الشغب… تهور المشجع وفوضى التنظيم

تزوير التذاكر وفشل المقاربة القانونية والتحسيس وهفوات التحكيم من أسباب عنف الملاعب أصبحت ظاهرة الشغب تقض مضجع متتبعي كرة القدم في السنوات الأخيرة، بعدما تكرست حالات الانفلات التي حولت بعض الملاعب إلى فضاء للعنف والعدوانية وتعريض ممتلكات الغير للتخريب، الأمر الذي يعرقل الانطلاق الرياضي المنشود، رغم الإنجاز الكبير، الذي حققه المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم بقطر 2022 بالوصول إلى المربع الذهبي. والمثير للاستغراب أن أعمال الشغب تعدت مدرجات الملاعب إلى خارج أسوارها، لتخلف صورا مشينة، دون أن يقتصر العنف على مشجعي الأندية فحسب، بل شمل أشخاصا أبرياء وعناصر القوات العمومية. فما الدافع الذي يقود الشباب المتهورين إلى القيام بالشغب؟ ومن يقف وراء الظاهرة؟ وما حدود مسؤولية الجمعيات الرياضية والأسرة والسلطات في تفشي هذه الظاهرة؟. فشل الجمعيات والأسرة دخلت جمعيات المحبين وفعاليات المجتمع المدني على خط ظاهرة الشغب، منذ انطلاقة شرارتها الأولى في الملاعب الوطنية، من خلال تنظيم موائد مستديرة وندوات بين حين وآخر لاحتواء العنف وتدبيره والتصدي له، عبر توفير الظروف المواتية للمشجعين، خصوصا أثناء تنقلاتهم. وأصدرت الجمعيات العديد من البلاغات تؤكد من خلالها أنها ماضية في بناء سلوك المتعلم المتفرج والانفتاح على مختلف الفئات الهشة، من أجل تشجيع شبابها على ممارسة الرياضة وحثهم على الامتثال إلى الضوابط الأخلاقية أثناء تشجيع فرقهم. ورغم المجهودات التي بذلت من قبل جمعيات المحبين، من أجل إعادة الهدوء إلى الملاعب الوطنية، إلا أنها لم تحد من الشغب، نظرا لتنامي هذه الظاهرة في السنوات الثلاث الأخيرة، كما فشلت الأسرة في لعب دور التوجيه والتأطير والتحسيس بأهمية انخراط الأبناء في جعل الملاعب دون شغب. وقال (ع.ح) أستاذ التعليم العالي إن افتقار الأسرة لبيئة سليمة تكثر فيها الصراعات الزوجية وعدم اهتمام الآباء بأبنائهم والقسوة في المعاملة، تؤدي حتما إلى عدم الشعور بحب الانتماء والرغبة في خدمة البلد، ما تنتج عنه سلوكات وأعمال شغب وعنف بالملاعب. اختباء وراء "الإلترات" رغم توقف نبض مدرجات الملاعب لمدة سنتين في المغرب بسبب انتشار جائحة كورونا أواخر مارس 2020، إلا أن أعمال العنف والتخريب والاعتداءات لم تتوقف، بل انتشرت أكثر في بداية الموسم الجاري، من خلال تسجيل أحداث فوضى في الرباط والبيضاء وخريبكة وأكادير، وتجاوزت الملاعب ومحيطها إلى مناطق سكنية. وأمام توالي الشغب في الملاعب وجدت إلترات المشجعين نفسها أمام العاصفة بعد توجيه اتهامات إليها، دون حجج دامغة، ما أسفر عن تعليق نشاطها بالملاعب في فترة سابقة. ولم تجد هذه الفصائل المساندة للأندية الوطنية سوى التعبير عن استنكارها لاستهدافها، من قبل السلطات المحلية، كما نددت بما أسمته "استهدافها" من لدن بعض الجهات، بغرض الحد من نشاطها بالمدرجات. وأصدرت فصائل بلاغات تؤكد من خلالها تبرؤها من أحداث الشغب، على غرار ما قام به "بلاك آرمي" و"ّإلترا عسكري، المساندان للجيش الملكي، في أعقاب مباراة فيوتشر المصري، لحساب مسابقة كأس "كاف"، واتهما بعض المشجعين المدسوسين، والذين يسمونهم "المكارب"، الذين كانوا وراء الأحداث اللارياضية، التي عرفها ملعب المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله في الرباط. كما خرجت "إلتراس إيغلز"، المساندة للرجاء الرياضي، لتدافع عن نفسها إزاء ما أسمته الحملة الشرسة، التي طالتها ونالت من سمعتها من قبل سلطات البيضاء، إذ تبرأت من تهمة إثارة الفتنة والشغب بالملاعب المغربية. ولطالما دفعت فصائل المشجعين عن نفسها بأنها مجموعات تنبذ العنف ودورها يقتصر على ما يسمونه حب الانتماء للنادي والوفاء له لا غير، إلا أن استفحال الظاهرة وسقوط ضحايا أبرياء جعلا العديد من الفعاليات الرياضية والجمعوية تطالب الحكومة بضرورة حل هذه الفصائل، علما أن أحداثا لا رياضية وقعت نتيجة سوء التنظيم واستفزازات الأمن. سوء التنظيم... الاحتقان الكبير إذا كان الشغب ينحصر على مدرجات الملاعب وبعض المباريات فقط، إلا أنه أصبح أكثر خطورة من ذي قبل، بعدما امتد إلى مناطق سكنية وفي الشارع العام، من خلال تعريض ممتلكات الغير للتخريب وتكسير زجاج سيارات، كما حدث في مباراة للهواة جمعت الاتحاد البيضاوي بالنادي المكناسي أخيرا، والاعتداء على أشخاص أبرياء. ويساهم سوء التنظيم في احتقان الجماهير أثناء الدخول إلى الملاعب، سواء أثناء الدخول إليها أو عند مغادرتها، لافتقار المنظمين والسلطات الأمنية لرؤية واضحة. وتجلى سوء التنظيم في العديد من المباريات، خاصة في مباراتي الوداد الرياضي وسيمبا التنزاني والرجاء الرياضي والأهلي المصري، لحساب إياب ربع نهائي أبطال إفريقيا، والتي راحت ضحيتها المشجعة نورة الزبير، إثر التدافع والازدحام في أحد بوابات ملعب مركب محمد الخامس في البيضاء. وتبعا لذلك، أصدر منخرطو الرجاء الرياضي بلاغا يتهمون فيه الشركة المكلفة بتسيير ملعب مركب محمد الخامس بالضلوع في وفاة المشجعة الرجاوية، بسبب سوء تدبيرها للمباراة أمام الأهلي المصري. ووصف المنخرطون طريقة طبع التذاكر من قبل "كازا إيفنت" بالمتخلفة وغير المهنية، رغم استفادتها من نسب دخول الجماهير إلى الملعب دون تنظيم لائق ومتحكم فيه. التحكيم... أزمة ثقة يبدو أن أسباب ظاهرة الشغب في الملاعب متشعبة ولا تقتصر على المشجعين فحسب، بل تشمل كذلك تعصب اللاعبين واستفزازاتهم للمنافس وغياب الروح الرياضية من جانبهم، وانعدام التنافس الشريف في بعض المباريات وفشل المقاربة الأمنية وجشع المنظمين، إضافة إلى أخطاء المدربين في تدبير نهجهم التكتيكي. ويبقى التحكيم من بين أسباب احتقان الجماهير، خصوصا في حال توالي هفوات الحكام وتأثيرها على نتائج المباريات، سواء بسوء نية، أو دونها. ويحمل العديد من الملاحظين بعض الحكام مسؤولية أحداث الشغب، التي اندلعت في الفترة الأخيرة، وهو ما دفع الجامعة إلى إبعاد يحيى حدقة، مدير مديرية التحكيم، وجمال الكعواشي، رئيس اللجنة المركزية للتحكيم، من منصبيهما، جراء كثرة الاحتجاجات وفشلهما في تدبير منظومة التحكيم. ويرى المنتقدون أن التحكيم لم يقدم المنتظر منه، ويلزم التعامل مع منظومته وفق رؤية جديدة، قوامها الضرب بيد من حديد على أيدي مرتكبي الأخطاء المؤثرة، مقابل تشجيع الحكام الشباب والتصفيق لهم، من أجل مساعدتهم على التطور والتحسن، وبالتالي تكوين جيل من الحكام، قادرين على تشريف سمعة التحكيم المغربي في المحافل الدولية والتظاهرة العالمية، التي غاب عنها الحكام المغاربة خلال السنوات الماضية. ولتجاوز هفوات الحكام أصبح رؤساء الأندية يطالبون بتعيين حكام أجانب لبعض المباريات المصيرية، خاصة في "الديربي"، الذي يجمع الوداد والرجاء. قاصرون في قلب الشغب ويعتبر دخول القاصرين إلى الملاعب الرياضية دون مؤطر أو ولي أمر، من بين أبرز الأسباب، التي تساهم في وقوع أحداث شغب خلال مباريات البطولات الوطنية. وكشفت جميع التجارب الماضية أن من بين أبرز الأسباب، التي تساهم في تأجيج ظاهرة الشغب، دخول القاصرين إلى الملاعب دون مرافق، الشيء الذي يمنعه القانون من جهة، ويتساهل معه المنظمون من جهة أخرى، إذ كثيرا ما تسبب هذا التساهل في حصول أحداث خطيرة. ورغم أن السلطات تحذر دائما من دخول القاصرين إلى الملعب، إلا أنه لا يجري التعامل مع الأمر بالصرامة اللازمة، بل يبقى الأمر على ما هو عليه إلى حين وقوع الكارثة، الشيء الذي يفرض القطع مع هذه الممارسات، والالتزام بمقتضيات القانون، الذي يحذر من مثل هذه التصرفات. ويضع مشكل القاصرين السلطات والمسؤولين أمام مسؤولية حقيقية، سيما أن القاصرين يلعبون دورا في وقوع أحداث شغب، من خلال استفزاز جماهير الفريق المنافس، أو رشقهم بالحجارة، بسبب عدم تقديرهم للأفعال التي يقومون بها، وهو ما يتطلب التعامل معه بكل مسؤولية. الكلايبي: تزوير التذاكر وراء الشغب يتسبب في وقوع ازدحام واصطدام أمام الملاعب يشكل موضوع تزوير تذاكر المباريات، من بين أبرز أسباب ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية، آخرها الأحداث الخطيرة التي عرفها مركب محمد الخامس. وكشفت معطيات «الصباح»، أن تزوير التذاكر لعب دورا كبيرا في أحداث الشغب، التي وقعت في العديد من مباريات البطولة الوطنية، ضمنها مباراة الرجاء الرياضي والأهلي المصري، والتي وصل صداها إلى جميع أنحاء العالم، خاصة أنها كانت وراء وفاة المشجعة نورة. وأوضح كريم الكلايبي، عضو لجنة تتبع ملعب محمد الخامس، لـ»الصباح»، أن تزوير التذاكر سبب أحداث الشغب، التي عرفها مركب البيضاء السبت الماضي، إذ اتضح أن الجماهير حجت بأعداد كبيرة إلى الملعب، يفوق طاقته الاستيعابية، سيما أن هناك عددا من التذاكر التي لم تبع إلى الجمهور، فمن أين جاء كل هذا العدد الهائل من المشجعين. وأضاف الكلايبي أن الجماهير التي حجت إلى ملعب محمد الخامس دون توفرها على التذاكر، تتحمل مسؤوليتها في ما وقع، والشيء نفسه بالنسبة إلى الجماهير التي ألفت الدخول إلى الملعب دون توفرها على التذكرة، شأنها في ذلك شأن الجهات التنظيمية، وباقي المتدخلين في الشأن الكروي بالمغرب، مشيرا إلى أن التزوير في التذاكر موجود دائما في مثل هذه المباريات، وينبغي التصدي له. وتسبب تزوير التذاكر في الكثير من أحداث الشغب بالملاعب الرياضية، من خلال توافد أعداد غفيرة من الجماهير تفوق الطاقة الاستيعابية، وهو ما يتسبب أيضا في الازدحام أمام المداخل، ويفرض ضغطا كبيرا، ما يؤدي حتما إلى وقوع إصابات وإغماءات واصطدامات، قد تكون خطيرة في غالب الأحيان. ورغم أن الجهات المسؤولة واعية بمشكل تزوير التذاكر، إلا أنها لا توليها المراقبة الصارمة، خاصة أنه في الكثير من الأحيان، لا يعتمد على البوابات الإلكترونية للتأكد من صحة التذاكر، الشيء الذي يتطلب الضرب بيد من حديد، على كل من سولت له نفسه أو ساهم في تزوير تذاكر المباريات. السلطات في قفص الاتهام منع الجمهور من التنقل بين مزاجية المسؤولين والمساس بحرية التنقل تتحمل السلطات قدرا كبيرا من المسؤولية في أحداث الشغب، التي تعرفها المباريات الرياضية، بالنظر إلى خضوعها لمزاجية بعض المسؤولين المحليين، واصطدامها بالمس بأحد أبرز الحقوق الدستورية والكونية، المتمثلة في حرية التنقل. وساهمت القرارات المزاجية للسلطات المحلية بمنع الجمهور من التنقل أو الدخول إلى الملعب، في إثارة أحداث شغب كبيرة، كما كان الشأن في المباراة الأخيرة عن بطولة القسم الوطني هواة، وجمعت بين الاتحاد البيضاوي والنادي المكناسي، عندما رفض المسؤولون المحليون السماح بدخول جمهور الفريق المكناسي إلى الملعب، ما تسبب في وقوع أحداث خطيرة بمحيطه، في الوقت الذي كان من الممكن تفادي السماح له بالدخول إلى الملعب، وتفريغ طاقاته ومجهوده، ونقلهم مباشرة خارج المدينة، بعد نهاية المباراة. وسبق لمثل هذه القرارات المزاجية أن تسببت في الكثير من المآسي، سيما أنها تتخذ بعشوائية، ولا تخضع إلى المنطق، أو إلى الرغبة في استتباب الأمن، سيما أن العديد من الجماهير تتميز بعلاقات جيدة مع نظرائها من أندية أخرى، ولم يسبق أن وقعت بينها حالات شغب. وأكدت العديد من التجارب خطأ مقاربة المنع من ولوج الملاعب، في الكثير من التجارب، كما وقع في مباراة نهضة بركان والجيش الملكي، عندما حاولت السلطات الأمنية بكل الطرق منع جمهور الجيش من الدخول إلى الملعب البلدي، غير أن حكيم بنعبد الله، رئيس الفريق البركاني، كان له رأي آخر، وفضل دخوله إلى الملعب، عوض بقائه خارج أسواره والقيام بأحداث شغب، ولم تسجل أي حالة شغب داخل الملعب بعد دخول الجمهور العسكري إليه، بل ساهم في بيع عدد مهم من التذاكر، وبعد نهاية المباراة وفر لهم حافلات أقلته إلى الرباط. وتشكل قرارات المنع مساسا كبيرا بحرية التنقل، التي يكفلها الدستور المغربي، الشيء الذي فسر بعدم قدرة السلطات على إصدار قرارات مكتوبة بهذا الشأن، لمنع الجمهور بالقوة من التنقل إلى مدينة أخرى، سيما أن هناك العديد من الجماهير، التي تهدد باللجوء إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، في حال توفرها على قرار مكتوب. المقاربة القانونية تراوح مكانها العقوبات تثير غضب جماهير أندية أثبتت المقاربة القانونية فشلها في الحد من ظاهرة الشغب، منذ صدور قانون 09-09، المتعلق بمحاربة ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية. ويتقيد قانون محاربة ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية بالنطاق الزمني والمكاني للأحداث، الشيء الذي لا ينعكس بشكل إيجابي على محاربة الظاهرة، إذ أن التجارب أثبتت أن أغلب الأحداث الخطيرة، تخلف خسائر كبيرة في الأرواح والأموال. وما يزيد الطين بلة، أن القرارات المتخذة من قبل السلطات، تحابي بعض الأندية، إذ في الوقت الذي تتعامل مع جماهير أندية بالتطبيق الصارم لمقتضيات القانون، فإنها تتساهل مع أخرى، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك من البطولة الوطنية، بمختلف أقسامها ودرجاتها. ويفترض في المسؤولين تطبيق القانون على جميع الجماهير، المتسببة في ارتكاب أعمال شغب في الملاعب، وعدم التمييز بينها، مهما اختلفت انتماءاتها الرياضية، وفي جميع المنافسات الوطنية مهما اختلفت أقسامها، إذ كثيرا ما تقع أحداث خطيرة في البيضاء، تتسبب في وفاة مشجعين، ولم تتعامل معها السلطات بالقوة اللازمة، في الوقت الذي تقع أحداث مماثلة، ولا تتسبب في وفيات أو إصابات خطيرة، وتعاقب الأندية وجماهيرها عقوبات قاسية جدا. وعانت العديد من الجماهير بسبب التمييز في التعامل بينها وبين نظيرتها في أندية أخرى، وتسبب أيضا في معاناة أنديتها، بعد أن باتت محرومة من جماهيرها من جهة، ومن بيع التذاكر من جهة أخرى، الشيء الذي يؤكد تضررها ماديا ومعنويا من بعض القرارات، واستفادة نظيرتها من عدم تطبيق القانون في حقها. إنجاز: عيسى الكامحي وصلاح الدين محسن

الشغب… تهور المشجع وفوضى التنظيم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رسالة رياضية: أزمة الرجاء

كفى‭...!‬

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات