محكيات أحمد الطالبي : الفقيه البصري في انتظاري

من جحيم أوفقير إلى زنازين البرواكية بالجزائر بحكم نشاطي السابق، وبحكم اللقاءات السابقة مع الفقيه البصري، ما أن وصلت إلى باريس حتى وجدته في انتظاري، إذ أرسل إلي مبعوثا شخصيا للمقابلة، بعد لقائي بالفقيه البصري سأتعرف بواسطته على عائلة المهدي بن بركة و ستتوثق علاقتي بالبشير بن بركة، و بعدة منفيين، ولو كانوا وقتها أقلية ضمنهم الأخ الشهيد عمر دهكون الذي عرفني بعدة مناضلين في الجالية . وسأتعرف في ما بعد على محمود بنونة و الأستاذ المهدي العلوي، وعلى الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي سأنسق معه في بعض القضايا الخاصة. تركز نشاطي السياسي والاجتماعي في المرحلة الأولى على أوضاع المهاجرين المغاربة بالخارج على الصعيد الفرنسي وفي ما بعد على الصعيد الأوربي، عبر ارتباطي بجمعية المغاربة بفرنسا التي كان لي شرف الإشراف على تنظيم أحد مؤتمراتها، وعلى إعلامها وجرائدها.وسأواكب بشكل مواز نشاطات فيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.كما أسهم تحملي المسؤولية في جهاز سكرتارية الفيدرالية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لفترة طويلة بجانب الأخ العربي عجول والأخت خديجة محسن، أسهم في النهوض بعمل جمعوي حقيقي في المجالين الطلابي والعمالي، واستقطاب وتكوين الشباب ضمنهم الآن من يتحمل مسؤوليات عليا في الدولة.تقوية العمل الدعائي لصالح المعتقلين السياسيين والدفاع عن الحريات العامة وقضايا الديمقراطية في المغرب أسهم في تشكيل رأي عام حقيقي لصالح مساندة الديمقراطيين المغاربة.التعريف بقضية الصحراء ومناقشة الأطراف التي تشكك في مغربية الصحراء وبتوضيح التطورات التاريخية والسياسية للقضية لمختلف الجهات الدولية، إذ شملت دعايتنا كل البلدان الأوربية بواسطة نشر مكثف اعتمد جميع اللغات، مع الحضور المكثف في التجمعات والملتقيات الدولية.عملنا، رغم مشروعيته وخدمته لقضايا الوطن الأساسية، لم ينج من مضايقة، فقد كانت الوداديات وأجهزة البوليس دائما لنا بالمرصاد وتعمل على استفزازنا وملاحقة كل من يدخل إلى المغرب مما أدى إلى نمو ظاهرة اللجوء السياسي بالمغرب.فكانت المعارضة المغربية بالخارج قوة حقيقية تنسق أطرافها اليسارية عملها كلما تطلب الأمر ذلك...كان الاتحاديون، اليسار الجديد إلى الإمام، 23 مارس، حزب التقدم والاشتراكية قوة حقيقية.لقد استمر عملنا المكثف بشكل يتجاوب وتطورات الوضع في المغرب مما كان يجعلنا دائما مهددين ومتابعين ومطاردين.أتذكر عدة مرات مناورات ومغامرات يصعب التفصيل فيها مع البوليس المغربي صحبة الفقيه البصري ومناضلين آخرين، زيادة على المراقبة والمضايقة من قبل البوليس الفرنسي.ومن الوقائع المتمثلة في مواجهة أنشطتنا وعرقلتها، أتذكر ندوة أشرفت عليها في بروكسيل بقاعة عمومية في السبعينات أنا و إخوة آخرون، فتمت مهاجمتنا بالكراسي...إلى أن تدخل الأمن البلجيكي لحمايتنا.خلال الثمانينات، باغتني البوليس الفرنسي في بيتي وحقق مع عائلتي، وبدأ في متابعتي، مما حذا بي إلى مغادرة التراب الفرنسي فاتجهت إلى الجزائر..على ضوء هذا الاختيار الاضطراري، انتدبني الإخوان في كتابة الاختيار الثوري لمنطقتي ليبيا والجزائر للعمل في نطاقي التنظيم و العمل السياسي.النطاق التنظيمي: العمل التنظيمي والإشعاعي في إطار اللاجئين والجالية في البلدين على غرار عملنا بأوربا.العمل السياسي: على مستوى التنظيمات السياسية لهذين البلدين على المستوى الرسمي و الشعبي، علاوة على العمل مع حركات التحرر العربية و الدولية التي توجد بكثافة في هذين البلدين، خاصة الجزائر.لم تكن مهمتي يسيرة بحكم طبيعة العمل في هذه البلدان، إذ اتجهت في البداية للاستقرار في الجزائر، ثم لزيارة ليبيا.كان الفقيه البصري يتولى تقديمي للجهات الرسمية، و لكن سرعان ما تصادمنا بين ما اتفقنا حوله في اجتماعات باريس وبحضور الفقيه البصري و بين ما يفكر فيه، و هذا موضوع لا علاقة له بملف معاناة المنفى.ولم يكن عملي بليبيا أمرا يسيرا، ففي إطار نسج العلاقات السياسية مع هذا البلد بما يضمن استقلال التنظيم في قراراته و مواقفه و تبادل العلاقات في إطار محدد ومضبوط، رحب بي مدير الأمن الليبي الذي كان القناة الأساسية لعلاقة الفقيه البصري في ليبيا و وعدني في مهمة المساعدة على العلاقة مع الجهات السياسية، لكن ما أن رجعت الى طرابلس وعقد لقاء بيني و بين أحد مساعديه، مسؤول العلاقات الخارجية للأمن، حتى جاء بورقة مليئة بالأسئلة عن شخصيات جزائرية ومواقعها فاعتذرت بلباقة، على أني أولا جديد في الجزائر لا أعرف عنها الشيء الكثير، و لا أعرف شخصيات، إضافة إلى أن مهمتي محصورة فقط في العمل السياسي، و التعريف بقضايانا الوطنية و الحصول على مساندتها وكسب أصدقائها.أما الجوانب الاخرى مثل الجوانب الأمنية فلا علاقة ولا خبرة لي بها، أحسست في الحين أن لا مكان لي في طرابلس، وأن علي مغادرتها فورا وأن الخطة الليبية هي استثمار العلاقة معنا في الاتجاه المخابراتي وأن الفقيه هو المؤهل لمتابعة العلاقة معهم.كانت لقاءاتي مع جبهة التحرير مكثفة. وضحنا فيها إطار العلاقة ووضحنا موقفنا المتميز من قضية الصحراء المغربية، وبمقدار تحفظهم من موقفنا يلعبون لعبة التفهم.بشكل مواز، كانت هناك المخابرات العسكرية تتابع تحركاتنا بتسخير عناصر تترصدني وبالقيام بالحملة ضدي والتحضير للإيقاع بي، فقد كان حاضرا قبل التحاقي بالجزائر لدى هذه الجهات نشاطات قمت بها وأقوم بها أذكر منها: - حضوري المكثف في كثير من المؤتمرات الدولية بجانب رفيقي المرحوم عبد الغني بوستة السرايري، حيث دافعنا عن أطروحتنا لقضية الصحراء، الصحراء مغربية وتحرير الأرض مرتبط بتحريرالإنسان.وبنفس الحجم الذي كنا ندافع به عن قضية الصحراء، كنا ندافع عن قضايا الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان في المغرب.كان لموقفنا صداه عند الحركة التقدمية العالمية، كان السوفيات ينصتون إلينا والحركة التقدمية العربية والحركات الإفريقية.- حضرنا مؤتمرات في طرابلس، في الجزائر في مالطا في إسبانيا في البرتغال أثينا ...الخ.وفي كل اللقاءات، كنا ننسق مع الوفود القادمة من المغرب، من حزب الاستقلال إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الى حزب التقدم والاشتراكية .. كان هذا يضايق إخواننا الجزائريين.. وكانت لهم في الوقت نفسه مصلحة في التعامل التاكتيكي مع جهات في المعارضة المغربية والسعي باستمرار للعمل على احتواء التنظيمات وتجريدها من استقلاليتها. يريدونها تبعية بكل معاني الكلمة. موقفنا في الاختيار الثوري كان صارما. نتعامل مع الجميع انطلاقا من مبادئنا ووفق مصلحتنا، وسياستنا نرسمها لأنفسنا. إعداد: يوسف الساكت

محكيات أحمد الطالبي : الفقيه البصري في انتظاري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب الإلكتروني : مبـعــوث خـــــاص...

نفائس فاس العتيقة : مبدعون أحاطوا انتباه الزوار لنفائس فاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات