الجباري: الانتداب خطر على حصانة القضاة

رئيس نادي قضاة المغرب قال إن هناك إقصاء شبه تام للقضاة في تدبير الجمعية العامةقال عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، إن تمديد سن التقاعد إلى سن 75 سنة، مبالغ فيه، بالإضافة إلى أن التمديد يكون لمدة معينة قابلة للتجديد، وأن إعادة تعيين القضاة والتجديد لهم في مناصبهم يتوقف على ضرورة تقييم أدائهم المهني، وهو ما قد يشكل خطرا على استقلالية القضاء وحرية القضاة من جهة. وأضاف في حوار مع "الصباح" أن التعديلات التي انتقدها "نادي قضاة المغرب" بالنسبة إلى مشروعي قانوني المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة إما مخالفة للدستور أو لإحدى المعايير الدولية ذات الصلة باستقلالية السلطة القضائية. وفي مايلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي < صحيح، شهدت محاكم المملكة في النصف الأول من شهر دجنبر عقد الجمعيات العامة بها، وهي المؤسسة القضائية التي تتولى تحديد الأقسام والغرف والهيآت وتأليفها داخل المحكمة، وتوزيع القضايا والمهام على قضاتها، وضبط عدد الجلسات وأيام وساعات انعقادها. ولكن، ما دام أن عقد الجمعيات العامة بالمحاكم خلال هذا الشهر تم في ظل القانون القديم، فلا يسعنا إلا أن نعبر عما رصده "نادي قضاة المغرب" من خرق بعضها لقيم الشفافية والموضوعية والديمقراطية، بل هناك من انبرى إلى تطبيق القانون الجديد ولو أنه لم يدخل بعد إلى حيز التنفيذ، وقام بتفعيل مكتب الجمعية مع أنه لا وجود له في القانون المطبق حاليا. وجدير بالذكر، أن عملية الرصد هذه ليست جديدة على "نادي قضاة المغرب"، بل هي نهج نهجه منذ تأسيسه، ومارسه بكل جرأة وفاعلية، ومنه التقرير المؤرخ في 06 يوليوز 2022، والمنجز في إطار المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي رصد جملة من الخروقات الماسة بالجمعية العامة وببعض الضمانات الممنوحة للقضاة، إذ تم رفعه إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية لإحاطته علما بمضمونه. < لم نتوصل بأي جواب إلى حدود الآن، ولا ندري مآل هذا التقرير ومضمونه. ونتمنى تفعيلا أمثل لمبدأ الديمقراطية التشاركية، حتى نتمكن من تحقيق مخرجاته بخصوص ما نصبو إليه من إصلاح حقيقي للقضاء، تنزيلا للرؤية الملكية الرشيدة بهذا الخصوص. < حسب ما رصده "نادي قضاة المغرب"، فهناك غياب شبه تام في بعض المحاكم لإشراك القضاة في تدبير الجمعية العامة، إذ لم تتم استشارتهم قبل عقد الجمعية، ولم يُمَكَّنوا من مناقشة مشروع برنامج توزيع الأشغال داخل المحكمة، بل هناك من لم يعرض حتى مشروع هذا البرنامج، وهو ما أدى إلى إفراز بعض الوضعيات غير الصحية، إذ أسفر، مثلا، عن توزيع غير عادل للجلسات والأشغال في بعض المحاكم، فتجد قضاة مكلفين بمهام كثيرة وثقيلة مقارنة ببعض زملائهم، لأن تدبير الجمعية العامة لم يكن موضوعيا، وهو ما يؤثر سلبا على جودة العمل الذي يقوم به هؤلاء القضاة، نظرا للضغط الذي يعانونه، ناهيك عن ارتفاع هامش المخاطر المهنية، وهو ما لا يتوانى نادي قضاة المغرب في إثارته لتلافيه في المستقبل. < بالاطلاع على مشروع تعديلات قوانين السلطة القضائية، نجد فيها نوعين من التعديلات: الأولى: وهي تعديلات مطلوبة، أبانت الممارسة المهنية عن الحاجة إليها، ونادي قضاة المغرب يثمنها من حيث المبدأ، وتبنى بعضها دون أي ملاحظة، وانتقد بعضها الآخر من حيث الصيغة المقترحة، لا من حيث مبدأ التعديل. الثانية: وهي تعديلات غير مطلوبة، ولا نرى حاجة إليها، لأن المقتضيات المراد تعديلها تفي بالمطلوب التشريعي الذي وضعت من أجله. غير أن الملاحظ في هذا الصدد، هو أن بعض المقتضيات التي أبانت الممارسة عن الحاجة إلى تعديلها لم يشملها المشروع، مما يكون معه غير محيط بجميع النقط التي تتطلب تعديلا. حق القاضي في المحاكمة العادلة < هناك العديد من المقتضيات التي تتطلب تعديلا ولم تكن موضوع مشروعي تعديل القانونين المتعلقين بالسلطة القضائية، وقد ضمن "نادي قضاة المغرب" بعضها بمذكرته حول هذين المشروعين، ويمكن التمثيل بمقتضيات المادة 87 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ذلك أن هذه المادة تخول للمفتش العام للشؤون القضائية إجراء الأبحاث والتحريات بخصوص الإخلالات المهنية المرتكبة من قبل القضاة، ويقوم باستدعائهم والاستماع إليهم، إلا أن استدعاءهم يكون خاليا من أي إشارة إلى الإخلال المنسوب إليهم، وهو ما يؤدي إلى خلق وضعية مخالفة لمبادئ المحاكمة العادلة، ناهيك عما يترتب عنها من وضع نفسي يعيشه القاضي المعني بعد استدعائه وقبل الاستماع إليه، وقد تطول هذه المدة لثلاثة أو أربعة أيام. تأتي بعدها مقتضيات المادة 94 من القانون نفسه، ذلك أن هذه المادة تمكن القاضي المتابع تأديبيا أمام المجلس بأن يؤازر بأحد زملائه أو أحد المحامين، إلا أن التجربة أبانت عن أن المؤازِر الواحد قد يؤدي إلى تعطيل الحق في الدفاع، خصوصا في الحالات التي يتعذر معه عليه الحضور إلى جانب القاضي المتابع إما بسبب المرض أو التزام مهني أو غيرهما، لذلك اقترحنا أن يرتفع عدد المؤازرين إلى خمسة ضمانا للحق في الدفاع، وانسجاما مع مبادئ المحاكمة العادلة. مقترحات النادي لم يتم الأخذ بها < لقد تمت المصادقة على المشروعين من قبل لجنة العدل والتشريع، ولم يتم الأخذ بما قدمناه من مقترحات وتصورات نعتبرها صائبة ودستورية، وأن التعديلات التي انتقدها "نادي قضاة المغرب" رأى أنها إما مخالفة للدستور أو لأحد المعايير الدولية ذات الصلة باستقلالية السلطة القضائية. ولكن هذا لا يعني أننا لا نأمل تبني بعض آرائنا وتصوراتنا من قبل باقي المتدخلين في المسطرة التشريعية، ونتمنى استدراك ذلك من قبل الجلسة العامة لمجلس النواب، وكذلك من لدن مجلس المستشارين الذي سيقدم له "نادي قضاة المغرب"، هو الآخر، مذكرته حول المشروعين ذاتيهما في إطار ترافعه عن كل ما يدعم ويعزز استقلالية السلطة القضائية. تمديد سن التقاعد مبالغ فيه < يعتبر "نادي قضاة المغرب" تمديد مدة سن التقاعد إلى 75 سنة، فضلا عن أنه مبالغ فيه، مخالف لما أجمعت عليه كل المعايير الدولية -الأممية منها والإقليمية- المعنية باستقلالية القضاء، نظرا لما ينطوي عليه ذلك من "تعيين مؤقت" للقضاة، لأن التمديد يكون لمدة معينة قابلة للتجديد، وأن إعادة تعيينهم والتجديد لهم في مناصبهم يتوقف على ضرورة تقييم أدائهم المهني، وهو ما قد يشكل خطرا على استقلالية القضاء وحرية القضاة من جهة، وبالتالي على حقوق المواطنين وحسن سير العدالة من جهة ثانية، وعلى جودة العمل القضائي ونجاعته من جهة أخرى. ومهما يكن فإن سبب التمديد إلى 75 سنة كما جاء في الورقة التقديمية للمشروع، هو التغلب على مشكل الخصاص الذي يؤرق القضاة بالمحاكم، ونحن في "نادي قضاة المغرب" لا نرى سبيلا لمعالجة هذا الإشكال بإطالة مدة التمديد، لأن هذا الإشكال سيظل قائما على الدوام بفعل طبيعة حركية الولوج إلى السلك القضائي والمغادرة منه كل سنة، وإنما نعتقد أن الطريقة المثلى للتغلب عليه تتمثل في توفير المناصب المالية لفائدة السلطة القضائية، والكافية لعمل النظام القضائي، ولمواجهة الأعباء القضائية. < إذا اتضح مما سبق موقف نادي قضاة المغرب من التمديد إلى سن 75، فإننا نرى بأن الطاقات القضائية التي ستحال على التقاعد، هي على نوعين: أولهما، يسجل في مهنة من المهن الحرة كالمحاماة أو التوثيق، وهذا النوع لا يمكن الاستفادة من تجربته التي راكمها طيلة مدة توليته القضاء. وثانيهما، يحال على التقاعد ولا يمارس أي مهنة حرة، ويندرج ضمن هذا النوع نوعان أيضا: منهم من لا يكون قادرا على تحمل أعباء العمل القضائي ويُؤْثر الراحة على العمل، ومنهم من يكون قادرا على العطاء ولكن لا يستطيع تحمل الأعباء القضائية المضنية كما تقتضيه طبيعة العمل القضائي. وهذا النوع الأخير هو الذي يمكن الاستفادة من تجربته، لكن ليس في العمل وإنما في التكوين بالمعهد العالي للقضاء أو على مستوى إحدى الإدارات القضائية المركزية (المجلس، رئاسة النيابة العامة، وزارة العدل) عن طريق التعاقد، لأن العمل في هذه الإدارات ذو طبيعة إدارية وليست قضائية. الترقية جاءت متأخرة < نعم، هي مهمة جدا، ولكن دعونا نتفق بأنها جاءت متأخرة عن وقتها بشكل كبير. وكلنا يتذكر بأن هذه التعديلات كانت مطروحة أثناء إعداد القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة سنة 2015، وتم التراجع عنها بدعوى أن الظرفية الاقتصادية للبلاد في ذلك الوقت غير مناسبة لذلك التعديل، فتم إرجاؤها إلى تاريخ لاحق، إلا أن هذا التاريخ طال وتمدد بشكل غير معقول، وظل قضاة الدرجة الاستثنائية ماكثين في درجة واحدة لمدة 25 سنة من مدة ولايتهم، مع أن إضافة درجة أخرى أعلى من هذه الدرجة، يعتبر حقا من حقوق القضاة يجب إقرارها دون مطالبتهم بها، باعتبارها عاملا محفزا للقضاة على العطاء في تلك الفترة، وهذا أمر معمول به في العديد من التجارب القضائية المقارنة. مقتضيات ستعيدنا إلى ما قبل دستور 2011 < لا بد قبل الإدلاء بموقفنا من هذه النقطة أن نوضح مضمون هذه التعديلات، وهي نقطتان اثنتان: الأولى: أنه تم النص على إمكانية انتداب قاض من قضاة محكمة النقض لسد خصاص طارئ بإحدى محاكم المملكة، من قبل الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام لديها كل في ما يخصه. الثانية: أنه تم النص على إمكانية انتداب قاض من قضاة الحكم للعمل بالنيابة العامة، أو قاض من قضاة النيابة العامة للعمل بقضاء الحكم، ولو من محكمة النقض وإليها، لسد الخصاص بأي محكمة من محاكم المملكة، وأسند أمر تقرير ذلك إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وهذه مقتضيات تشكل خطورة كبيرة على حصانة نقل القضاة المنصوص عليها في الفصل 108 من الدستور، ذلك أن هذا الفصل ولو أنه أحال على تنظيم نقل القضاة بمقتضى القانون، إلا أن هذا القانون لا يمكن أن ينص على مقتضيات تخالف إرادة المشرع الدستوري من إقراره لهذه الحصانة، التي ما وُضعت إلا لتحصين استقلالية السلطة القضائية، أو أن تُفرغها من كل محتواها الدستوري والكوني والحقوقي. ومكمن الخطورة في هذه المقتضيات، هي أن مكنة الانتداب لم تقيد بأي شرط من الشروط الخاصة، وبقيت مطلقة يمكن تطبيقها في أي وقت من الأوقات، لأن الشروط العامة المنصوص عليها في المادة 73 من النظام الأساسي للقضاة، وإن كانت مقيدة لسلطة الانتداب في حدود تخصص واحد، أي من قضاء النيابة العامة إلى قضاء مثلها بمحاكم أخرى، أو من قضاء الحكم إلى قضاء مثله بالمحاكم نفسها، فإنها لا تقيد هذه السلطة بالنسبة لانتداب قضاة محكمة النقض للعمل في إحدى محاكم المملكة، وكذلك بالنسبة لانتداب قضاة النيابة العامة للعمل بقضاء الحكم وقضاة الحكم للعمل بقضاء النيابة العامة، وهذا ما قد يستغل للمساس باستقلالية السلطة القضائية. ومن خلال هذا التوضيح، لا نرى أي حاجة لسن مثل هذه المقتضيات، التي ستعيدنا إلى ما قبل دستور 2011، خصوصا أن الخصاص الطارئ ببعض المحاكم يمكن معالجته عن طريق المقتضيات المنظمة لمؤسسة الانتداب حاليا. في سطور - رئيس نادي قضاة المغرب - مزداد في 22 غشت 1983 بالقصر الكبير - قاض بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة - حاصل على ماستر في العلوم القانونية تخصص العلوم الجنائية وحقوق الإنسان - له عدة مؤلفات ومقالات في القانون والتاريخ والفكر الإسلامي. --شارك في عدة ندوات دولية ووطنية

الجباري: الانتداب خطر على حصانة القضاة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحريض الأطفال... انقلب السحر على الساحر

"مجندات" في مافيا الكوكايين

مقالات ذات صلة