سطات… عاصمة الشاوية المنسية

الصحة تحتضر والاستثمار يتراجع والرياضة في غرفة الإنعاش والسلطة شاردة تعيش مدينة سطات وضعية صعبة، وأضحت عاصمة الشاوية تعرف مشاكل كثيرة في المجال الصحي والبيئي، ووضع المسؤولون شبه "استقالة جماعية" لإعادة الاعتبار لمدينة شكلت في زمن مضى قطبا للاستثمار والرياضة والتحصيل الجامعي، لكن واقعها الحالي يجعل الزائر يحس بحسرة كبيرة على مدينة كانت قبل سنوات عاصمة لجهة الشاوية ورديغة سابقا، ويطرح علامات استفهام كثيرة لكنه لن يجد لها إجابات مادام المسؤولون في وضعية شرود. إعداد: سليمان الزياني (سطات) / تصوير (عبداللطيف مفيق) لا يمكن للزائر الوصول الى وسط المدينة دون أن يجد في مدخلها سدا بعناصر الأمن الوطني، ما يوحي أن المدينة تعيش حالة عادية في المجال الأمني، لكن مباشرة بعد السد القضائي سالف الذكر، يبدو للسائقين جهاز "رادار" لمراقبة السرعة، يوحي بأن المدينة تسير ببطء في مختلف المجالات، وسرعة تنميتها والبحث لها عن فرص تجعل سطات تسترجع توهجا عرفته حلال سنوات مضت، غير ضرورية في الوقت الراهن، سيما بعدما يلتفت الزائر يسارا وتبدو له البحيرة التي اشتهرت بها المدينة غارقة في الأوساخ وأضحت منسية، رغم تخصيص مبالغ مالية مهمة لصيانتها. سطات في أرقام تعد مدينة سطات عاصمة للشاوية، وتحتضن عمالة يقع تحت نفوذها الترابي أكثر من 44 جماعة، تنتمي الى جهة البيضاء سطات، يفوق عدد سكانها 240511 نسمة حسب آخر إحصاء للسكان، موزعة على أكثر من 32714 أسر، يوجد حزب الاستقلال على هرم الساهرين على تدبير الشأن العام بها بتحالف مع أحزاب أخرى، في حين يبلغ عدد المستشارين الجماعيين بها 35 ينتمون الى عدة هيآت سياسية، منها الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الدستوري، بالإضافة الى أحزاب أخرى. تعد سطات من المدن التي عرفت في بداية التسعينات من القرن الماضي إحداث جامعة تضم عددا من الكليات والمدارس العليا، بالإضافة الى خلق ملعب دولي للغولف وحلبة لسباق الخيل، لكن أضحى أبناؤها يتألمون حسرة على ضياع مدينة في زمن مسؤولين يوجدون في وضعية شرود. الصحة تحتضر يعيش قطاع الصحة بسطات وضعا "كارثيا"، ما جعل فاعلين جمعويين ومنتخبين ونوابا برلمانيين يدقون ناقوس الخطر، سيما بعدما شعر سكان المدينة أن المسؤولين أدخلوا قطاع الصحة الى "غرفة الانعاش"، ما جعل بوشعيب نجار، الأمين العام للمرصد الوطني لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد وحماية المال العام بالمغرب، يشخص الوضع داخل المستشفى الإقليمي الحسن الثاني، ويوجه نداء الى المسؤولين لإعادة الاعتبار للمؤسسة الاستشفائية، ووضع حد لما اعتبره في كتاب موجه لوزير الصحة ب "صعوبات تعرقل السير العادي للمستشفى، وتعتبر إشكالية الموارد البشرية وتراكماتها السلبية من أهم العراقيل". وتبدأ معاناة المرضى القاصدين المستشفى الإقليمي الحسن الثاني مع قسم المستعجلات، اذ لا يتعدى عدد الأطباء به ثلاثة يتناوبون، بعدما جرى توقيف زميل لهم بسبب إهانته للمؤسسة، ما جعل الساهرين على تدبير الشأن الصحي بالمدينة يستنجدون بأطباء "متدربين" غير متخصصين في المستعجلات، سيما خلال المداومة ليلا، فضلا عن البحث عن متدربين بالمؤسسات الخاصة لتكوين الممرضين والممرضات لسد الخصاص في أطر التمريض. ويعد الخصاص وصمة عار في جبين وزارة الصحة، اذ يتكلف مدير بالنيابة بمهمة إدارة المستشفى، ولم يمض على تعيينه سوى أشهر قليلة، ووجد أمامه مشاكل عديدة يتخبط فيها المستشفى الإقليمي، سيما على مستوى الأطر الطبية والتمريضية، بالإضافة الى الوسائل والإمكانيات اللوجستيكية. وتحدث بوشعيب نجار، المسؤول في الجمعية سالفة الذكر بحسرة عما يعيشه المريض بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني، وتمنى لو عادت به عقارب الساعة الى الأيام التي كانت أطر صينية تعمل بالمؤسسة الاستشفائية خلال سنوات مضت، خصوصا أن عدد الأطباء المتخصصين في الأشعة لا يتعدى طبيبين حاليا، ما يجعل الظفر بموعد بالمصلحة من سابع المستحيلات، أما النساء الحوامل فيتم توجيههن خلال عملية الولادة القيصرية الى المستشفى الجامعي بن رشد بالبيضاء. مشاكل كثيرة يتخبط فيها المركز الاستشفائي الحسن الثاني، وتحدث مواطنون الى "الصباح" عما اعتبروه "وجود أطباء أشباح"، ما يتطلب من المسؤولين على القطاع الصحي، على المستوى المركزي، بعث لجان تفتيش، والرفع من عدد الأطر الطبية والتمريضية لإعادة الحياة لقطاع صحي يحتضر بعاصمة الشاوية ويعيش آخر أيامه بواسطة تنفس اصطناعي، رغم أن المستشفى لا يتوفر إلا على ثلاثة أجهزة للتنفس الاصطناعي وأسرة مهترئة وصنابير شبه منعدمة، مع وجود عدد مهم من الغرباء داخل المستشفى. الملك العام... استسلام العمالة استسلم إبراهيم أبوزيد، عامل إقليم سطات لزحف محتلي الملك العمومي بعاصمة الشاوية، ولم يعد قادرا على وضع حد للتسيب وبناء أسوار من إسمنت فوق الأزقة والشوارع، وتبقى شكاية مستثمر في مجال التأمين خير شاهد على عدم قدرة عامل الإقليم على حماية الملك العام، وجاء محضر لمفوض قضائي ليعاين "وجود حائط حديدي مثبت بالأرضية عن طريق الإسمنت المسلح، وجنباته ملحمة بدعامات حديدية" (جاء) ليشهد على استغلال الملك العام والبناء فوقه دون أن يستطيع ابراهيم أبوزيد، عامل الاقليم سلك القانون وحماية الملك العمومي، بعدما فضل عدد من أعوانه سلك طرق أخرى، واحدة منها جعلت ثلاثة من أعوان السلطة بباشوية المدينة يوضعون رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي في ملف يضم تهم النصب على عدد من الحالمين بفرص شغل. وغابت عملية المراقبة وتفعيل مسطرة إخلاء الملك العمومي من محتليه، ما سبب في انتشار الباعة الجائلين وسد الممرات والشوارع في وجه المواطنين، بينما استمرت السلطة في سلك سياسة "المتفرج" بعدما قدمت استقالتها في تدبير كثير من المجالات. تراجع وإغلاق مصانع لم تعد سطات تجلب المستتمرين والفاعلين الاقتصاديين، وساهم وضعها الحالي، رغم قربها من العاصمة الاقتصادية ومطار محمد الخامس وربطها بالطريق السيار، في مغادرة عدد من المستثمرين لها لأسباب وحدهم أصحاب الرأسمال يعرفونها. ولم تعد لعاصمة الشاوية " جاذبية للرأسمال" على حد تعبير جمال الدين بوقار، رئيس الجمعية المغربية للاستثمار، وتحسر ابن سطات على "الواقع الحالي للاستثمار"، واعتبر أن "الوحدات الصناعية تراجعت بحوالي 40 بالمائة"، بعدما أغلقت مجموعة من الوحدات الصناعية الكبرى مصانعها. ولم يستسغ بوقار، رئيس الجمعية التي من أهم أهدافها "البحث وتشجيع الاستثمار واعطاء قيمة للفرص الاستثمارية"، ما أضحت تعرفه المنطقة الصناعية لسطات بعدما كانت الى وقت قريب تجلب كبريات الشركات العالمية وخلقت فرص عمل كثيرة. وعرفت سطات تراجعا في المجالين الاقتصادي والاستثماري، ولم تعرف اقلاعا "حقيقيا" رغم إحداث بعض المناطق الصناعية الجديدة سواء بشراكة مع مؤسسات حكومية أو باستثمار من القطاع الخاص، اذ تحولت بعضها الى مستودعات للتخزين، واعتبرها جمال الدين بوقار" وحدات بعيدة عن شركات منتجة وقادرة على خلق فرص تشغيل قارة". وعزا بوقار سبب ركود الاستثمار بسطات الى ما اعتبره "غياب الجاذبية ، وضعف البنية التحتية من فنادق وأماكن للترفيه الحقيقي"، وختم رئيس الجمعية المغربية للاستثمار، بوضع ملتمس الى الجهات المسؤولة قصد "إعطاء دفعة حقيقية للاستثمار والبحث عن فاعلين اقتصاديين، مع توفير المناخ الملائم لجعلهم يفضلون سطات على مناطق أخرى". البيئة تستنجد يدرك زائر المدينة منذ الوهلة الأولى أن المجال البيئي في خطر، خصوصا أن معالم البحيرة بدأت في الاندثار رغم صرف ملايين السنتيمات عليها، لكن لم يظهر لها أثر على أرض الواقع، وتزداد الصدمة عندما تبدو للسائقين عملية "سطو" على الملك الغابوي، وتحويل جزء منه، سيما على طول المدخل الرئيسي من جهة البيضاء، الى مقاه احتلت كراسيها مكان الأشجار والنباتات، وحولت الأتربة والنفايات جزءا من المجال الغابوي الى مرتع لرمي بقايا عمليات البناء والأشغال، خصوصا أن الساهرين على شؤون المدينة طيلة السنوات الأخيرة فضلوا هيمنة الإسمنت وانتشار العمران على إحداث حدائق والحفاظ على المجال الغابوي ووضع حد لعملية القضاء على البيئة، ولم ينجو وادي بوموسى، الذي يخترق المدينة من الاهمال، وأضحى جزء كبير منه، خصوصا غير بعيد عن المحطة الطرقية مرتعا للأزبال والنفايات، بعدما صرفت عليه في عهد الوالي محمد علي العظمي مبالغ مالية مهمة لتجنيب المدينة الفيضانات وهيجان وادي بوموسى بعدما يكون محملا بمياه العيون والأمطار خلال فصل الشتاء. "النهيضة" لم تنهض المشاكل التي تتخبط فيها سطات جعلتها مدينة منسية، وأرخت بضلالها حتى على فريق كرة القدم العريق في المدينة، ولم يعد فريق النهضة السطاتية الذي سماها المغفور له محمد الخامس بعد تأسيسه من لدن رجال وطنيين ضدا على فريق المستعمر، (لم يعد) له إشعاع على الصعيد الوطني، واعتبر حسن خوداري، من أبناء المدينة أن "النهضة السطاتية عاشت فترات ذهبية، وفازت بعدة ألقاب ولعبت الى جانب بايرن ميونيخ الألماني، لكن اليوم أفل نجمها". حسرة كبيرة تبدو على ملامح أبناء عاصمة الشاوية حين يسترجعون ذكريات الماضي مع النهضة أو"النهيضة" كما كان يسميها ادريس البصري، سيما مع تدحرجها وتراجعها الى الوراء الى أن أضحت اليوم تلعب في قسم الهواة، بعدما أنجبت طيلة سنوات من الزمن لاعبين كبار مازال أبناء المدينة يتذكرونهم، رغم تعاقب الأجيال، آملين في مستقبل بإمكانه مساعدة النهضة على النهوض واسترجاع أمجاد سجلها التاريخ بمداد من ذهب. الجامعة... وصمة عار لم تعد جامعة الحسن الأول الموجودة بمدخل سطات فضاء للعلم والمعرفة بامتياز، لكنها تحولت خلال السنوات الأخيرة الى مكان يستغل فيه بعض المحسوبين على الأساتذة الطالبات، وتفجرت فضيحة الجنس مقابل النقط، وصل صداها الى ردهات المحاكم وقبة البرلمان، سيما بخصوص ما اعتبره طالب "الحصول على النقطة فوق سرير ملذات الأستاذ". فضائح كثيرة شهدتها جامعة الحسن الأول، وكأنها جاءت في إطار سلسلة تراجع عاصمة الشاوية الى الوراء، بعد أن تفجرت فضائح أخلاقية في رحابها، وأخرى داخل الملحقات الادارية التابعة للباشوية، ما قاد الى إيداع ثلاثة من أعوان السلطة رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي مازالوا قيد التحقيق، بينما حاول مسؤولو التعليم العالي تغيير وجوه المسؤولين لعلها تمحو ما تركه زملاؤهم من فضائح مازالت الأحكام القضائية شاهدة عليها.

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

مدونة الأسرة... اختلالات في التطبيق

حجر في بركة الإرث

مقالات ذات صلة