المدير العام للإيسيسكو يؤكد أن المنظمة تساير تغيرات العالم وتفصل بين عملها والسياسة تحدث الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو"، عن الرؤية الجديدة للمنظمة، والتي وضعت لمواكبة تغييرات العالم في القرن 21. وأوضح المالك، في حوار مع "الصباح"، أن هناك تعاونا كبيرا مع جميع المؤسسات والوزارات المغربية، قبل أن يضيف أن للمنظمة حضورا وازنا وسط المجتمع المغربي، وتحظى بتقدير كبير من الحكومة المغربية. وانتقل المدير العام للإيسيسكو للحديث عن مواضيع أخرى، منها الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، والتركيز على البرامج الموجهة للمرأة والشباب. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: الصديق بوكزول وإيمان رضيف/ تصوير (أحمد جرفي) خلال تصفح صفحة المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي وجدنا قولة لكم جاء فيها "نعتزم نقل الإيسيسكو إلى مرحلة جديدة مفصلية في تاريخها لتصبح منارة إشعاع دولي في مجالات التربية والعلوم والثقافة"، فما هي الخطة لتحقيق هذا الهدف؟ لابد لـ"الإيسيسكو" أن تواكب التغييرات التي يشهدها القرن 21 والذي عرف تغيير المفاهيم، سواء كانت مفاهيم ثقافية أو علمية أو تربوية أو حضارية. ومن هذا المنطلق بدأنا في وضع رؤية جديدة، وحددنا الأهداف الاستراتيجية الخمسة. كما كان من الضروري تغيير هيكلة المنظمة، فتمت الاستعانة بمعهد الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية، الذي وضع هيكلة جديدة تواكب المتغيرات، والرؤية الجديدة للمنظمة. ماهي أهم محاور أو أقطاب هذه الرؤية الجديدة؟ لقد تم التركيز على خمسة قطاعات، يتعلق الأمر بقطاع التربية، وقطاع العلوم والتقنية، وقطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقطاع الثقافة والاتصال، وقطاع الشراكات والتعاون الدولي. كما تم إنشاء مراكز تدعم الرؤية الجديدة للإيسيسكو، وتتمثل في أربعة مراكز، وهي مركز اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومركز الحوار الحضاري، الذي يعنى بمفهوم جديد ستطلقه المنظمة وهو مفهوم الدبلوماسية الحضارية، ومركز التراث في العالم الإسلامي، والذي يعنى بتسجيل التراث وحمايته وصونه، وتمكين الشباب من ذلك، ثم مركز الاستشراف الاستراتيجي، الذي يهتم بالدراسات واستشراف المستقبل في كل المجالات. فقبل سنوات كان الأشخاص يركزون على جوانب مختلفة من التربية والعلوم والثقافة، لكن اليوم تغير الوضع، وصار التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومكاسبها، وأيضا المشاكل التي يمكن أن تترتب عنها، والشيء ذاته بالنسبة إلى علوم الفضاء وأهميتها، الآن وفي المستقبل. كما حرصت الإيسيسكو على تغيير نمطية المؤتمرات والندوات التي تنظمها، إذ صارت تواكب بشكل كبير الرؤية الجديدة وتتماشى مع المتغيرات، وتعالج التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي. هل تحظى توصيات المنظمة بتجاوب الدول الأعضاء، أم هناك بعض العراقيل؟ قدمنا خلال أول اجتماع عقد للمجلس التنفيذي للمنظمة، والذي كان يحظى بصلاحيات المؤتمر العام، وعقد في أبو ظبي في شهر يناير2020، المقترحات والتوصيات التي تبنى عليها الرؤية الجديدة، والمراكز التي أطلقتها الإيسيسكو والتعديلات المحدثة في بعض القطاعات. واستطعنا أن نقنع جميع الدول الأعضاء، خلال المجلس التنفيذي بأن تتبنى الرؤية الجديدة، حتى يسهل التعامل معها والتعاون. سابقا كانت منظمة الإيسيسكو تحدد مشاريع وبرامج يتم توجيهها إلى كل دولة من الدول الأعضاء، لكن اليوم تغير الوضع وأصبحت الدول هي التي تقترح على المنظمة البرامج التي ترغب في الاشتغال عليها، وهو ما جعل العلاقة بين الإيسيسكو واللجان الوطنية في الدول الأعضاء مميزة، ومكننا أيضا من النجاح في وضع البرامج. ما هي أهم البرامج التي قدمتها الإيسيسكو؟ خلال جائحة كوفيد 19، أطلقت المنظمة برنامجا لخدمة النساء والشباب في ريادة الأعمال، وجه إلى 10 دول إفريقية، إذ تم دعم مجموعة من النساء لإدارة مشاريعهن، على أن تشرف كل مستفيدة على تدريب حوالي 25 شابة. كما كانت هناك مشاريع لإنتاج الكمامات الصحية، إذ قدمت المنظمة الدعم لعدد من النساء لاقتناء مستلزمات المشروع، لكن شرط أن توزع أول ألف كمامة بالمجان، مع تدريب الشابات والنساء على اكتساب الخبرات في هذا المجال. والشيء ذاته بالنسبة إلى المشاريع المتعلقة بالمطهرات. لقد حظيت مشاريع الإيسيسكو بترحيب من وزراء ومسؤولين في العديد من الدول لأن وقعها كان كبيرا وإيجابيا، واستفاد منها الملايين. تركز بعض مشاريع المنظمة على المرأة، لماذا هذا التوجه أو الاختيار؟ أبتعد دائما عن مصطلح "تمكين المرأة"، ولا أعتقد أن المرأة تحتاج إلى تمكين، لكن نهدف إلى وضع المرأة في مكانها اللائق. 50 في المائة من قيادات المنظمة، هن نساء، وهو الأمر الذي لم يكن سابقا، ونطمح أن يصل عدد النساء داخل المنظمة إلى 50 في المائة، وسيتحقق الأمر. كما أننا داخل المنظمة نركز على الشباب، الذين لم تقدم لهم الفرص، لكن في ظل الرؤية الجديدة للإيسيسكو تغير الوضع، وصارت المنظمة تعتمد على الشباب. 27 في المائة من العاملين بالمنظمة تقل أعمارهم عن 30 سنة. فالكثير من المبادرات يأتي بها الشباب وتكون من اقتراحاتهم ومن أفكارهم، من أجل ذلك تبنت الإيسيسكو هذه الفكرة، وتتشبث بها، وقريبا ستكون هناك أشياء جديدة تخص الشباب. وبالنسبة إلى النساء، فقد أعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "عام الإيسيسكو للمرأة 2021"، تحت شعار "المرأة والمستقبل"، وحظي بشرف الرعاية السامية من الملك محمد السادس. وشاركت في الافتتاح الذي كان عن بعد، شخصيات بارزة، فيما حضرت الاختتام صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم. وقد قدمت المنظمة طيلة السنة، برامج ومشاريع تخدم المرأة، تقديرا للدور الذي قامت به خلال جائحة كوفيد 19 في مجالي التعليم والصحة. هل هناك دول ترحب بالبرامج الموجهة للنساء أكثر من غيرها؟ كلما قدمت المنظمة مشروعا يخص المرأة، يحظى بالترحيب من جميع الدول، فلم يسبق أن اعترضت دولة واحدة على برنامج يخدم النساء، فالدين الإسلامي والديانات الأخرى، تهتم بالجانب النسائي وتعطي للمرأة حقها. ونحن نهتم بالمرأة لأنها قبل كل شيء الأم والزوجة والأخت وغير ذلك، فالأمم لا تنهض إلا بنسائها. هل واجهت المنظمة رفض مشروع اقترحته على دولة من الدول الأعضاء؟ لم يحدث ذلك أبدا لسبب واحد، هو أننا لا نطرح البرنامج أو المشروع، إلا بعد التشاور مع اللجنة الوطنية، ولا نقترحه حتى نكون على يقين أنه سيكون مشروعا ناجحا ومؤثرا وسيكون له أثر إيجابي. تعاون مغربي هل وجود مقر المنظمة بالمغرب يشكل إضافة نوعية وقيمة مضافة؟ أول مكسب للمنظمة، هو الرعاية السامية التي تحظى بها من قبل الملك محمد السادس، هناك تعاون كبير مع جميع المؤسسات والوزارات، ولا نواجه مشاكل على الإطلاق، بل على العكس أصبح للإيسيسكو حضور وازن وسط المجتمع المغربي، وتحظى بتقدير كبير من الحكومة المغربية. كما أن وجود المنظمة بالمغرب، مكنها من أن تكون قريبة من أوربا وأمريكا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يعطي للمغرب ميزة الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وأريد التأكيد، أننا، وإلى حدود اليوم، لم نواجه أي مشاكل طيلة وجودنا بالمغرب. ماهي تلك الإضافات؟ هناك تعاون وثيق مع الوزارات والجامعات المغربية، والذي يظهر على أرض الواقع من خلال إعداد البرامج والمشاريع التي تقدمها "الإيسيسكو"، والتي غالبا ما تعرف النجاح بفضل الحوار المتواصل مع اللجنة الوطنية المغربية للتربية والعلوم والثقافة. نجعل من المستحيل ممكنا هل تواجه المنظمة بعض الصعوبات لتنفيذ برامجها في بعض دولها الأعضاء؟ إذا فكرنا في الصعوبات لن نتحرك، من أجل ذلك دائما نبحث عن التحدي ونعمل على تجاوزه، ونحرص على أن نجعل من المستحيل ممكنا. ما هو المستحيل الذي تصادفه المنظمة؟ قد نصادف بعض المشاكل خلال تنزيل مشاريع وبرامج مختلفة، منها صعوبات خلال مرحلة التهيئة لمشروع معين بسبب وضعية الطرق وصعوبة الوصول إلى بعض الأماكن، أو ضعف التكوين في بعض الدول، لكن على العموم تحرص الإيسيسكو على تجاوز كل ذلك، اعتمادا على مجموعة من الأساليب. نحن داخل المنظمة نبحث عن التحديات ونحاول كسرها وتجاوزها. كما أن تجاوز المستحيل يعطي للمنظمة القوة للمواصلة والقيام بخطوات جديدة نحو الأمام. لا علاقة لنا بكل ما هو سياسي تحدثتم أيضا عن الدبلوماسية الحضارية وحوار الحضارات، فما هو دوركم في هذا الصدد، سيما أن هناك خلافات بين بعض دول الأعضاء؟ لا تتدخل المنظمة في الجوانب السياسية للدول، وتبتعد بشكل كبير جدا عنها، ونركز فقط على الجوانب التربوية والثقافية، فالسياسة تبقى لأهلها، وحتى إذا كانت هناك خلافات بين دول أعضاء، نحرص على تقديم البرامج والمشاريع بالشكل الذي تتطلع إليه تلك الدول. وبالنسبة إلى مفهوم الدبلوماسية الحضارية، فهو مفهوم جديد تبنته المنظمة، إذ يحاول الدمج بين كل الثقافات، ويركز على حوار الأديان والحضارات. ما هي علاقة "الإيسيسكو" بـ "اليونسكو و"الألكسو"؟ انبثقت منظمة "الإيسيسكو" من منظمة التعاون الإسلامي، لكنها أصبح لها مؤتمرها العام ومجلسها التنفيذي ولها ميزانية خاصة لا علاقة لها بأية منظمة أخرى. لكن هناك تعاون مشترك مع منظمة التعاون الإسلامي ومع "الألكسو" و"اليونسكو" ومع منظمات دولية أخرى، في تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع، ونحرص على أن يكون التعاون مثمرا، حتى لا تكون هناك برامج مكررة، ونرى أن المنظمات تكمل بعضها البعض. متحف السيرة النبوية... مفاجأة كيف جاءت فكرة إقامة معرض السيرة النبوية بالرباط؟ جاءت الفكرة عقب مؤتمر حول القيم الحضارية في السيرة النبوية، والذي عقدته منظمة الإيسيسكو بالشراكة مع رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية، إذ فكرنا في افتتاح فرع للمعرض والمتحف الموجود بالمدينة المنورة في الرباط، على أن يكون خلال فعاليات "الرباط عاصمة الثقافة للعالم الإسلامي"، علما أنه حظي بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. خططنا في بادئ الأمر أن ينظم المعرض بضواحي العاصمة الرباط، لكن في النهاية وقع الاختيار على أن يكون بالطابق الأرضي لمقر المنظمة، فتم استغلال المساحة الإجمالية ليكون المتحف في مستوى التوقعات. وفي الحقيقة لم نكن نتوقع هذا النجاح الذي حققه المتحف فقد كان مفاجأة بالنسبة إلينا. ولم نكن نتوقع أن يكون الحضور كبيرا جدا، إذ اعتقدنا أنه لن يتجاوز بضع مئات خلال اليوم، لكنه وصل في يوم واحد إلى 27 ألف زائر، وهو الإنجاز الذي لا تحققه حتى المتاحف الدولية المشهورة، ويتميز هذا المعرض بوجود قاعة صلة، والتي تُبرز صلة المغاربة بالجناب النبوي الشريف، وتشرف عليها الرابطة المحمدية للعلماء. كراسي الإيسيسكو في الجامعات تشتغلون أيضا في مجال البحث العلمي، فهل تصادفون بعض المشاكل في هذا المجال، لاسيما داخل بعض الدول التي تعتبر في طور النمو؟ المنظمات الدولية أو المؤسسات التي لا تعتمد على الجامعات، ستظل في محيط خاص بها، فالبحث والابتكار والإبداع لابد أن يكون مشتركا، والجامعات تعتبر محاضن للإبداع والابتكار، من أجل ذلك، تركز خطة الإيسيسكو واستراتيجية رؤيتها الجديدة على الاعتماد على الجامعات، لذلك أطلقنا برنامج "كراسي الإيسيسكو"، ونطمح إلى أن يصل عدد الكراسي، خلال 2025 إلى 100 كرسي في أفضل الجامعات في العالم الإسلامي، وأيضا في دول أخرى، علما أن لدينا كراسي في مجموعة من الجامعات، منها جامعة برلين وجامعة ساوباولو وجامعة شنغهاي وغيرها، باعتبار أن العالم الإسلامي لا ينحصر فقط في 54 دولة، فحتى خارج الدول الأعضاء في المنظمة هناك مجتمعات مسلمة. كما نركز على تلك الدول لأسباب أخرى، منها أن "الإيسيسكو" ستجني ثمار التعاون مع جامعاتها، كما أن ذلك يفتح المجال لإحداث تعاون جيد في مجال البحث العلمي، ويمكن من فتح المجال أمام الشباب للاستفادة من تكوينات في تلك الجامعات.