مصنع تيط مليل… تفاصيل الفاجعة

ست ضحايا ومعجزة أعادت أبا لأطفاله من بين الأنقاض وخروقات وغش في البناء سبب الكارثة كانت عملية انتشال جثث ضحايا انهيار مصنع بمنطقة تيط مليل ضواحي البيضاء، في الساعات الأولى من صباح أول أمس (الخميس)، شاقة على عناصر الوقاية المدنية ومختلف المصالح الأمنية. كان الجميع على أعصابه لأزيد من 26 ساعة متواصلة، اختلط فيها النهار بالليل. بلغ عدد الضحايا ستة، في حين أنقذت معجزة ضحية سابعا. كان آخر من أخرج من تحت الإنقاذ صباح أمس (الجمعة). اعتبر هدية ربانية لتضحيات الوقاية وكل من شارك في عملية الإنقاذ، ونسمة أمل لإزالة الحزن الذي خيم على المكان، سيما وسط عائلات الضحايا. إنجاز :مصطفى لطفي – تصوير: (عبد الحق خليفة) تحول الحي الصناعي لتيط مليل، قبلة للجميع، بعد انهيار بناية مصنع أثناء إضافة الطابق الرابع. جسامة الفاجعة جسدها انتشار خمس شاحنات كبيرة للوقاية المدينة تحمل تجهيزات خاصة بالزلازل، وثلاث سيارات إسعاف. وأمام مدخل يؤدي إلى المصنع، وضعت حاوية كبيرة تابعة للوقاية المدنية، بها آخر الآلات والتجهيزات المتطورة للبحث عن ضحايا انهيار الأبنية. استمرار البحث كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساء أول أمس (الخميس)، لما كانت عمليات التنقيب متواصلة بمكان الفاجعة. تسارع جرافة الزمن لإزالة أتربة وبقايا قطع إسمنتية من مكان محدد، علقت به ضحيتان مصيرهما مجهول. بعد فترة من العمل، توقفت الجرافة عن العمل، لفسح المجال لعناصر الوقاية المدنية للبحث عنهما تحت الأنقاض، باستعمال أجهزة متطورة، وبعدها تم إشعار سائق الجرافة بمواصلة العمل، فالضحيتان مازالا محاصرين بأكوام كبيرة من الأتربة وقطع الإسمنت. في الجانب المقابل، اصطفت أسر الضحيتين تتابع العملية في هدوء وضبط للأعصاب كبيرين. نساء وأطفال جلسوا على الأرض، ووضعوا أيديهم على قلبوهم يترقبون أي مستجد. أمنيتهم الوحيدة أن يكون قريب لهم على قيد الحياة، سيما أن مشهد الانهيار، يكشف أنها صعبة التحقق، لكن هناك أمل تمسكوا به حتى لو كان بنسبة ضئيلة. أثار طفل يبلغ من العمر حوالي 13 سنة، والده عالق بين الأنقاض الانتباه. رفض مغادرة المكان إلى حين الاطمئنان عليه. أغمي عليه في مناسبتين، ونقل إثرهما إلى المستشفى، سيما أنه كان لا يتردد في معاينة جثث الضحايا للتأكد أنها لا تعود لوالده. وبعد حصة من العلاج، يصر على العودة لمتابعة عملية التنقيب. بدأ هذه المرة أكثر تماسكا وصلابة، وانخرط مع أشقائه وعائلته في التضرع إلى الله حتى لا يصاب والدهم بسوء. بالقرب منه، كانت زوجة الضحية الثاني وقريبات لها يتابعن بقلق عملية الحفر، إذ بدت وجوههن عابسة وحزينة، تشعر وكأنهن يقاومن لتفادي ذرف الدموع. فهذه اللحظة الصعبة تتطلب الكثير من الصبر، ربما الاستسلام للبكاء والنحيب سيؤثر بشكل سلبي كبير على عملية الإنقاذ، وقد يعد نذير شؤم على قريبهم، كأنهن يتوقعن موته. "رضى الوالدة" خلال عملية البحث عن الضحيتين، انتشر الحضور في جماعات متفرقة، وانخرطوا في نقاشات جانبية يدلون بدلوهم في ما حدث. كان بينهم عمال بناء ومستخدمون بالشركة، عاشوا لحظات الرعب ونجوا بأعجوبة من موت محقق. عامل بناء شارك في بناء الطابق الرابع للمصنع، يتذكر اللحظات الأولى للفاجعة، إذ بينما هو نائم في كوخ قرب البناية، شعر بأشياء صغيرة تتقاطر على سقف "البراكة" مع صدور صوت غريب، اعتقد في البداية أن السماء تمطر بردا، لكن تزايدت التساقطات بحدة أكبر وبشكل خطير، سيما بعد تساقط قطع كبيرة من الإسمنت. غادر وزملاؤه على الفور الكوخ مذعورين، ليعم الصراخ المكان وبعدها حدث انهيار كامل للبناية. مستخدم في الشركة، نجا بدوره من الموت بأعجوبة بفضل والدته، إذ بعد أن كان مع زملائه منهمكين في العمل، رن هاتفه فجأة، وشعر بتوتر، فالمتصل والدته، ويبدو أن هناك أمرا جللا دفعها إلى الاتصال به في وقت متأخر من الليل. اضطر للخروج من المصنع لمحادثتها بعيدا عن فضول زملائه، وبمجرد أن غادر البناية بأمتار، انهارت وبداخلها زملاؤه. تابع المشهد مصدوما، فالفاجعة حدثت في ثوان معدودة. الغش في البناء خلال زيارة "الصباح" لموقع الفاجعة، أثار الانتباه التلف الكبير الذي أصاب العديد من الأعمدة الخرسانية، وظهر اعوجاج واضح على قطع حديدية بداخلها، يظهر أنها لم تتحمل الأوزان المضافة. كان مكان الانهيار شبيها بحفرة كبيرة، امتزجت فيها بقايا لفافات من الخيط والتراب ومخلفات بناء صغيرة الحجم، نادرا ما تصادف قطعة إسمنتية كبيرة. هذه المعاينات ترجح وجود عملية الغش في البناء، والدليل أن طريقة الانهيار، تشعر معها كأن البناية أطبقت على الضحايا، ولم تترك لهم الفرصة للنجاة. إضافة إلى الغش، كشف البحث الأولي في الفاجعة أن صاحب المصنع، أضاف الطابق الثالث بطريقة عشوائية، وسارع بمجرد الانتهاء من البناء بوضع آلات للنسيج كبيرة الحجم فيه، ودون تقدير لخطورة الوضع، قرر بناء طابق رابع، فانتهى الأمر بفاجعة، فالأعمدة في الطوابق السفلى لم تعد قادرة على تحمل الأوزان المضافة، لتنهار في رمشة عين. ورطة وتحقيق في الوقت الذي كان الجميع يتابع بتوتر عملية إنقاذ الضحايا، كانت تنتشر وسط الحضور بين الفينة والأخرى، مستجدات التحقيق مع مالك الشركة بمقر ولاية أمن البيضاء. الفاجعة، حسب مصرحين لـ"الصباح"، كشفت عن أخطاء جسيمة وتواطؤات من قبل جهات، قد تعصف برؤوس المتورطين، سيما أن بناء الطابق الثالث والرابع تم بشكل علني. في حين تحدث آخرون عن حصول مالك المصنع عن ترخيص لإضافة الطابقين، والدليل وجود رافعة وأكواخ خاصة بعمال البناء، وبالتالي لو كان البناء عشوائيا لتم في السر لتفادي افتضاح أمره، كما أن مالك المصنع غادر مقر الأمن مساء أول أمس (الخميس)، بعد الانتهاء من التحقيق معه، و بين هذا الرأي ونقيضه، تبقى التحقيقات التي تشرف عليها مصالح الأمن الوحيدة القادرة على كشف الحقيقة. كرونولوجيا الإنقاذ بمجرد انهيار بناية المصنع في حدود الواحدة، من صباح أول أمس (الخميس)، تم إشعار السلطة المحلية والأمن بالفاجعة، لتلتحق بها فرق الوقاية المدنية في ظرف قياسي. بعد نصف ساعة من الانهيار، باشرت عناصر الوقاية المدنية عملية البحث عن ناجين بين الأنقاض، سيما بعد أن تحدث من نجا من الفاجعة عن سبعة مفقودين ، من بينهم مستخدمون بالشركة وعمال بناء، فضلوا المبيت في الطابق الجديد. في حدود الثالثة صباحا تم انتشال جثتي ضحيتين، تبين أنهما فارقا الحياة في الحال، لتتواصل عملية إزالة الأبنية المنهارة والأتربة إلى حدود منتصف النهار، حيث تم انتشال جثة ضحية ثالث، وبعدها بساعة وبمكان قريب، تم انتشال جثة الضحية الرابع. مع مرور الوقت، اعتقد الجميع أن مصير الضحايا العالقين الموت المحتوم، وما زاد في هذا الشك، العثور على جثة خامسة في حدود السابعة مساء، وظل الجميع يعمل بدون كلل إلى حدود الثالثة من صباح أمس (الجمعة)، إذ كانت لحظة محزنة ومفرحة في آن واحد، إذ عثر على الضحية السادس ميتا، في حين كان السابع حيا يرزق وبصحة جيدة، باستثناء جروح بسيطة في الرأس. وتبين أن الناجي الوحيد والد الطفل ذي 13 سنة.

مصنع تيط مليل… تفاصيل الفاجعة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفقهاء ورجال التعليم أكثر المتزوجين بالقاصرات

التحقيق في تجاوزات في عمليات صرف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات