الإعلامي والأكاديمي الإسرائيلي قال لـ حابصلإن المغرب هو البلد الوحيد الذي لم يضطهد يهوده اشتهر بتغريداته اللاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبإطلالاته الإعلامية المثيرة للجدل، وهو يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، مدافعا عن أفكاره واختيارات بلاده، إنه الإعلامي والأكاديمي الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي يتحدث في هذا الحوار، الذي خص به "الصباح"، عن خلفيات اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، كما تحدث المتخصص في العلاقات العربية الإسرائيلية عن قضايا تتصل بمستقبل المنطقة، وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب ما هي دلالات الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء بعد أزيد من سنتين من توقيع الاتفاق الثلاثي الإبراهيمي؟ وما سبب تأخر الاعتراف عن الاتفاق؟ هي دلالات تحيل على أمور عظيمة وإيجابية حدثت، وترتبت عنها أشياء أخرى تؤشر على أن الأمور تسير من حسن إلى أحسن، منها تعيين العميد شارون إيتاح ملحقا عسكريا في المغرب، وإقامة مصانع طائرات درون مسيرة إسرائيلية الصنع في الداخلة بالصحراء المغربية. بالنسبة إلى التأخير كان نوع من "البلوكاج"، لكن والحمد لله أخذت الأمور سيرها الطبيعي، وانطلق القطار وغادر المحطة الآن. عايشت بعضا من كواليس الظروف التي أحاطت بقرار الاعتراف، وساهمت من موقعك للدفع في اتجاهه.. ما الذي يمكن أن تقوله بهذا الشأن؟ كنت من النشطاء الذين ناضلوا من أجل الدفع في اتجاه الاعتراف بمغربية الصحراء من موقعي إعلاميا وأكاديميا وأيضا مستشارا برئاسة الحكومة، كما اعترضنا على ظهور خريطة المغرب منقوصة من صحرائه بمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال مرور تلفزيوني له وهو يتحدث عن المغرب، وبعثنا برسالة لرئاسة الحكومة في هذا الشأن، كما ضغطنا عن طريق الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتغريداتي وصداها في العالم العربي ما زالت موثقة، وكنت دائما أقول، على الأقل باسمي الشخصي، إن إسرائيل يجب أن تعترف بمغربية الصحراء باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض المغرب، ولهذا دخلت أيضا في مواجهة إعلامية مع الجزائر وحليفتها "بوليساريو" التي يجب أن تصنف منظمة إرهابية، من قبل الأمم المتحدة، وهو ما نناضل أيضا من أجله. تحدثت عن نوع من "البلوكاج" الذي سبق الاعتراف بمغربية الصحراء، هل يتعلق بشرط الاعتراف بإسرائيلية القدس مقابل مغربية الصحراء أم ماذا؟ كانت هناك إشارات إلى سيناريوهات من هذا القبيل، أو أن المغرب لم يفتح سفارة، أو أن جلالة الملك لم يقبل اعتماد السفير الإسرائيلي وأشياء كثيرة كانت تقال لكن لا شيء مؤكد، فشخصيا لا أتوفر على معطيات مفصلة في الموضوع، لكن ما يمكن أن أقوله هو أن إدارة بايدن نفسها كانت جزءا من الضغوطات على نتنياهو، فالأمريكيون كانوا منزعجين جدا من اعتراف سلفه ترامب بمغربية الصحراء، رغم أن الإدارة الحالية لم تتمكن من تغيير هذا القرار بعد أن اتخذت قرارات عديدة عكس توجهات الإدارة السابقة. ماذا عن صورة المغرب لدى الإسرائيليين غير المغاربة؟ هي صورة ترتبط بشكل عام ببلد معتدل ومسالم، فهناك عشرات الآلاف من الإسرائيليين غير المغاربة زاروا ويزورون المغرب دون أن يكون هناك لديهم قاسم مشترك بالضرورة، ويدخلون بجوازات سفرهم الإسرائيلية، حتى قبل المعاهدة، ما يعني أن العلاقات منذ القديم رائعة، ولو أن السياسة "خربشت" الأمور قليلا، بسبب القضية الفلسطينية التي أثرت سلبا على العلاقة مع اليهود وإسرائيل بشكل عام. ألا يمكن لهذا التقارب أن يكون له دور إيجابي في إقرار سلام بين إسرائيل وفلسطين على أساس حل الدولتين؟ أتفهم أن الدولة المغربية كانت دائما داعمة للقضية الفلسطينية واحتضنت مؤتمرات وقمما في هذا السياق، لذلك بإمكانها أن تكون خير وسيط للدفع بالأمور نحو السلام بين الطرفين. لكن مع ذلك ما زال هناك ركام من سوء الفهم بسبب عقود طويلة من التربية على الكراهية بين الطرفين.. ما تعليقك؟ هذا الركام من سوء الفهم هو السبب الذي جاءت من أجله فكرة الاتفاق الإبراهيمي، فالبحث عن المشترك المنسي بين المسلمين واليهود هو ما يجب أن يكون، فنحن إخوة ونتحدر من أب واحد، والإسلام الحقيقي لم يحرم التعامل مع اليهود ولم يجرمه. لكن سوء الفهم نشأ بسبب الدين أو على الأقل باسمه؟ هذا فهم معين للنص الديني، وهذا هو الإسلام السياسي الذي ساهم بشكل كبير في زرع البغض والكراهية بين الأفراد، وبين المسلمين واليهود، وهو الأمر الذي بدأ يتفطن له الكثيرون ويسحبون البساط من تحت هؤلاء المتطرفين، وفي المغرب عاقب الناخبون حزبا بمرجعية الإسلام السياسي وأسقطوه انتخابيا، قبل سنتين، بعد أن اتضح لهم نفاقه وازدواجيته، وهو ما يعكس درجة الوعي لدى الشعب المغربي الذي يعرف ماذا يريد، ويتجاوز أطروحات الإسلام السياسي التي كرست فكرة رفض التعامل مع إسرائيل حتى نكون صريحين. لكن إسرائيل بدورها نشأت على أساس ديني ولا تختلف في شيء بهذا المعنى عما يطالب به منظرو الإسلام السياسي؟ إسرائيل رغم الشروط التاريخية التي أفرزتها، إلا أنها مع ذلك ليست دولة دينية، فالتوراة ليست دستورا لها، وشخصيا لست ملتزما دينيا، كما أن المتدينين وأحزابهم يشكلون أقلية، فهناك حزبان لديهما فقط 15 مقعدا من أصل 120 مقعدا بالكنيسيت، ولا يطمحون لإقامة دولة يهودية بل يهدفون فقط للحفاظ على التراث اليهودي، كما أن الحياة والمحلات مفتوحة يوم السبت بإسرائيل عكس ما هو مأمور به في التوراة، بمعنى أن تدبير إسرائيل مدني في كل مناحي الحياة. وماذا عن التربية على الكراهية في إسرائيل؟ نعم هناك يهود متطرفون كذلك يتعاملون بقسوة مع الفلسطينيين ويدعون إلى قتل العرب، ولا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك، لكنهم يظلون قلة قليلة وغير مؤثرة، ويسكنون المستوطنات، وأعتقد أن الثورة الرقمية والإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في اتجاه إزالة سوء الفهم والتعرف على الآخر بشكل أوضح واكتشاف الطريقة التي يفكر بها وينظر بها إليك، لكن مع ذلك ما زال هناك أعداء كثر للسلام، ويزعجهم أي تقارب، كما الشأن بالنسبة إلى جارتكم الجزائر التي باتت عدوا مشتركا لنا. في هذا السياق كيف ترد إسرائيل على الاتهامات الجزائرية وحملات السب والتشويه التي تقودها ضد قرار الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه؟ إسرائيل لن ترد على مثل هاته الترهات، حتى لا تمنح قيمة للجزائر لا تستحقها، والخارجية الإسرائيلية أكبر من أن ترد على نظام يقتل شعبه ويجوعه، بل نكاية في ذلك ستواصل مسيرتها في اتجاه تعزيز وحدة المغرب الترابية، فهناك إجماع في إسرائيل من أجل فتح قنصلية بالصحراء المغربية، كما تمت صفقات عسكرية كبيرة من أجل تحصين الحدود ومراقبة "بوليساريو"، بمعنى أن الرد سيكون عسكريا، والجزائر ونظامهم لا يخيفوننا، بل سنسير في اتجاه إقناع كل حلفاء وشركاء إسرائيل باتخاذ الخطوة نفسها للاعتراف بمغربية الصحراء. رغم الصورة الوردية المرسومة عن حضور اليهود المغاربة بإسرائيل إلا أنها لم تخل من خدوشات صراع الهويات.. ما تعليقك؟ لا أخفيك أنه في بدايات توافد المغاربة اليهود على إسرائيل خلال الخمسينات والستينات، حدثت هناك مشاكل واصطدامات طبيعية، بحكم أن هؤلاء اليهود ظلوا من أكثر الجاليات تمسكا بعاداتهم وتقاليدهم مما صعب عليهم الاندماج بسهولة في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تجلى في طقوس الحناء في الزفاف وكذلك الأغاني الخاصة بهم، فضلا عن عيد "الميمونة"، المغربي أصلا، الذي صار مع مرور الوقت عيدا رسميا تمنح فيه عطلة رسمية معتمدة من قبل الحكومة. فعلا كانت هناك عنصرية تم تجاوزها مع مرور الوقت، بفعل الانصهار والاندماج دون التفريط في الجذور، وهذا ما جعل للمغاربة بإسرائيل خصوصية مميزة تجعلهم أكثر تعلقا ببلدهم الأصلي وهم دائمو الحنين إليه ويتحدثون باعتزاز عن ماضيهم وماضي آبائهم وأجدادهم هناك، وحرصهم على زيارة الأضرحة والمزارات في كل بقاع المغرب، لأنهم ظلوا يحتفظون بذكريات طيبة عن بلد عاشوا فيه بكل حب وتساكن مع بقية مكونات المغرب، ولهذا أحببت هذا البلد، رغم أني لم أزره بعد وهذا حلمي، فبحكم ميلادي وأصولي اللبنانية اهتممت أكاديميا على حضور اليهود في البلدان العربية ولاحظت أن المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي لم يضطهد يهوده فظلوا أوفياء له. لن أنسى ما فعله ملوك المغرب مع يهوده هل تتوقعون الرقي بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى فتح سفارات؟ لقد قلت إن القطار غادر المحطة وانطلق، والأمور ستتطور إلى أحسن، وقد علمت أن الخارجية الإسرائيلية بصدد بناء مقر لسفارة بعاصمة المغرب، فنحن نرى أن العلاقة مع هذا البلد لها أبعاد إستراتيجية بعيدة المدى، فنحن نتعامل مع دول عربية كثيرة إما صديقة وإما عدوة فلا توجد منطقة وسطى لدينا، والمغرب دائما كان دولة صديقة، حتى في لحظات التوتر القصوى، كانت دائما مواقفه تتسم بالتعقل والرزانة والحكمة، وشخصيا لا أنسى ما فعله ملوك المغرب من أجل اليهود، خاصة حين حمى السلطان محمد الخامس يهود المغرب من النازية وهو موقف تقدمي سابق على عصره، وهذه مسائل دائما ما كنت أقولها لطلابي في المحاضرات، حين أتحدث عن وضع اليهود في الدول العربية، كيف كان الاضطهاد يطاردهم في كل مكان، ليظل المغرب هو الاستثناء، ولا أقول هذا من باب المجاملة فهذه حقائق ووقائع يحفظها التاريخ. تعاون عسكري واستخباراتي كيف تتصور مستقبل العلاقات بين المغرب وإسرائيل في ظل تجاذبات السياسة الداخلية لإسرائيل أخذا بعين الاعتبار حجم ووزن المغاربة اليهود بها؟ السلام المبرم مع المغرب لن يكون سلاما باردا، كما هو الشأن بالنسبة إلى بقية الاتفاقيات مع دول عربية أخرى، ففضلا عن تعزيز التجارة والسياحة والاستثمارات وكذلك التعاون العسكري والاستخباراتي والأمني، هناك حضور يهودي في المغرب متجذر منذ قرون، كما أن الجالية المغربية اليهودية بإسرائيل تتجاوز مليوني شخص ولها ثقلها ووزنها، ومن شأنها أن تشكل صلة وصل ثقافية ودبلوماسية بين البلدين، فنحن في إسرائيل شعب يحب السلام ويسعى إليه مع جل الدول العربية، فقبل سنتين كان هناك اتفاق مع دولة الإمارات العربية، رغم أنه لا يوجد يهود إماراتيون لكن مع ذلك فقد زار أكثر من مائتي ألف يهودي دبي وغيرها من المدن هناك رغم حرارة الطقس، لذا فالزيارات التي ستتوجه إلى المغرب لن تقتصر على اليهود من جذور مغربية بل سياح إسرائيليون من كل الجذور والأصول. في سطور إعلامي وباحث أكاديمي إسرائيلي. من مواليد 1972 ببيروت. خريج جامعة بار إيلان وحاصل على الدكتوراه. يشتغل باحثا ومستشارا حكوميا ومحللا للشأن العربي. متخصص في العلاقات العربية المشتركة والصراع العربي الإسرائيلي والمجتمعات اليهودية في العالم العربي. من مؤلفاته: كتاب "الهولوكوست في عيون محمود عباس".