غش المحروقات… الحقيقة الغائبة

"الصباح" تكشف خيوط سوق سوداء تدر على المتعاملين فيها أرباحا مضاعفة اعتقلت السلطات الأمنية 18 شخصا بالجهة الشرقية لتورطهم في بيع محروقات مغشوشة، وحظي الموضوع بتغطية إعلامية واسعة، خاصة أن العملية جاءت في ظل نقاش عمومي حول القطاع والشبكات المتحكمة فيه والمتربحة من الوضع الحالي. وتناسلت الأسئلة حول الجهات التي يتزود بها هؤلاء المتهمون بالغش في المحروقات، والقنوات التي يتم من خلالها بيع هذه المواد، علما أن القطاع يخضع لتقنين خاص، كما أثيرت تساؤلات حول مدى وجود امتدادات لهذه الشبكة في مناطق أخرى بالمغرب. "الصباح" زارت المنطقة الشرقية وتتبعت خيوط القضية والتقت عددا من المتدخلين في القطاع والمعنيين بالموضوع، من أجل الحصول على إجابات حول التساؤلات التي أثارتها هذه القضية واستجلاء حقيقة الأمر. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي تصوير:(عبد اللطيف مفيق) (موفدا "الصباح" إلى الجهة الشرقية) محروقات على جنبات الطريق ما زالت هناك نقط ظل في قضية الشبكة التي تسوق مواد نفطية مغشوشة، إذ لم يتم الكشف عن تفاصيل بشأن هذه الشبكة وطريقة تزودها بالمواد، علما أن البلاغ الذي صدر عن المديرية العامة للأمن الوطني يتحدث عن حجز عشرات الأطنان من المحروقات وزيوت المحركات، ما يطرح سؤال مصدر التزود بهذه المواد، خاصة أن المحروقات تعرض على جنبات الطرق على مسمع ومرأى من الجميع دون أن تحرك السلطات ساكنا، علما أن القانون يضع شروطا مشددة لتسويق هذه المنتوجات ويمنع على الأفراد بيعها. وتعرض هذه المواد عل مرأى ومسمع من الجميع في بني درار بالقرب من وجدة وبعض المحاور الطرقية الأخرى الرابطة بين وجدة وبركان والناظور، وتسوق المحروقات بأسعار تقل في الغالب عن السعر المعلن من قبل محطات الوقود، ما يدفع بعض أرباب المركبات إلى التوقف لملء خزاناتهم بالوقود بثمن أقل. ويبدو من الوضعية الاجتماعية للأشخاص الذين يعرضون هذه المحروقات، أنه لا يمكن أن تكون لهم الإمكانيات المالية المطلوبة للمتاجرة في هذه المواد، ما يرجح أن تكون هناك شبكة منظمة تدير سوقا سوداء للمحروقات، موازية للقنوات الرسمية، وتوزع عليهم كميات من المواد النفطية، من أجل توزيعها في المحاور الطرقية، فمن تكون هذه الجهات المزودة؟ شركات متورطة من الصعب الحصول على معطيات بشأن التجارة الموازية للمحروقات، إذ أن جل الذين حاولت "الصباح" الحصول منهم على معطيات حول المواد المعروضة، يرفضون الحديث في الموضوع وتلاحظ عليهم علامات التوجس من تقاسيم وجوههم وطريقة تفاعلهم مع تساؤلاتنا، ما يعزز فرضية أن هناك جهات قوية تتحكم في هذه التجارة، خاصة أن الأجهزة الأمنية، خلال عمليات اعتقال شبكة الغش في المحروقات، ضبطت، إضافة إلى المحروقات والزيوت المغشوشة، كميات من المخدرات، ما يعني أن الأمر يتعلق بشبكة إجرامية. أمام طوق الكتمان المضروب على اللاعبين في هذه السوق الموازية، كان من الضروري اللجوء إلى الجهات المتضررة، في محاولة للحصول على بعض المعطيات التي يمكن أن تكشف المستور. ويعد أصحاب محطات الوقود أول المتضررين من هذه الأنشطة، بالنظر إلى أن المحروقات المعروضة على جنبات الطرقات تباع بأسعار تقل عن تلك المعلنة من قبل المحطات. التقت "الصباح" بعدد من أرباب هذه المحطات، بعضهم فضل عدم الحديث في الموضوع، وآخرون لم يبدوا أي مانع، باعتبارهم متضررين من هذا النشاط، إذ أكدوا أن هذه التجارة تعرف اتساعا بسبب ما تدره من أرباح على أصحابها. وأوضحوا أن المحروقات التي تباع في الطرقات تعود إلى شركات التوزيع، التي تبيعها إلى مقاولات خاصة بشكل مباشر، باعتبار أن لديها حافلات ومركبات وعربات وتستهلك كميات كبيرة من الوقود، ما يطرح تساؤلات حول مدى سلامة هذه العمليات من الناحية القانونية. وبالرجوع إلى الدراسة التي أنجزها مجلس المنافسة حول قطاع المحروقات، يتضح أن القانون يتيح لشركات التوزيع بالجملة والمستوردة أن تبيع مباشرة إلى شركات صناعية ومقاولات النقل ومقاولات أخرى عمومية وخاصة، بالموازاة مع بيعها المحروقات إلى محطات الخدمة، التي تبيع المحروقات إلى المستهلك النهائي. وأكد أرباب محطات أن هناك ما لا يقل عن 30 شركة بالمنطقة الصناعية بوجدة، لوحدها، تتزود بكميات مهمة من المحروقات مباشرة من شركات التوزيع بالجملة، وإذا كان بعضها يستعمل، بالفعل هذه المواد، لتشغيل العربات والمركبات والحافلات التابعة لها، فإن أخرى تستغل الوضع وتتاجر بهذه المواد، خاصة أنها تحصل عليها بسعر يقل بدرهم أو درهم ونصف، عن السعر الذي يباع فيه لمحطات الخدمة، حسب ما أكده مهنيون، ما يتيح لها تحقيق أرباح مهمة، نظرا لأنها غير ملزمة بأي دفتر تحملات، كما أنها لا تتحمل أي ضرائب ورسوم، عكس محطات الخدمة، ما شجع عددا من الأشخاص على الولوج إلى هذا المجال، فتشكلت سوق سوداء للمحروقات. استغلال ثغرات قانونية استغل أشخاص بعض الثغرات القانونية للولوج إلى سوق المحروقات دون حاجة إلى الحصول على رخصة والتقيد بدفتر تحملات وتعبئة موارد مالية كبيرة، من أجل الاستجابة المطلوبة من قبل السلطات الوصية، إذ يعمدون إلى إنشاء شركات تجارية أو صناعية أو خدماتية، مرتبطة بشكل خاص باستهلاك المحروقات، مثل مقاولات النقل أو الأشغال العمومية أو غيرها، ويلجؤون إلى شركات التوزيع بالجملة، من أجل الحصول على المحروقات، بدعوى استعمالها في تشغيل أسطولها من الحافلات أو الجرارات أو آليات الحفر والشحن وغيرها، ما يسمح لها بتخزين أطنان من المحروقات، خاصة "الغازوال"، وإعادة بيعه إلى أصحاب مركبات وسيارات بأسعار تقل عن تلك المعروضة في محطات الوقود. وعاينت "الصباح" وجود مستودعات بضواحي وجدة بطريق الغرب، وزايو وسلوان وبني درار، بداخلها صهاريج ضخمة، تبين من خلال المعطيات التي تم تجميعها، أنها تحتوي على مادة "الغازوال"، وتستقبل هذه المستودعات عربات من مختلف الأحجام، التي تأتي للتزود بالوقود، كما أكدت ذلك مصادر "الصباح" وبعض أرباب محطات الوقود المتضررين. وأكد أرباب محطات الوقود أن أغلب مهنيي النقل، خاصة البضائع، يتوجهون إلى هذه المستودعات، من أجل التزود بالمحروقات، مشيرين إلى أن هناك أطنانا من الغازوال تباع خارج محطات الوقود. وسبق لمجلس المنافسة التأكيد على أن 32 في المائة من الكميات المسوقة تتم في إطار المعاملات التجارية بين الشركات، خلال ما يعرف بالبيع "بي تو بي"، أي البيع الثنائي بين شركات التوزيع بالجملة والشركات الصناعية والتجارية، وتحول جزءا من هذه الكميات إلى السوق السوداء. سوق سوداء موازية أشاد جمال ازريكم، الكاتب العام للجامعة الوطنية لأرباب وتجار ومسيري محطات الوقود بالمغرب، بالمجهودات التي بذلتها المديرية العامة للأمن الوطني ومصالح الدرك الملكي، التي أسفرت عن تفكيك شبكات تنشط في ترويج المحروقات خارج القنوات القانونية بجهة الشرق، وإيقاف 18 شخصا يشتبه في تورطهم في اقتراف جرائم اقتصادية، من بينها المضاربة والغش في المحروقات والزيوت المخصصة للعربات. ودعا في تصريح لـ"الصباح" إلى استمرار مثل هذه الحملات لتشمل مختلف جميع المناطق التي تعرف انتشار هذه الظاهرة، التي تشكل تهديدا حقيقيا لأصحاب المحطات في مصدر رزقهم، إضافة إلى انتشار مخازن سرية حولها أصحابها إلى محطات للبيع على مرأى ومسمع من السلطات الوصية، وتشكل قنابل موقوتة، لأنها لا تحترم معايير الأمن والسلامة المعمول بها، كما وقع بمنطقة مديونة. وأكد أن الجامعة نبهت لمخاطر استفحال البيع المباشر للشركة في إطار ما يسمي "بي تو بي" بأثمنة تفضيلية ودون كناش تحملات أو تراخيص، ماساهم في ظهور سوق موازية تقوم بترويج كميات كبيرة من المحروقات بمختلف أنواعها خارج القنوات الرسمية المرخص لها قانونيا بالبيع والتوزيع. وأشار إلى أن الجامعة راسلت الجهات الوصية بخصوص تفشي ظاهرة الوسطاء والدخلاء، الذين ينشطون بالسوق السوداء للمحروقات المستهلكة بالمغرب، ويحققون هامش ربح يضاعف أربع مرات هامش الربح، الذي يحصل عليه أصحاب المحطات، ما يلحق خسائر كبيرة بالمهنيين، ويتسبب في أضرار وخيمة للاقتصاد الوطني، إذ أن الدولة لا تجني سنتيما من الضرائب على هذه الأنشطة، في وقت يعاني فيه المحطاتيون الضغط الضريبي، وهامش الربح الضعيف وتدني رقم معاملاتهم بفعل هذه المنافسة غير المشروعة، التي تمارسها الشركات الموزعة و بتعسف وإجحاف في حق محطات الخدمة.

غش المحروقات… الحقيقة الغائبة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيقاف مبحوث عنه بالناظور

تهم ثقيلة لقاتلي شاب بصاروخ "الفيزي"

مقالات ذات صلة