آسفي.. لؤلؤة مرصعة بالمآثر

معالم تاريخية تحكي عن قرون خلت وفضاءات سياحية تغري زوار المدينة آسفي كنز المآثر والمعالم التاريخية والجغرافية، مدينة قديمة لا تُفنى، تنطق بالماضي المثقل بالأحداث والذكريات، وتعيش حاضرا يأبى أن يتزين.. مدينة ماضيها أفضل بكثير من حاضرها، فهي حاضرة المحيط وعروس البحر، وذاكرة المدن ولؤلؤة المحيط. وأنت بآسفي، تجلس على صخرة من الصخور المكومة على الشاطئ، تشعر بأنك على أهداب بحر قديم قدم الأرض، تتدفق عليك مياه بحر يرقد على الجانب الغربي لواحدة من أقدم مدن المملكة.. بلا شك ينتابك شعور مبهم لا هو بالواقع ولا هو بالخيال، ولكن على كل حال أقل ما يوصف به أنه شعور رائع بالوجود في مدينة اسمها آسفي... إنجاز: محمد العوال (آسفي) هذه المدينة المتخمة بالجراح، ترتدي أحسن ثيابها خلال فصل الصيف، لاستقبال زوارها، حيث، تنشط مناحي الحياة وتزدهر التجارة، ويتضاعف الإقبال على الفنادق والدور المعدة للكراء، وترى جحافل من الناس تسابق الزمن، للظفر بلحظات من المتعة والاستجمام بشواطئ المدينة ومحيطها. فبهذه المدينة، ترتسم ملامح الصيف على وجه آسفي، من خلال العديد من الأمكنة والوجوه أيضا، وتفيض أسواقها حيوية ونشاطا، تعكسه حالة الاكتظاظ التي تشهدها أسواقها وكل فضاءاتها. رغم أن من تعاقبوا على الشأن العام، أرادوا من آسفي أن تكون مدينة بدون هوية سياحية، وأغرقوها بالمشاريع الصناعية وما تخلفه من تلوث (دون انعكاس ذلك على اليد العاملة المحلية)، فإن القدر أراد لها هذه السنة، أن تشكل وجهة للسياحة الداخلية، فسكان آسفي أنفسهم منبهرون من توافد زوار المدينة، سيما من مراكش وبني ملال وابن جرير وقلعة السراغنة وغيرها من المناطق.. قصر البحر ودار السلطان.. معلمتان ساطعتان ولمن لا يعرف أغوار آسفي، فإنها تلك المدينة القابعة وراء المحيط الأطلسي، التي قال عنها لسان الدين بن الخطيب "آسفي لطف خفي ووعد وفي، ودين ظاهره مالكي، وباطنه حنفي، الدماثة والجمال، والسذاجة والجلال، قليلة الأحزان، صابرة على الاختزان، وافية المكيال والميزان، رافعة للداء بصحة الهواء، بلد موصوف برفيع ثياب الصوف، وبه تربة الشيخ أبي محمد صالح، وهو خاتمة المراحل لمسورة ذلك الساحل..". فكل من يزور المدينة صيفا، لابد أن يقف مبهورا لبنيات أثرية تخفي وراءها ذكريات وأحداثا تاريخية كقصر البحر، الذي سقط جزء منه، ورغم ذلك ما زال شامخا، يقف مشرئبا يغازل ضيوف المدينة وزوارها، وحارسا وفيا لآسفي كما كان الحال عليه قبل قرون مضت.. الكثيرون يقفون مشدوهين لحجم الإهمال الذي يجابه به قصر البحر، وكأن آسفي قطعة خارج زمن جغرافية الوطن.. «بالله عليكم، هل كل مؤسسات الدولة عاجزة عن صيانة هذه المعلمة؟.. عيب وعار أن تتساقط ذاكرة المدينة أمام أعين أبنائها»، يقول أحد زوار المدينة في حديث ل "الصباح"، لكن صيحات أبناء المدينة الذين احتجوا على هذا الإهمال المقصود لم تجد آذانا صاغية. ومن المآثر التي تستهوي الزائر وتسافر به عبر الزمن، دار السلطان بالقصبة العليا، والتي صارت محكمة للحكام الفرنسيين، في احدى فترات المغرب الحديث، وهي من مآثر ملوك السعديين، والظاهر – يقول محمد بن أحمد الكانوني العبدي، إنها من تأسيس أبي عبد الله أول ملوك السعديين، لأنه هو الذي عمّر آسفي ورد إليه أهله بعد جلائهم عنه منذ احتلال البرتغاليين آسفي ونقضهم للشروط التي عقدها معهم المسلمون. وهذه الدار متسعة الأرجاء واسعة الأنحاء محكمة البنيان شامخة الاركان، جاءت بفضل محلها المرتفع مشرفة على المدينة والبحر، كما أنها آخذة من البر حسن البهجة. وفي وسط دار السلطان، يوجد قصر الباهية (الذي سمي في عهد الاحتلال الفرنسي ببيرو عراب) أو دار السلطان مولى هشام، والتي يصفها محمد الكانوني بالقول إنها الدار "ذات المحاسن الشهية بلغت في إتقان البناء والاحكام الغاية القصور وفي التزويق والتحسين ما تشتهيه النفس وتهواه، وهي الآن في عداد آثار الملوك محفوظة بعين أهل التاريخ والآثار». ومن آثار آسفي كذلك، التي لابد للزائرأن يتمتع بجمالها وزخرفتها، الكنيسة البرتغالية التي صيرها المسلمون حماما عرف بحمام البويبة، "وهي كنيسة عجيبة الصنع محكمة البناء حسنة الوضع"، إذ "ما زالت ضخمة البنيان عالية الأسوار والاركان، وقد حازتها ادارة جمعية الآثار القديمة، وتم تعويض أربابها من ورثة الفقيه ابن التهامي العفو بالحمام المزوق. ضريح أبي محمد صالح... صاحب موكب الحجاز وغير بعيد عن قصر البحر، يوجد ضريح الشيخ أبي محمد صالح (توفي سنة 631 هجرية) واحد من المعالم الدينية، إذ أن أغلب زوار المدينة، لابد أن يدلفوا إلى الداخل لتحية هذا العالم الورع، الذي ترك بصمات مهمة في تاريخ الإسلام، واختار الاستقرار الأبدي بآسفي. وكانت للشيخ أبي محمد صالح، وفقا لصاحب كتاب المنهاج الواضح في تحقيق كرامات الشيخ أبي محمد صالح، العديد من الزوايات والرباطات بالمشرق والمغرب، ولكن رباط آسفي كان هو المركز الوحيد، صار له صيت في الآفاق ، وشُدت إليه رحلات الرفاق، وتخرج من هذا الرباط العديد من الأعلام والشيوخ والمرشدين. وقد ظلت هذه الزاوية، يقول مؤلف كتاب الجواهر الصفية في تاريخ الديار الآسفية، شاغلة فراغا كبيرا طيلة النصف من القرن السادس إلى نهاية القرن التاسع، على رغم التقهقر الذي يسري إلى ضرورة سريانه في جسم الأمة الإسلامية عموما، والأمة الآسفية خصوصا، حتى فاتح القرن العاشر الهجري... وكانت هذه الزاوية تنظم الركب الحجازي نحو بيت الله الحرام، وتحث على الحج وتدعو إلى تعلم أصوله وضوابطه. وكانت طائفة الشيخ ابي محمد صالح، كجمعية تبشيرية بأرقى نظام كافل للنجاح، تحبب إلى الناس الحج، وتسهل عليهم الطريق وتزودهم إليه، "فما أوسع نظر هذا الشيخ وما أكثر غوصه في فلسفة التشريع، فإنه رضي الله عنه، رأى امتهان النفس في طاعة الله أمرا محمودا.."، يقول الكانوني العبدي. شواطئ آسفي... ترويح عن النفس غير بعيد عن هذه الأماكن، التي تنبض بالتاريخ، ينتصب شاطئ آسفي، الذي يتردد عليه الكثيرون ويقضون به ساعات من الاستجمام. وغير بعيد عن آسفي، يمكن لزائر المدينة أنه يتجه، نحو منطقة البدوزة أو «الكاب»، حيث جمالية الشاطئ ورونقه. وتشير بعض الروايات التاريخية، إلى أن أصل منطقة البدوزة أو الكاب، هو «قنط» التي حرفت إلى «كونتي» ثم «كانتان» (أي الكاب). ويقول الحسن الوزان الغرناطي المدعو ليون الإفريقي، خلال حديثه عن هذه المنطقة، إنه بناها الأفارقة الأقدمون، ثم حكى قولا بأن «بانيها الغوط، وقال مرمول بناها القوط وقت استيلائهم على منطقة طنجة، لكن خربها العرب أيام طارق لما ذهب لفتح الأندلس، وما بقي منها أتم البرتغال تخريبه»، مؤكدا أن بعض ما تم نسفه كان بالبحر، عملا بقاعدة «لننسفنه في اليم نسفا». وعن هذه الآثار وما لحقها من التخريب يقول الفقيه الكانوني: وهي الآن لا أثر لها وفي موقعها الآن المنارة الشهيرة المعروفة (كاب كنتان) أسست في الدولة اليوسفية (في إشارة إلى مولاي يوسف)، وهي من أهم منارات المغرب. كما أن المؤرخ الحسن الوزان في كتابه «وصف إفريقيا»، يؤكد أن «قنط مدينة صغيرة على بعد حوالي عشرين ميلا من آسفي، بناها القوط في العهد الذي كانوا يسيطرون فيه على هذا الساحل، وهي الآن خراب تخضع أراضيها لبعض أعراب دكالة». كما تتميز المنطقة بالعديد من المؤهلات الطبيعية والجمالية، فقصبة أيير ومنارة البدوزة، فضاء تجمع بينهما العديد من الأشياء المتشابهة، التي تشهد على قدم المكان، والسر يقول أحد المطلعين على خبايا هذه المنطقة، هو وجودهما في منطقة واحدة ومكان يشرف على البحر، «إنهما عبارة عن مرتفع تحتل صخوره جزءا متقطعا من أرض زاوجت بين روعة المرأى وخصوبة الخليقة، اشتهرتا برمالهما الذهبية وخلجانهما وضفاف وديانها المتسللة من الشاطئ وبعمرانها الغابر في التاريخ، يدل على عراقة الزمان والمكان، ومن تم حباهما الله بجمال آسر وطبيعة خلابة وموقع متميز يستقطب الزوار للنيل من فيض كنوز سواء مما كان بين الصخور أو على ضفاف الشاطئ الفسيح» يقول أحد المهووسين بشاطئ «الكاب». فمنتجع الكاب أو البدوزة، يقول أحد المهووسين بالمنطقة، له تاريخ مجيد وموقع تليد في عمق المحيط الأطلسي، مرت منه العديد من الحضارات التي تركت بصماتها و لو في أوراق البحث والتنقيب التاريخي المتخصص، حيث الرومان والقرطاجيون والأفارقة الأقدمون والبرتغاليون والعرب، فكل الحكايات تؤكد أن المنطقة تاريخية وآخر مسؤول وقع في دفترها الذهبي، كان هو الملك الراحل محمد الخامس، يضيف المصدر ذاته. فبشواطئ آسفي، يمكنك أن تقضي أجمل الأوقات وتداعب مياه بحوره الدافئة، وتتناول بعد ذلك أجمل الأكلات من الأسماك التي يصطادها صيادون تقليديون، بأثمان مشجعة جدا.. ب «الكاب»، يمكنك أن تختار العديد من الشواطئ والأماكن التي تغري عشاق السباحة، الأمر نفسه بالنسبة إلى شاطئ لالة فاطنة، الذي لا يبعد عن آسفي سوى بسبعة كيلو مترات. تلك هي حالة آسفي في فصل الصيف، إذ تتزين المدينة لتحكي عن نفسها، في حين يجد أهلها وهم يسترجعون ذكريات الماضي، أن أشياء كثيرة ضاعت خلسة من هذه المدينة..

آسفي.. لؤلؤة مرصعة بالمآثر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نـــــداء الــــواجـــب

الإطاحة بمروجة "القرقوبي" بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات