البغدادي: مشروع إصلاح التقاعد تخريبي

عضو لجنة الإصلاح طالب الحكومة بجعل سن 65 اختياريا وأداء الدولة ما بذمتها للصناديق أكد عبد الفتاح البغدادي، عضو لجنة إصلاح منظومة التقاعد، أن ما يسمى إصلاح التقاعد، هو في الحقيقة تخريب وجريمة سترتكب في حق الأجراء وموظفي القطاع العام، اعتمادا على دراسة أسندت من قبل الحكومة إلى مكتب دراسات فرنسي. وأوضح البغدادي، أن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، لن تقبل أن يتم الإصلاح على حساب المنخرطين والأجراء فقط، مطالبا الدولة بالكف عن استنزاف أموال الصناديق واعتبارها احتياطيا مباحا لسد ثقوب الميزانية. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني - تصوير (عبداللطيف مفيق) *عقدتم ثلاثة اجتماعات للجنة إصلاح التقاعد. هل لنا أن نعرف طبيعة المشروع الذي تنكبون على دراسته؟ ** أود التأكيد أن ما يسمى إصلاح التقاعد، هو في الحقيقة تخريب أنظمة التقاعد، وجريمة سترتكب في حق الأجراء وموظفي القطاع العام، اعتمادا على دراسة أسندت من قبل الحكومة إلى مكتب دراسات فرنسي، بناء على توصيات اللجنة الوطنية للإصلاح، وتشخيص وضعية الصناديق، ودراسة مقارنة دولية للإصلاحات في عدد من الدول، وتوصيات البنك الدولي. وقد تم إنجاز دفتر تحملات الدراسة من قبل وزارة الاقتصاد والمالية بشكل احادي، دون استشارة الشركاء الاجتماعيين. وكانت خلاصات الدراسة معروفة مسبقا لدى الحكومة، على اعتبار أن مضمون دفتر التحملات هو الموجه الرئيسي لأي دراسة. وطبيعي جدا ألا نفاجأ بمضمون الخلاصات، لأننا ندري خبايا وأهداف المشروع الحقيقية وغير المعلنة من قبل الحكومة، والتي تهدف إلى الإجهاز على ما تبقى للأجراء من حقوق في مجال المعاشات. وبخصوص الدراسة، فقد خلصت إلى اقتراح نظام القطبين (عام وخاص) مبني على ثلاثة أعمدة، الأول نظام أساسي إجباري، يعتمد على النسبة المئوية، والثاني تكميلي إجباري بمساهمات محددة من أول درهم، والثالث، إضافي اختياري بالرسملة. *يسود قلق كبير بشأن مسودة المشروع الحكومي. ما هي القضايا التي كانت مثار جدل في أوساط النقابات؟ ** نعم، هناك قلق كبير في أوساط الأجراء والموظفين وبطبيعة الحال، المفروض هو أن النقابات هي صوت الأجراء والطبقة العاملة عموما. ونحن في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل مرتبطون عضويا بهموم وقضايا الأجراء، لا يمكن لنا إلا أن نندد ونعبر عن رفضنا المطلق للثالوث الملعون، والذي دشنته حكومة بنكيران في 2016، ألا وهو رفع سن التقاعد والزيادة في المساهمات، وتقليص المعاشات، هذا الثلاثي الشيطاني يشكل ضربة قاضية، وإجهازا على حقوق الأجراء، ويضرب عرض الحائط كل الشعارات الرنانة والوعود الانتخابية الكاذبة، ما يؤكد أننا أمام حكومة غير مسؤولة ولا هم لها سوى خدمة مصالح الرأسمالية المتوحشة، وتنفيذ أوامر صندوق النقد الدولي، العدو التاريخي للشعوب المستضعفة. نعم، نحن قلقون على معاشات المغاربة، وقلقون على ما يمكن أن يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمتقاعدين، ناهيك عن الحيف المفضوح والخطير الذي يعانيه ذوو الحقوق، خاصة الأرامل. وعلى سبيل المثال، صرفت الحكومة الاجتماعية 50 درهما للزيادة في المعاشات، بالنسبة إلى المنخرطات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. إنها مهزلة وما بعدها مهزلة، لن تقع إلا في "أجمل بلد في العالم". التشغيل يضمن استدامة الصناديق *ما هي رؤيتكم في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لمنهجية الإصلاح وما هي مقترحاتكم؟ ** الكنفدرالية تنظر إلى الإصلاح بشكل شمولي، انطلاقا من سؤال أساسي. هل فعلا تعيش الصناديق أزمة؟ وإذا كانت في أزمة فعلا، من المسؤول عنها؟ وبعد الجواب عن السؤالين، نمر الى المرحلة الموالية، ونطرح سؤالا ثالثا "كيف سيكون الإصلاح وما هي مداخله؟". نطالب أولا بمحاسبة من أوصل الصناديق إلى ما هي عليه اليوم، قبل البحث عن حل شمولي يضمن استدامتها، كي لا نعود بعد سنوات لطرح إصلاح جديد، كما حصل في 2016. إن أهم عنصر يضمن استدامة الصناديق هو التشغيل، فهل الحكومة قادرة على قول "لا" للمؤسسات المالية الدولية، والانكباب على حل مغربي بعيدا عن إملاءات المؤسسات؟. لذلك، نؤكد على ضرورة اعتماد التشغيل في الوظيفة العمومية، وفرض شروط على القطاع الخاص، مقابل الامتيازات والتحفيزات التي تمنح له، وبذلك نحل مشكل البطالة وأزمة صناديق التقاعد. وإذا كان لا بد من إصلاحات مقياسية، فإننا في الكنفدرالية نقترح جعل السن اختياريا، وعدم فرض حد 65 سنة إجباريا، وأداء الدولة ما بذمتها للصناديق، وتخصيص دعم مالي في قانون المالية لهذه الصناديق، كما تفعل مع المؤسسات العمومية الأخرى. ولا نقبل أن يتم الإصلاح على حساب المنخرطين والأجراء فقط، وأن تكف الدولة عن استنزاف أموال الصناديق واعتبارها احتياطيا مباحا لسد ثقوب الميزانية، كما حدث خلال سنتين متتابعتين بواسطة ما أسمته زورا، التمويلات المبتكرة (بيع مقرات المراكز الاستشفائية للصندوق المغربي للتقاعد، بيع مقرات الجامعات لصندوق الإيداع والتدبير، الذي يسير أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي). *تتذرع الحكومة بأزمة الصناديق. هل اطلعتم على حقيقة أوضاعها المالية، من خلال مشاركتكم السابقة في لجنة تقصي الحقائق في الولاية السابقة؟ ** الأوضاع المالية للصناديق معروفة، فقد ظلت أموالها مستباحة منذ عقود، بل وشكلت احتياطيا تلجأ إليه الدولة كلما احتاجت أموالا سهلة، وكلما كانت لديها ثقوب في الميزانية، والأحكام الصادرة في اختلاسات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكذا تقرير لجنة تقصي الحقائق في الصندوق المغربي للقاعد، توضح إلى أي مدى كانت أموال الصناديق مستباحة، وما زالت إلى اليوم. كما تعتبرها الدولة صناديق في ملكيتها وتحافظ بها على الاقتصاد الوطني من الأزمات التي يمكن أن يعرفها، بل وتقوم عبر أموال الصناديق، بتعويض خسارات بعض الشركات. *كيف تقيمون الإصلاح المقياسي الذي باشرته حكومة بنكيران، ولماذا فشلت تلك المقاربة في معالجة اختلالات الصناديق؟ **لم تكن الإصلاحات المقياسية يوما حلا لمشاكل الصناديق، ولكن كانت حلولا ترقيعية باشرتها حكومة بنكيران، وهو يعرف شأنه شأن من أوحوا له أنه لا يمكن أن يحل مشاكل الصندوق المغربي للتقاعد، ولكنه سيؤجل المشكل لبضع سنوات، والجميع يعرف هذه الحقيقة. ففشل تلك الإصلاحات أو عدم جدواها كان متفقا عليه ومعروفا ولا يختلف عليه شخصان، لذا اتخذت الكنفدرالية الموقف المبدئي بالانسحاب من كل تلك أطوار المهزلة، رغم ما جره عليها هذا الموقف من انتقادات لكن التاريخ سيثبت صحة ومبدئية هذا الموقف. فنحن مقتنعون أن الأجراء ليسوا هم من تسبب في أزمة الصندوق، وأن الدولة مدينة له، وإذا كان لا بد من حل ترقيعي، فالأولى أن ترد الخزينة العامة والأموال التي تدين بها للصندوق( أداء انخراطات مع فوائدها، إرجاع ما أخذته من المعاشات المدنية لفائدة المعاشات العسكرية، ) لكن بنكيران كان له رأي آخر وفرض الإصلاحات المقياسية عبر أغلبيته العددية، ثم قبض الثمن بحصوله على تقاعد لم يساهم فيه بسنتيم واحد، وها نحن اليوم أمام إصلاح جديد يعتمد على الإصلاحات المقياسية مع إجراءات أخرى على رأسها التسقيف، وإجبارية تقاعد تكميلي، واحتساب طول المسار المهني للأجير في احتساب تقاعده، والتراجع عن النسبة المائوية لفائدة نظام التنقيط. فشل الإصلاح المقياسي ** لا يمكن علميا الاعتماد على المعايير المقياسية، لأنها محدودة وغير كافية، فملف التقاعد قضية مجتمع معقدة، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي، بالإضافة إلى الظرفية والمحيط الدولي. إن الإصلاح الذي أطلقه بنكيران لم يشمل بنية الصندوق المغربي للتقاعد، ولم يأخذ بعين الاعتبار ما تعرفه باقي الصناديق من اختلالات، نتيجة رفض الدولة تأدية ما بذمتها تجاه الصندوق. ونحن نقولها جهرا وبالواضح، "على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في تأدية مستحقاتها تجاه الصندوق، آنذاك يمكن الاعتماد على بعض الإجراءات المقياسية عند الضرورة. إن فشل الإصلاح المقياسي، الذي جاء به بنكيران، لم يكن مفاجئا لنا في الكنفدرالية، لأنه ببساطة ليس إصلاحا، بل مجرد "بريكولاج" وترقيع، والدليل هو أننا اليوم أمام "إصلاح" آخر نتنبأ له بالفشل، لأنه يسير في منحى سابقه، فكفى من الترقيع، وكفي من الاستهتار بمصالح المأجورين والموظفين. إنه تخريب وليس إصلاحا. من أجل نقاش عمومي *تسعى الحكومة إلى حسم ملف الإصلاح، بعيدا عن النقاش المجتمعي. كيف ستتعاملون إذا اختارت الحكومة فرض الأمر الواقع؟ **فعلا، الملاحظ لحد الأن غياب تام لنقاش عمومي عبر القنوات التلفزيونية الوطنية، لا برنامج واحدا يناقش هذا الملف المجتمعي. وهذا مؤشر سلبي على سوء النية لدى الحكومة، وتأكيد مباشر على أن الإصلاح المزعوم، هو في الحقيقة تخريب لنظام المعاشات، وتأكيد كذلك أن الأجير والموظف هو الضحية، لأنه الوحيد الذي سيؤدي ثمن التكلفة عن طريق رفع المساهمة الشهرية، وتقليص المعاش الشهري، ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة. فالأجير وفق المشروع الجديد، سيشتغل أكثر، وسيساهم أكثر ليتقاضى معاشا أقل. إنه الظلم والحيف في أقصى التجليات. ولأن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل حليف طبيعي للطبقة العاملة، ولسان حالها، في مواجهة جشع وتغول الرأسمالية، فإنها لن ترضخ، ولن تتخلى عن الدفاع عن حقوق ومصالح الأجراء والموظفين، ويبقى الاحتجاج السلمي هو السبيل الوحيد لنيل المطالب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، في إطار القانون. الرد في الوقت المناسب الأكيد أن الأجهزة التقريرية للكنفدرالية، هي الإطار المخول له اتخاذ القرارات النضالية اللازمة، في حال تعنت الحكومة واستمرارها في ممارسة أساليب المناورة وتغليط الرأي العام، من أجل تمرير إصلاح الموت، وتعميم الفقر والهشاشة، والتغاضي عن القوانين والمواثيق الدولية في مجال الحماية الاجتماعية. وسيكون لنا موعد في الوقت المناسب. ولن نقبل بأي إصلاح على حساب جيوب الأجراء والموظفين، ويستحيل الحديث عن إصلاح دون اقتراح مصادر تمويله، بعيدا عن جيوب المواطن، وحفاظا على قدرتهم الشرائية. كما نرفض الحلول السهلة، ونطالب ببحث أسباب انهيار الصناديق الناتج أساسا عن سوء التدبير، واستخلاص العبر من الوضع الحالي، وإيجاد حلول نابعة من دراسات عميقة وموضوعية تنطلق من تشخيص شفاف يقطع مع الأساليب المعهودة، التي تكرس التغليط والمحاباة، والإفلات من المحاسبة. وإذا تم اعتماد الإصلاح المزعوم، فلن يبقى للأجير والمتقاعد سوى السباحة في جحيم الفقر والحاجة، ودون شك التسول في انتظار الموت. في سطور - من مواليد 28 فبراير 1958 - حامل لدبلوم الدراسات العليا البنكية - إطار بنكي متقاعد - كاتب عام سابق للمكتب الوطني الموحد للبنك الشعبي -عضو المجلس الوطني للكنفدرالية الديمقراطية للشغل - ممثل الكنفدرالية بالمجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

البغدادي: مشروع إصلاح التقاعد تخريبي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ماكرون يقر بأخطاء فرنسا

عزل رئيس جماعة ببنسليمان

مقالات ذات صلة