الانتخابات… بورصة لتجار “الهمزة”

قصوري: كائنات تبحث عن تبادل المنافع مع الحزب لتعزيز موقعها وتحصين مصالحها ابتليت الممارسة السياسية في السنوات الأخيرة بظاهرة غريبة أثرت على جدوى ومصداقية العمل السياسي، تتمثل في دخول ما بات يعرف في الخطاب الإعلامي بالكائنات الانتخابية، إلى الانتخابات، من بوابة أغلب الأحزاب التي أصبح هاجسها ليس الدفاع عن برامج أو مشاريع مجتمعية، تفتقدها أصلا، بل كسب أكبر عدد من المقاعد، التي تؤهلها للوصول إلى البرلمان والحكومة، والاقتراب من مركز القرار، للدفاع عن المصالح الخاصة. وتحولت الانتخابات إلى سوق يعج بالوافدين من هذه الكائنات، التي لا علاقة لها بالسياسة، والتي لا يهمها تدبير الشأن العام، أكثر من رغبتها في الاغتناء، عبر تحصين ثرواتها، والقرب من السلطة، للاحتماء، والزيادة في الاغتناء. وبهذه الممارسة التي لقيت دعما كبيرا من الأحزاب المسماة إدارية، التي أضحت قبلة لهذا النوع من الأعيان، أصبحت المؤسسات المنتخبة في المجالس الترابية المحلية والجهوية، والبرلمان بغرفتيه، تحتضن المئات من هذه الكائنات، التي أثرت على مصداقية العمل السياسي، وحولت الأحزاب إلى دكاكين لبيع التزكيات، ما انعكس سلبا على جاذبية الأحزاب ونفور النخب من العمل السياسي، باعتباره عملا تطوعيا نبيلا، يهدف إلى المشاركة في تدبير الشأن العام، والمساهمة في تأطير المواطنين. ومع تراجع الأحزاب الوطنية بمختلف مكوناتها، والتي كان لها دور كبير في الحياة السياسية، بات الباب مفتوحا أما "تجار" السياسة، الذين حولوا الممارسة السياسية إلى مجال للصفقات، والاستفادة من الزبونية والريع، للاغتناء السريع، دون أن يكون لهؤلاء أي دور في تأطير المواطنين، أو الترافع عن القضايا الوطنية، أو الدفاع عن مصالح الفئات، التي صوتت لصالحهم، في انتخابات تجمع مختلف التقارير على تحولها إلى مجال لاستعمال المال، واستغلال فقر المواطنين وجهلهم، وإفساد الانتخابات. وأكد ادريس قصوري، الباحث والمحلل السياسي، أن ظاهرة استغلال السياسة والانتخابات خاصة، مطية للوصول إلى البرلمان، من قبل بعض "كبار المنتخبين"، سببه تواطؤ الأحزاب التي تتحمل المسؤولية في تزكية أشخاص تعرف مسبقا أن لا علاقة لهم بالعمل السياسي، لا من قريب أو من بعيد، وأن دخولهم غمار الانتخابات، إنما بهدف الكسب السريع والاغتناء من خلال الامتيازات، التي يوفرها لهم الموقع بالبرلمان أو المجالس المنتخبة، التي تقربهم من أصحاب القرار في الحكومة أو السلطات. وأوضح قصوري، في حديث مع "الصباح" أن اعتماد الأحزاب على كائنات انتخابية، هدفها الوصول الى الكراسي والمصلحة الشخصية، يعود إلى متغيرات في المشهد الحزبي، من بينها أولا اتساع دائرة الممارسة السياسية المرتكزة على الأعيان في إطار تبادل المنافع والمصالح، وهذه نتيجة ثابتة اليوم في الممارسة السياسية، إذ لم يعد ينظر إلى الحزب قوة سياسية وفكرية واجتماعية، مهمة في المشهد السياسي المغربي، بقدر ما أصبح مجرد أداة إدارية للتمثيل الانتخابي الشكلي، والصوري. وأكد الأستاذ بجامعة الحسن الثاني، أن الحزب فقد فاعليته، التي كانت تتمثل في المشاركة السياسية، على الأقل بالنسبة الى عدد من الأحزاب والتيارات الفكرية، التي تقوم بأنشطة على طول السنة، وتسجل حضورها في كل أشكال الاحتجاج والترافع، وتساهم في تأطير المواطنين، وهو ما كان يعطي دينامية وحيوية للحياة السياسية. ويرى المحلل السياسي أن الرؤية السياسية المغربية اليوم، لا تنظر للحزب، على أنه نواة سياسية وتنظيمية تقوم عليها المشاركة، ولا أنه لبنة رئيسية للحياة السياسية، وهذا معناه أنه لم تعد هناك حاجة ضرورية إستراتيجية للحزب، باعتباره فكرة سياسية واجتماعية مهمة، وإنما مجرد أداة إدارية للتوظيف العرضي في الانتخابات أو في مناسبات تستدعي مشاركتها. وأكد قصوري أن هناك محاربة للإدارة لتيار الإصلاح والتغيير، من خلال الدفع بكيانات انتخابية إلى الواجهة، في ظل غياب قيادات سياسية قوية تعطي معنى للسياسة ولشعارات التغيير، وهذا معطى ساهم في دخول أعيان وكائنات للحياة الانتخابية، مضيفا أن الأمر هنا يعني جميع الأحزاب من اليمين أو اليسار أو الوسط. وخلص قصوري إلى أن هذه الوضعية، هي التي سمحت لبعض الكائنات ولوج السياسة من بوابة الانتخابات، لكن بهدف خاص، يتمثل في تحصين موقعها الاجتماعي، والاستفادة من الامتيازات التي تمنحها لها صفة "الناخب الكبير"، خاصة مع تبادل المنافع بين قادة الحزب والأعيان. برحو بوزياني

الانتخابات… بورصة لتجار “الهمزة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الفهلوة" أسلوب حياة

السجن لعصابة "الجبلي" بسلا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات