نساء حديديات-“الكاهنة”… فارسة الأمازيغ

إذا كانت بريطانيا تفتخر بامرأتها الحديدية مارغريت تاتشر لقدرتها الخطيرة على تسيير شؤون الحكم وقوة شخصيتها وتأثيرها في التاريخ الحديث للمملكة المتحدة، فقد عرف التاريخ القديم أيضا نساء حديديات، ساهمن في تغيير حركة التاريخ وضربن بيد من حديد كل من وقف حجر عثرة في طريقهن نحو المجد والسلطة ، حتى باللجوء إلى قتل فلذات أكبادهن، في هذه السلسلة من الحلقات، نماذج من أشهر هؤلاء النساء اللواتي حفرن أساميهن على صفحات التاريخ بمداد من دم.قال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي "جميع من بأفريقيا من الرومان، منها خائفون، وجميع الأمازيغ لها مطيعون". والحديث هنا عن "الكاهنة"، ديهيا بنت تابنة، الملكة والقائدة العسكرية الشهيرة، موحدة القبائل الأمازيغية وحاكمة شمال إفريقيا (تشكل مملكتها اليوم جزءا من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا) التي اتخذت عاصمة ملكها في جبال الأوراس. كانت "الكاهنة" تكره العرب والغزاة المسلمين، وتريد طردهم خارج بلادها، مثلما كانت تكره الرومان والبيزنطيين الذين قادت ضدهم العديد من الحملات العسكرية والمعارك التي خرجت من أغلبها منتصرة، واسترجعت أجزاء كبيرة من أراضي مملكتها، مما جعل سمعتها تخترق الآفاق، فكانت محل احترام وتقدير وإجلال لدى الغزاة أنفسهم. يقول عنها المؤرخ ابن خلدون في "كتاب العبر": "ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان... كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها". اعتبر المؤرخون "الكاهنة" رمزا من رموز الذكاء والتضحية، كما أشارت المصادر التاريخية أيضا إلى إنسانيتها وسلوكها الحضاري في الحرب، خاصة بعد أن هزمت جيش القائد حسن بن النعمان عام 693 وتمكنت من هزمه وطرده من تونس ومطاردته إلى غرب ليبيا، دون أن تخرب أو تقتل المسلمين أو تنكل بهم ثأرا وانتقاما. كما أنها أعتقت الأسرى ومنحتهم حريتهم، واحتفظت منهم بواحد عاملته مثل ابن لها. يقول المؤرخ ابن عبد الحكم في هذا السياق، في كتابه "فتوح إفريقيا والأندلس": "... أحسنت ديهيا أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها...".كانت "الكاهنة" أول من لجأت إلى استراتيجية الأرض المحروقة في الحرب. وهي خطة عسكرية أساسها تخريب الأراضي التي يطمع إليها العدو وتدمير أطماعه. فبعد أن علمت بخيانة خالد بن يزيد وعودة حسان بن النعمان إلى محاربتها بإمدادات عسكرية أكثر وجيش أقوى ومعلومات أوفر قدمها له خالد نفسه، خطبت في أنصارها الأمازيغ قائلة "إن العرب لا يريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد إفريقية كلها حتى ييأس منها العرب، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر"، مثلما ذكر المؤرخ ابن عذارى. تولت ديهيا (معناها بالأمازيغية جميلة) الحكم بعد ما رآه منها والدها من قوة الشخصية ورباطة الجأش في سن صغيرة، ليقرر منحها زعامة قبيلة "جراوة"، أكبر القبائل الأمازيغية في ذلك الوقت. وسميت "الكاهنة" لإتقانها أعمال السحر والكهانة التي دربها عليها والدها، مثلما أشارت إلى ذلك المصادر. هذه العوامل، إضافة إلى جمالها وحسنها، جعلتها قادرة على التحكم في أقوى فرسان وقياد القبائل الأمازيغية الذين كان أغلبهم مولعا بحبها، وعلى رأسهم القائد الأمازيغي كسيلة، زعيم قبيلة "أوربة" البرانسية الشهيرة التي كانت تسيطر على المغرب الأوسط كله، (أسلم ضمن عدد كبير ممن دخلوا الإسلام من البربر في أوائل عهد الفتوحات الإسلامية حين وصلت طلائع الجيش العربي على يد والي مصر عمرو بن العاص ومن ولي الأمر بعده وخلفته "الكاهنة")، والذي كان يستشيرها في كل أموره ولا يقبل على خطوة إلا بعد مقاومة منها، خاصة أنها كان مؤمنا بقدرتها على التنبؤ بما سيقع.هزمت "الكاهنة" في الحرب الثانية بينها وبين حسان، لكنها حاربت باستماتة إلى أن أصيبت إصابة قاتلة استسلمت بعدها في المعركة التي قادتها إلى النفس الأخير، عكس ما تردد عن استسلامها دون مقاومة، ليدخل الأمازيغ بعدها إلى الإسلام. نورا الفواري

نساء حديديات-“الكاهنة”… فارسة الأمازيغ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

-خطاب "الأوباش" والخميني وجماعة "إلى الأمام" خطابات الحسن الثاني النارية-الحلقة الأولى

نواميس في قواميس السياسة-الحلقة الأولى

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات