بودشيش: ماكرون لن يعطينا الدروس

الباحث في علوم الأديان قال إن المغرب بلد التعايش مع اليهود والفتاوى ظلت حبيسة قرون ماضية قال الدكتور منير القادري بودشيش، الباحث في علوم الأديان وأنظمة التفكير، إنه ليس من حق أحد أن يعطينا الدروس، في إشارة إلى تصريح الرئيس الفرنسي، الذي قال إن الإسلام يعيش أزمة، داعيا مسلمي أوربا، خاصة المغاربة، إلى التحلي بقيم التدين المغربي المعتدل، القائم على قيم المحبة وقبول الآخر. ورحب نجل الشيخ جمال الدين بودشيش، شيخ الطريقة البودشيشية، باستئناف العلاقات مع إسرائيل، معتبرا المغاربة واليهود إخوة، داعيا إلى تفعيل الاجتهاد، لأن الفتوى ظلت حبيسة قرون ماضية، كما علق على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. وقال إن الدولة مكنت حزب العدالة والتنمية من شروط النجاح. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عصام الناصيري / تصوير (أحمد جرفي) (موفدا الصباح إلى بركان) < دائما ما نختار المواضيع التي تلائم السياق، وهذا الموضوع جواب عن انتشار ظاهرة القول دون فعل، ونحن في الطريقة نعمل جميعا لتكريس قيم العمل والإخلاص، لأنها تنمي الفرد والمجتمع، ووجب التفكير في هذا السؤال بشكل أناني، فعندما يصلح عمل الأفراد، ينعكس هذا الأمر على المجتمع برمته. < تميزت هذه الدورة بحضور متميز من جميع القارات، من إفريقيا وأوربا وآسيا والصين وغيرها. وبثت أنشطتها على منصات التواصل الاجتماعي أيضا، وهو طقس حافظنا عليه من مرحلة وباء كورونا. نحن نعمل على ما يسمى الدبلوماسية الموازية أو الروحية، ونشتغل في النهج نفسه الذي تسير فيه الدبلوماسية الرسمية، والنهج الذي يتزعمه جلالة الملك، إذ ركزنا على سبيل المثال على نيجيريا، بحكم العلاقات التي تجمعها بالمغرب، ومشروع أنبوب الغاز، عن طريق استدعاء أشخاص مؤثرين في مجتمعاتهم، من قبيل شيوخ الزوايا، إذ زارنا الوفد النيجيري بقيادة الشيخ قريب الله، الذي لديه أزيد من 7 ملايين مريد، واستقبلنا زوارا من الأردن والإمارات وغيرهما، إذ يعتبر الملتقى فرصة للتعرف على خصوصية المغرب، وثقافة الانفتاح والمحبة والكرم المغربي. الإرهاب وراء صعود اليمين المتطرف < هو ليس صعودا من فراغ، لأن التفجيرات الإرهابية التي مست فرنسا وعددا من الدول الأوربية، أعطت نتيجة عكسية على المسلمين، لأنها روجت صورة مفادها أن الإسلام دين الحرب والدم، ما نمى ثقافة الكراهية لدى المواطن الأوربي تجاه الإسلام والمسلمين، وزاد من تلك الحساسية مع الآخر المسلم، خاصة أن هناك تيارات سياسية تشتغل على عدم قبول المسلمين. وأقول إنه ضروري أن يراجع المسلمون أنفسهم في أوربا، ويجب أن يعكس الإسلام الرحمة والأخلاق. < ليس من حق أحد أن يعطي الدروس للمسلمين. وأعتقد أنه يعتبر المسلمين مواطنين فرنسيين، رغم أن أصولهم مغاربية أو إفريقية. ما يهمنا هو أن مغاربة العالم يجب أن يعكسوا طبيعة وحقيقة التدين الذي تربوا عليه في المغرب، والذي يتلخص في الرحمة والمحبة واحترام الآخر. المغرب كان بلد التعايش مع اليهود، وقبلهم وأحبهم، إلى درجة أن اليهودية كانت ترضع المسلم والعكس صحيح، وكانت ألفة وتبادل تجاري، كما أن الرسول مات ودرعه مرهون عند يهودي. الشاب أحيانا تكون لديه أزمة هوياتية، ويريد العودة إلى الدين، لكنه في الغالب لا يفهم هذا الدين، ويسقط في استغلال بعض الأطراف والجماعات، التي تستغله وتغسل دماغه، وتشحنه بأفكار هدامة متطرفة، وبعيدة عن حقيقة الدين، وينسون رسالة النبي التي قال عنها "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، والصوفية يقولون "لاتكره يهوديا ولا نصرانيا، واكره نفسك التي بين جنبيك، فإن أطاعتك أطاعك الكون كله". فرنسا ليست بلاد كفر ولا بلاد إسلام < يجب على المسلمين والمساجد في أوربا أن تنتج خطاب التسامح والجمال والرحمة واحترام الآخر، فمن لا يشترك معي في الدين لا أجعل منه عدوا، ولكن يجب أن نحترم خصوصيته. وهناك مسألة أخرى في هذا السياق، تتعلق بالفتوى، والتي بقيت حبيسة قرون ماضية وحبيسة سياق معين، ونحن في سياق آخر، واجتهد فقهاء للإجابة عن نوازل جديدة، لم ترد في الكتاب والسنة، لهذا يجب أن نتحلى بروح الاجتهاد والاستنباط، حتى نعالجها حسب المناخ والواقع الجديد، ففرنسا حسب اعتقادي ليست بلاد كفر ولا بلاد الإسلام، بل بلد حرية التدين، لأن العلمانية تفرض أنك تمارس الدين في المجال الخاص وليس العام، وحتى في الإسلام لدينا "لا إكراه في الدين"، إذ لا يمكن فرض الإسلام على الآخر. ولهذا لا يجب أن نستند إلى فتاوى قديمة في سياق جديد، يجب على العلماء الذين لهم حق الفتوى، أن يجتهدوا، انطلاقا من إسلام الرحمة، وعلى المسلمين التعامل مع مواطني بلدان الإقامة بالاحترام دون عنف ودون تشدد. نحن ضد فتنة في البلد < من الضروري أن يكون خطاب التصوف القائم على الرحمة والإحسان، حاضرا في التربية والدعوة وخطاب المساجد، إذ أن الثوابت الدينية المغربية يجب أن تكون حاضرة في التأطير والتدين في أوربا، خاصة أن الفقه المالكي هو فقه المصالح المرسلة، وكذلك العقيدة الأشعرية لا تكفر أحدا، فالاختلاف في المذهب والعقيدة ليس سببا لتكفير الآخر، ووجب اعتماد الوسطية في كل شيء، فلا يعقل أن شخصا يعرف بعض الآيات والسور، أن يحكم على الناس ويعتبرهم كافرين، ويقول هذا يدخل الجنة والآخر النار. < هذا سؤال تقني أصولي فقهي. والإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقا، وبالنسبة إلى الفتوى فكما قال جلالة الملك أخيرا "لا أحل حراما ولا أحرم حلالا"، والإفتاء في المغرب لديه منهجية، وهو الرجوع إلى المجلس الأعلى للعلماء، إذ تصدر الفتاوى بإجماع العلماء، إذ تتم مراعاة المصالح المقاصدية والنصوص والتطور الزمني والمكاني، وما فهمته من الخطاب، أنه ستكون بعض التعديلات، التي لا تمس المقاصد الشرعية، وفي الوقت نفسه تخدم المجتمع والمرأة. وبالنسبة إلينا في الزاوية والملتقى، يحضر معنا فيها الجميع، العلماني واللائكي وغيرهما، وهناك حوار الأديان، فنحن ضد الفتنة في البلد، وفي 2011 خرجنا للدفاع عن الدستور، حتى لا ينجرف المغاربة أمام سياسة دولية، سميت الربيع العربي، والتي تبين في النهاية أنها خريف عربي، عاد بالسوء والدمار والخراب على هذه البلدان، ونحن في المغرب بفضل الفطنة وحسن تدبير المرحلة، جاء الدستور الجديد متوازنا، وساهمنا بقول نعم للدستور، والطريقة لا تعمل في السياسة المؤسساتية، عكس الأفراد الذين يمارسون السياسة في حياتهم اليومية، والزاوية تعمل على تأطير الناس وتربيتهم على المساهمة الفعالة في بناء بلدهم وازدهاره. الدولة مكنت "بيجيدي" من شروط النجاح << أفرز سياق ما بعد 2011 موجة من الإسلام السياسي التي وصلت إلى الحكم، غير أنها انتهت سريعا وفشلت حسب الخبراء. هل منحتنا هذه التجربة درسا في عدم إقحام الدين في السياسة؟ < التجربة المغربية متميزة، ولا أعتقد أننا أقحمنا الدين في السياسة، فالحزب لديه أصول ومرجعية دينية، لكن ما لا يمكن هو استعمال الدين للتفوق على الأحزاب الأخرى، أو يستخدم الدين من أجل منفعة سياسية. وأظن أن هذه التجربة المغربية كانت ناجحة، واستطاع الحزب الذي لديه مرجعية دينية كما يقال، أن يصل إلى الحكم ومكنه المغرب من آليات الحكامة، ووفرت له ظروف النجاح، وهنا يظهر تبصر الدولة، التي لم تحرم هذا الحزب من تسيير الشأن العام، إذ سير إلى جانب أحزاب أخرى، وحقق ما تم تحقيقه، والأهم أن هناك حرية في اختيار الحزب بالتصويت، وممارسة السياسة في ظل احترام الثوابت الدينية والوطنية. < بالنسبة إلي الشعب هو ميزان الحرارة، وهو الذي يقيم الأداء الحكومي، والنتائج التي بلغها كل حزب، وصناديق الاقتراع هي التي تحكم، والأهم أن المغرب وصل إلى نضج سياسي معين، لكن بالمقابل نحن نطلب المزيد في كل الميادين، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهذه التجربة رائدة وأعطت نتائجها. الجالية المغربية اليهودية لوبي قوي < يملك المغرب جالية يهودية في إسرائيل، وأراد أن يتعامل معها بطرق رسمية وقانونية وينفتح عليها، ونحن نتحدث عن جالية يتجاوز عددها مليون مواطن، وهي قوة ضغط ولوبي مهم، وعلى المغرب الاشتغال على هذا المعطى، و"يتعاونو معاه وليداتو"، الذين هم يهود من أصول مغربية. الدولة العلوية على مر العقود، سواء مع الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، أو مع جلالة الملك محمد السادس، رعت اليهود واهتمت بهم، واحتضنتهم في فترة النازية، ودافعت عنهم بحكم أنهم مغاربة أبناء الوطن، ورعت حقوقهم أسوة بإخوانهم المغاربة المسلمين. اليوم هذه الجالية أصبح لها وزن في إسرائيل، ولهذا على أبنائها أن يساعدوا المغرب ويعودوا إلى وطنهم، والاستثمار فيه، والمملكة بدورها فتحت أمامهم الباب بطرق قانونية ورسمية. ولا أرى في هذا الأمر تعارضا مع القضية الفلسطينية، لأن جلالة الملك هو رئيس لجنة القدس، والمغاربة يحبون الفلسلطينيين، وهناك مغاربة كثر أصبحوا يزورون القدس، وهناك باب المغاربة، وما يقوم به بيت مال القدس خير دليل على كلامي. وأنا أحبذ مسألة الاهتمام باليهود المغاربة، لأنهم يأتون إلى المغرب، ويزورون أولياءهم في الصويرة ووجدة وغيرهما من المدن، كما أنهم يحبون جلالة الملك، ولديهم صور الأسرة الملكية، ويحافظون على الثقافة والهوية المغربية. وفي الوقت الذي توجد علاقات في العلن للمغرب مع إسرائيل، هناك بعض الدول الإسلامية التي طبعت مع إسرائيل في الخفاء، ومع ذلك تحاول التشويش على علاقات المغرب مع اليهود المغاربة، وكما أشرت، المملكة تتعامل مع أبنائها، وتحمي مصالحها، وعلى رأسها القضية الأولى للوطن، الصحراء المغربية، وللمناسبة فالطريقة تردد أذكارا خاصة بالصحراء المغربية وحفظ الحدود، إضافة إلى الدعاء لأمير المؤمنين والشعب المغربي.

بودشيش: ماكرون لن يعطينا الدروس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مجلس الشيوخ الكولومبي يرفض قرار الرئيس الاعتراف بالجمهورية الوهمية

البرلمان الأوروبي يدعو لمساعدة المغرب في محاربة ميليشيات “البوليساريو”

مقالات ذات صلة