكر بأن بلادنا وضعت رهن إشارة مهنيي البناء صيغة جديدة محينة لنظام البناء المضاد للزلازل (RPS2000)، والذي يشمل تقسيما جديدا للمناطق المهددة بالزلازل، ويهدف إلى المحافظة على سلامة السكان وحماية المنشآت، وضمان توفير الخدمات الأساسية، أثناء وقوع الزلازل. رؤية مستدامة هل تحدثت الصيغة المحينة لنظام البناء المضاد للزلازل عن المناطق الجبلية وخصوصية البناء الطيني بها؟ > لقد تم إعداد نظام مضاد للزلازل بالنسبة إلى البناء الطيني، دخل حيز التنفيذ منذ 2014، ويحدد تقنيات البناء بالطين المضاد للزلازل. وجرى إطلاق برنامج لإعداد خرائط المناطق القابلة للتعمير، قصد تدبير المخاطر خلال عملية التعمير، ويجب تسريع تعميم هذا البرنامج على جميع جهات المملكة. وفي اعتقادي، فإن هذه الكارثة، رغم قساوتها، تعتبر فرصة لوضع رؤية مستدامة للإعمار في العالم القروي، مبنية على قيم الإنصاف والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومن بين أهدافها الأساسية، الانتقال من مجمعات تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط العيش الكريم إلى قرى نموذجية. المراكز الصاعدة تحملت سابقا مسؤولية وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة. هل يمكن أن نعرف طبيعة الأوراش الخاصة بالوسط القروي وأسباب عدم تنفيذها؟ > كانت تنمية العالم القروي من أولى الأولويات، من خلال إنجاز مخطط للإنصاف الترابي، يعطي الأولوية للوسط القروي، ويرمي إلى رفع التحديات المرتبطة بالمدن المتوسطة، سيما الصغيرة التي تعتبر واجهة لهذا الفضاء. كما تم الاشتغال على رؤية جديدة مبنية على الإنصاف والمساواة بين الوسطين الحضري والقروي، مع مراعاة الخصوصيات المحلية، وتأهيل هذا المجال ليضمن استقرار السكان، ويوفر فرص الاستثمار. وتم وضع برامج لتطوير المراكز القروية الصاعدة، إذ شمل الشطر الأول منها 325 مركزا تهم 5.7 ملايين نسمة (أي 42 في المائة من السكان القرويين)، وشطر ثان يهم 217 مركزا تهم 2.3 مليون نسمة (أي 18 في المائة من السكان القرويين)، وملاءمة سياسة المدينة، حتى تشمل القرى أيضا، كما تم وضع برنامج التدبير المندمج لمخاطر الكوارث الطبيعية، فضلا عن الرؤية الإستراتيجية لقطاع الإسكان ما بعد الجائحة، وإطلاق المشروع الجديد للسكن الميسر. ولا يخفي على أحد الدور الإستراتيجي للبرنامج الوطني للتنمية المندمجة للمراكز الصاعدة، كمحفز للحد من الاختلالات بين الحواضر والبوادي، وفي تأطير وتنمية المجالات القروية، بغية تحسين ظروف عيش سكان القرى، عبر تعزيز الخدمات المرتبطة بتحسين جودة التعليم والخدمات الصحية، وفك العزلة وتنويع الأنشطة الاقتصادية، وتقوية جاذبية الوسط القروي، وتثمين الموروث الطبيعي والثقافي. تعميم وثائق التعمير أود التذكير أيضا بما تم القيام به من أجل تشجيع البناء في الوسط القروي، من خلال تسريع تعميم وثائق التعمير وتقديم المساعدة التقنية والهندسية بالمجان. ومن أجل مواكبة عملية البناء في القرى، تم إعداد مشاريع لتطوير قرى نموذجية، إذ كانت البداية من جهة فاس- مكناس، وتم توقيع اتفاقيات لتنفيذ برنامج تأهيل المراكز الصاعدة، وإنجاز مشروع نموذجي، بهدف تحسين إطار عيش السكان في المناطق الجبلية المتأثرة بالتغيرات المناخية، وتحقيق الإنصاف الترابي والمساواة بين الوسطين القروي والحضري، عبر وضع مشاريع وميكانيزمات تمويل مبتكرة. وجب التذكير بأنه تم، في وقت سابق، وضع برنامج للسكن الاجتماعي في الوسط القروي، إلا أنه لم يلق إقبالا، لعدم ملاءمته مع خصوصياته المتباينة بين الواحات والسهول والجبال. وبالتالي، تم اقتراح برنامج نموذجي لتنمية السكن القروي، يرمي إلى دعم إعادة تأهيل وتحسين جودة السكن وتوفير المواكبة التقنية والمالية لهذا النوع من السكن. كما تمت الدعوة إلى اعتماد إطار تعاقدي جديد يضم كل القطاعات المعنية من أجل تطوير هذا البرنامج النموذجي لإعادة وتأهيل السكن ودعم وتأطير البناء الذاتي، وتشييد البنيات الأساسية والمرافق الاجتماعية. مقاربة تشاركية إن ما يجب التأكيد عليه اليوم، هو أن بلادنا تواجه رهانات كبرى في مجال مواجهة التغيرات المناخية والتفاوتات المجالية والاجتماعية. والجواب عن هذه الرهانات والتحديات الكبرى، يمر لزاما عبر وضع رؤية جديدة لتنمية المجالات القروية، التي يجب أن تتحول إلى مجالات استقطاب وتنافسية، وذلك باعتماد مقاربة تشاركية تضم كل الفاعلين، وترمي إلى تحسين إطار العيش وتوفير التجهيزات الضرورية للحياة الكريمة، علاوة على مساهمتها في تدعيم الإطار المعماري، وتوفير وسائل الحركية والربط، بما يحد من التفاوتات بين المجالين القروي والحضري في مجال الخدمات، من خلال مشاريع نموذجية تضمن السكن والتجهيزات والخدمات والأنشطة المدرة للدخل. وفي هذا الباب، أذكر بأنه في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2021، تم رصد ميزانية لهذا الغرض، بهدف تحقيق تساوي الوسطين القروي والحضري في الاستفادة من صندوق دعم السكن. ولنجاح هذا التصور، لابد من مواكبته وتعزيزه بإطار قانوني ومؤسساتي خاص بالمناطق القروية والجبلية، وبميكانيزمات جديدة ومبتكرة للتمويل. إشراك السكان في برامج التأهيل هل هناك صيغة أو مشروع قرى نموذجية قريبة من الطريق ومن الدوار وبأي مواصفات؟ > لكي تكون عملية إعادة الإعمار مندمجة، يجب بكل بساطة ضمان التقائية تدخلات كل الفاعلين، واعتبار إعادة إعمار دوار معين مشروعا واحدا غير قابل للتجزئة، مع ضرورة اعتماد التشاور والحوار مع السكان، باعتبارهم المعنيين بإعادة الإعمار وبرامج التأهيل، التي أعلن عنها في إطار الرؤية الملكية، والبرنامج متعدد القطاعات، الذي يهم الأقاليم المتضررة من الزلزال، والذي يتمحور حول أربعة مكونات تهم إعادة إيواء السكان، وبناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية، وفك العزلة وتأهيل المجالات الترابي، وامتصاص العجز الاجتماعي. تدخل استعجالي صحيح أن السكان محتاجون اليوم لحلول مؤقتة تقيهم البرد. ما هي في رأيك الحلول الممكنة في انتظار إعادة البناء؟ > لقد قامت الدولة، بتوجيهات ملكية، بكل ما يستلزمه التدخل الاستعجالي، من تدابير سواء لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض وعلاج الجرحى والمصابين، أو التكفل بالمتضررين من خلال توفير المساعدات الغذائية والخيام وباقي مستلزمات الحياة، وضمان حق الأطفال في التمدرس بإقامة القوات المسلحة الملكية لأقسام تحت الخيام شرعت بها الدراسة. وهنا، لابد من الإشارة إلى أنه بحكم حجم الدمار، فإن عملية إعادة الإعمار تتطلب الوقت ومجهودا استثنائيا، وبالتالي، فإن البديل المتوفر الآن هو أماكن الإيواء المؤقتة والمساعدات العينية، التي يجب أن تراعي الحاجيات الخصوصية للنساء والأطفال، وكذا توفير شروط العيش الكريم، وضمان الخدمات والتمدرس ووسائل التنقل، إضافة إلى المواكبة النفسية والاجتماعية للعائلات المنكوبة. قرية نموذجية أولا ألا ترون أن هيأة المهندسين مطالبة بفتح التباري من أجل إعداد قرية نموذجية، قبل تعميم التجربة، بعد التشاور الواسع؟ > فكرة جيدة فعلا، وعلى جميع الهيآت المعنية من مهندسين معماريين ومنعشين عقاريين من القطاعين العام والخاص ومكاتب الدراسات، أن تنخرط في إطار رؤية إستراتيجية لبناء العالم القروي بصفة عامة، لأن الحاجة ليست فقط مرتبطة بظرفية زلزال 8 شتنبر، بل يتعلق الأمر بمشروع مجتمعي يستدعي حكامة جيدة. ويقينا ستكون القرى النموذجية من ثمار هذا التفكير. نماذج مطابقة للخصوصية من موقع اهتمامك وتحملك مسؤولية وزارية سابقة، هل هناك نماذج دولية في مجال السكن القروي يمكن الاستئناس بها؟ > نعم هنالك العديد من النماذج الدولية، لكن بالنسبة إلى المغرب، يجب وضع نماذج مطابقة لخصوصياتنا، وتراعي المحافظة على الطابع المعماري والثقافي والتاريخي. وفي هذا الباب لدينا من الكفاءات ما يكفي لتطوير النسيج العمراني القروي، وفق روح «تمغرابيت»، وبما يضمن استقرار السكان وحسن تدبير المخاطر وليس فقط الوقاية منها. وبصفتي فاعلة جمعوية، أعتقد أن دور المجتمع المدني كان محوريا في التعامل مع الزلزال، من خلال مظاهر التضامن الواسع مع المتضررين، وبالتالي، فإن رسالة مكوناته، يجب أن تتواصل في تأطير السكان ومواكبتهم، وتحسيسهم بأهمية الانخراط في بناء وإعمار جديد للقرى. وعلى سبيل المثال، يمكن تأطير وتكوين الشباب في إطار تعاونيات للإعمار في العالم القروي. إن التعبئة الوطنية التضامنية من أجل كسب مختلف الرهانات المستقبلية، ستتواصل، بإذن الله، وراء القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.

بوشارب: الزلزال فرصة لتحقيق الإنصاف الترابي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سقوط "بزناس" شهر بالدرك

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات