“الفهلوة” أسلوب حياة

نماذج في المجتمعات العربية ألهمت السينما ونحت لها الأدب شخصيات احتفاء بنبوغها الخارق كل ليلة خميس، يرتدي عادل إمام (شخصية حسن بهنسي بهلول في فيلم "اللعب مع الكبار")، بذلته السوداء الأنيقة بربطة عنق حمراء على شكل فراشة، ويغادر، على متن سيارة أجرة، حارته الفقيرة إلى وسط القاهرة، حيث تصطف سلاسل الفنادق الراقية، يختار واحدا منها، ثم يدخله دخول الفاتحين. لا أحد من أصدقائه وأبناء الحي وزبناء المقهى المجاور، يعلم لماذا يفعل حسن (العاطل) ذلك كل أسبوع؟ ولماذا يغادر منزله في هذه الساعة بالتحديد من المساء في كامل "شياكته" وإلى أين يذهب بالضبط؟ حتى اعتقد البعض أن الرجل منخرط في جهاز سري في الدولة، أو مجند (جاسوس) في مخابرات أجنبية. وكان ممكنا أن تظل كل هذه الأسئلة معلقة إلى ما لا نهاية، لولا كاميرا المخرج التي تعقبت "حسن" داخل فندق من خمس نجوم، وبالضبط إلى قاعة الحفلات الكبرى، حيث عثرت عليه، متلبسا بتهمة انتحال صفة ضيف "كبير" في حفل زفاف باذخ. لكن المفارقة أن السلطة (الدولة)، لم تبذل أي مجهود في العثور على حسن بهنسي بهلول، حين كانت تبحث عنه لغرض يهمه، فتوجه ضابط الشرطة (حسين فهمي) مباشرة إلى منطقة الفنادق، حيث وجد عادل إمام في أحدها، يفرض سيطرته الكاملة على مائدة طويلة لأنواع الأطباق والمأكولات الفاخرة، وما إن لمح الضابط، حيث دعاه إلى الأكل، وهو يقول له على سبيل المزاح اللذيذ "الطبق الواحد من دول، يساوي أجرتك لشهر". في السينما العربية والأدب المصري والسوري على وجه التحديد، توجد كثير من شخصيات "حسن بهنسي بهلول"، منتقاة من نماذج حقيقية في المجتمع لأشخاص يعرفون من أين تؤكل الكتف، ولا يكتفون بذلك، بل يأكلونه بالسكين والشوكة. أسلوب في الحياة يطلق عليه المصريون "الفهلوة"، وصاحبه "الفهلوي"، أو "الطولانطي" عندنا في المغرب، وهو الشخص التي يتجمع فيه ما تفرق في أشخاص آخرين من مواهب ونبوغ حاد وقدرة خارقة على اصطياد الفرص، أو الأكل من فم السبع، وهي صفات يعتبرها البعض سيئة، لكن يدافع عنها "الفهلوية" من موقع الحق في العيش في عالم غير عادل، ولا يمنح أي شيء سوى بالضغط عليه بمثل هذه الأساليب. صفات غير متاحة إلى الجميع، بل تقتصر على فئة من البشر، تستطيع أن تصعد الحائط بظهرها، ولها القدرة على توظيف قدرات خارقة من الدهاء للوصول إلى هدفها، وسلك كل الطرق الالتفافية للوصول إلى غاية تصبح أمامها أغلب الوسائل مجرد قنطرة. في كل مكان تقريبا، توجد نماذج من محترفي الركوب على أمواج النجاح السريع والباهر بأقل جهد عضلي ممكن، إذ يستحيل أن تجد مثل هؤلاء في الوظائف التي تتطلب حضورا، أو مواظبة يومية، أو وراء محل تجاري يقضي سواد يومه في "تكسير جمجمته" مع زبناء يساومون على نصف درهم. "الفهلوية" مخلوقات من عالم آخر، يأكلونها باردة، بينما يلتهمها الآخرون ساخنة تشوي اللسان. لذلك، تعتبر "الفهلوة" أسلوب حياة غير متاح إلا لشخصيات "لامعة" ألهمت إنتاجات السينما، وصنع لها الأدباء تماثيل في أعمالهم، احتفاء بنبوغ خارق. ي.س

“الفهلوة” أسلوب حياة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفاصيل مثيرة حول إرهابيي "جنان اللوز"

الانتخابات... بورصة لتجار "الهمزة"

مقالات ذات صلة