حديقة عين السبع… إصلاحات مع وقف التنفيذ

تأخر افتتاحها بأربع سنوات وسعر الدخول يثيران الجدل تعرف حديقة عين السبع أنها أحد المرافق الترفيهية بالعاصمة الاقتصادية، غير أن الوضعية التي آلت إليها في غياب الصيانة وتجديد الحيوانات، وزجر سلوكات العابثين بالفضاء، سرعت بإغلاق أبوابها قصد إعادة تهيئتها، واستبدال الحيوانات التي لم تعد صالحة للعرض، نتيجة الإهمال الطبي والغذائي لها من قبل القائمين على الحديقة. وبعد سنوات من الانتظار تبين أن الحديقة لن تسلم في الوقت الذي التزمت به شركة البيضاء للتهيئة (2019)، وبعد مرور أربع سنوات، ما تزال أبواب الحديقة مغلقة، وما يزال الجدل يرافق تاريخ وطريقة افتتاحها، خاصة أن جميع المقترحات المقدمة حول سعر الدخول غير مناسبة. إنجاز: عصام الناصيري/ تصوير (أحمد جرفي) تقع الحديقة في مقاطعة عين السبع، تحيط بها المباني من جميع الاتجاهات، وتمر أمامها طريق رئيسية دائما ما تكون مكتظة، وتعرف بضوضاء مستمرة بسبب العدد الكبير للعربات، ويحيط بالحديقة سور إسمنتي وأبواب حديدية بشعة، فمن يراها لأول مرة يعتقد أنها مؤسسة سجنية أو مجموعة "هونكارات"، وهو ما توحي به البنايات الموجودة داخل السور، التي تؤوي إدارة الحديقة، خاصة أنها عالية الجدران وملونة بلون أخضر فاتح، بينما السور الخارجي مطلي بصباغة برتقالية وأعمدة حديدية بالأحمر، وهو ما لا ينسجم أبدا مع ألوان المدينة وطبيعتها. تأخر غير مبرر لم يحدد لحدود الساعة تاريخ افتتاح حديقة عين السبع، والسبب في اختلاف نظرة الفاعلين المتدخلين في الملف، حول النموذج الاقتصادي للحديقة، إذ حسب مجلس البيضاء فتذاكر الدخول ليست كافية لتغطية المصاريف اليومية للحديقة والصيانة والعناية البيطرية بالحيوانات، وهو ما جعل المنتخبين وشركة "كازا إيفنت" حائرين في التوصل إلى نموذج اقتصادي مناسب. ويتضح أن الفترة التي توقفت فيها الحديقة عن العمل، وطيلة فترة الأشغال التي امتدت لسنوات، لم يكن لمجلس البيضاء وشركتي البيضاء للتهيئة و"كازا إيفنت" الوقت للتفكير في نموذج اقتصادي مناسب، خاصة أن هذا النموذج أصبح في صلب النقاش حول أي مشروع ترفيهي أو ثقافي، وكان حريا بالقائمين على المشروع أن يفكروا سلفا في طريقة تدبير المرفق، عوض انتظار انتهاء الأشغال. من جهة أخرى هناك تضارب كبير في المعطيات والأرقام، في ما يتعلق بنسبة الأشغال المنجزة، فقبل مجيء تركيبة مجلس البيضاء الحالي، صرح أعضاء من المكتب السابق أن أشغال الحديقة تجاوزت 90 في المائة، وأنه لم تبق على افتتاحها سوى ترتيبات صغيرة. وبمجرد انتخاب المجلس الجديد، فوجئ سكان البيضاء بتصريحات لا علاقة لها بما قيل قبل الانتخابات، إذ صرح أعضاء المجلس أن الأشغال لم تنته بعد، وأنه وجب بناء عيادة طبية للحيوانات وأمور أخرى، ما جعل تاريخ الافتتاج يؤجل مرة أخرى، وإلى اليوم لا يعرف سكان البيضاء متى ستصبح حديقة عين السبع جاهزة لاستقبال الزوار. سعر مثير للجدل قبل إغلاق أبواب الحديقة كان الدخول إليها بثمن رمزي، إذ اشتكى عدد من البيضاويين من الأسعار المقترحة، قبل تطبيقها، متسائلين كيف للسعر أن ينتقل من درهمين إلى 70 درهما بين عشية وضحاها. وصوت أعضاء المجلس على تحديد تسعيرة واجبات دخول الحديقة، خلال أشغال الجلسة الثانية من دورة فبراير الماضي، واقتنع الأعضاء بتحديد واجبات الدخول العام للأشخاص البالغين في 50 درهما لكل فرد، والأطفال في 25 درهما للطفل الواحد، ودخول أسرة مصحوبة بطفل واحد في 120 درهما، والتمس البعض تخفيض السعر، في حين تطالب الشركة برفع السعر إلى 70 درهما، غير أن 50 درهما هي التسعيرة الأقرب للتطبيق. وكان حريا بالمجلس الجماعي وشركة التنمية المحلية، أن يحددا منذ البداية طبيعة الحديقة، وإعطائها هوية معينة، إذ لا يعلم سكان البيضاء هل أعدت للعموم أم هي مرفق ترفيهي يستوجب دفع سعر مرتفع نسبيا لولوجها، إذ ما تزال الأفكار متضاربة في أذهان المسؤولين والمواطنين كذلك. وإذا طبقت الأسعار المقترحة إلى حدود الساعة، فإنه لن تكون الحديقة في متناول الأسر لزيارتها بشكل أسبوعي، واصطحاب الأطفال إليها لقضاء يوم عطلة بها، وسيكتفي البيضاويون بزيارتها مرة في السنة أو مرتين، وبالتالي لن تحل إشكالية الفضاءات الترفيهية والثقافية التي تعانيها العاصمة الاقتصادية، خاصة بالنسبة إلى الأسر الفقيرة. فضاء فقير حسب تصريحات أعضاء المجلس دائما، فإن الحديقة ستستقبل 40 حيوانا، من قبل منظمة دولية، بعد أن منحت الحيوانات التي كانت بها إلى حديقة أخرى خاصة ببنسليمان، لكن السؤال المطروح بقوة، هو هزالة عدد الحيوانات، فإذا كانت حديقة عين السبع ستؤوي 40 حيوانا، فحديقة الرباط لوحدها تتوفر على 40 أسدا، إضافة إلى عشرات بل مئات الحيوانات الأخرى. ومن مظاهر فقر حديقة عين السبع، أنها لن تتوفر على حيوانات نوعية، من قبيل أسد الأطلس، إضافة إلى أنها ستستقبل الحيوانات من ثلاث قارات، وهي إفريقيا وآسيا وأمريكا، دون تحديد نوعية تلك الحيوانات والمناطق التي تنتمي إليها بالضبط، فمنذ مدة طويلة أصبحت الحدائق تركز على حيوانات بيئة معينة، لأن ظروف وبيئة العيش تختلف، وهو ما لا يسمح لعين السبع بتوفير 3 بيئات طبيعية لحيواناتها. ومن جهة أخرى، لا يشجع موقع الحديقة على المحافظة على الحيوانات، خاصة أنها تقع في إحدى أكثر المقاطعات تلوثا، إذ توجد الكثير من المصانع الملوثة في عين السبع، إضافة إلى إحاطة طرق السيارات بالحديقة من جميع الجوانب، ناهيك عن صغر مساحتها، وضعف تجهيزاتها رغم إصلاحها. ومن تجليات الضعف أيضا، أرضية الحديقة التي تنقسم إلى نوعين، جزء منها مزفت في تجاوز صارخ لما هو متعارف عليه في الحدائق، التي تترك التربة في المسالك، لجعل المشاهد حقيقية بالغابة وأماكن عيش الحيوانات، والجزء الآخر عشوائي نما فيه العشب، ويشبه البقع غير المبنية وسط المدينة. ويتضح أن مجلس البيضاء وشركات التنمية، أقامت ضجة كبيرة على مشروع بسيط، لا يستحق كل تلك البهرجة وتبادل الاتهامات بين السياسيين حول تأخر الأشغال، وتصوير افتتاحها على أنه افتتاح لصرح غير مسبوق في المغرب، بينما الواقع يقول إن هذه الحديقة عادية جدا، ويجب التفكير في حديقة بمعايير حقيقية لسكان البيضاء، يتم تشييدها في مكان يليق بها، كما هو الأمر بالنسبة إلى حديقة الحيوانات بالرباط. تكلفة كبيرة حسب الورقة التقنية للمشروع المنشورة في موقع البيضاء للتهيئة، فإن الحديقة تضم ثلاث مناطق جغرافية، تمثل إفريقيا وآسيا وأمريكا، وضيعة بيداغوجية، وفضاءين كبيرين للنزهة، ومطعما، ومحلا تجاريا و كشكين، وهنا يطرح السؤال حول مسألة مهمة، تتمثل في ورشات الأطفال، للرسم والإبداع، إذ لا يمكن للطفل أن يقضي يوما كاملا يتنقل بين الحيوانات، بل وجب توفير فضاءات أخرى للعب والإبداع. وتقول الشركة أيضا، إن المشروع يهدف إلى إعادة تهيئة حديقة الحيوانات لعين السبع القديمة، التي تعد تراثا للبيضاء منذ أكثر من 80 سنة، وتحويلها إلى حديقة حيوانات حديثة بمفهوم الفضاء المفتوح، استجابة لحاجيات المدينة في ما يتعلق بالتجهيزات في مجال الترفيه. تمويل المشروع بالنسبة إلى كلفة المشروع، ساهمت فيه وزارة الداخلية عن طريق المديرية العامة للجماعات الترابية، بـ 130 مليون درهم، وجماعة البيضاء ساهمت بـ 80 مليون درهم، والجهة خصصت 40 مليون درهم لتمويل المشروع، كما أن مجلس البيضاء سيخصص دعما ماليا سنويا، من أجل الحفاظ على السير العام للحديقة، على اعتبار أن التذاكر لوحدها غير كافية لتمويل أنشطتها، لكن السؤال المطروح، هو لماذا لم تشرع إدارة الحديقة، في البحث عن شراكات مع منظمات بيئية دولية، والشركات الخاصة بالمغرب، التي يمكن أن تدعم هذه البرامج، لكن غياب رؤية واضحة للمشروع، جعله مقبرة للمال العام دون فائدة تذكر، إلى حدود الساعة على الأقل.

حديقة عين السبع… إصلاحات مع وقف التنفيذ

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"المضاربة" في أموال تأهيل "دونور"

فاس تحتضن المناظرة الجهوية حول التنمية المستدامة

مقالات ذات صلة