“القابلة”… صمود مهنة في زمن المصحات

شفرة وإناء خاص لتوليد بيضاويات و500 ألف مولود يرون النور بدور الولادة خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل، يصير هم الحامل والمقربين منها، التفكير في مكان الولادة وظروفها، الأمر الذي يدفع العديد من العائلات إلى التوجه إلى المصحات الخاصة، حيث تجد كل ما يحتاج إليه المولود والأم، فيما أخرى تكون مضطرة إلى التوجه إلى المستشفيات العمومية، والتخبط في المشاكل التي تعرفها. أما الفئة الثالثة، فخيارها يكون بعيدا عن المصحات والمستشفيات ، إذ تستعين بخدمات المولدات، أو القابلة التقليدية، إذ مازالت البيضاويات يقصدن القابلة لتساعدنهن على الوضع. 500 ألف مولود جديد سنويا، يرون النور بدور الولادة. وآلاف المواليد يطلقون صرختهم الأولى بمنازل بعيدة عن المستشفيات، إذ يولدون على يد قابلة تقليدية. أرقام لا يمكن الاستهانة بها، تكشف واقع الولادة وظروفها في المغرب. وتدفع إلى تسليط الأضواء على عالم القابلات التقليديات، ونسبة الإقبال عليهن من قبل البيضاويات "بنات المدينة"، رغم أنهن يشتغلن بأدوات تقليدية جدا، إلى جانب رصد الإقبال على عالم دور الولادة وسبب ذلك، وظروف اشتغال "القابلة موضيرن". بيضاويات اخترن القابلة التقليدية في الوقت الذي تسعى فيه وزارة الصحة إلى تحسين خدمات المستشفيات لاستقبال الحوامل، والاهتمام بهن، من أجل تحقيق أهداف مخطط خفض نسبة وفيات الأمهات والرضع، تلجا المئات من البيضاويات إلى أمي تودة للوضع. هؤلاء النسوة اخترن القابلة التقليدية عوض المستشفيات التي تعاني مشاكل كثيرة، والتي يتعرضن فيها للإهمال، على حد تعبير العديد منهن. اخترن طريق القابلة التقليدية، واضعات أنفسهن تحت رحمة خبرتها. "في بعض الأيام أولد حتى 4 نسوة في اليوم الواحد، وفي أيام أخرى لا أستقبل حتى واحدة... والحمد الله، تمر الأمور بسلام ودون مشاكل". وتضيف أمي تودة أن عائلات كثيرة تتجنب الولادة في المستشفيات وتطلب خدمتها نظرا لخبرتها الكبيرة. وأكدت المرأة المزدادة سنة 1938، أن زبناءها من كل فئات المجتمع "للي ما فحالوش كيجي عندي، وللي عندو حتى هو كيجي لعندي"، قبل أن تضيف أن القابلة مازالت تحتفظ بمكانتها في المجتمع، والدليل على ذلك، على حد تعبيرها، عدد الولادات التي تشرف عليها في الأسبوع الواحد، حسب سجل فيه كل عملية ولادة قامت بها، إذ من الممكن أن تصل إلى عشر ولادات أو أكثر "دفتر تسجيل الولادات يؤكد صحة ما أقول، ويمكن لأي شخص أن يطلع عليه، سيما الذين يحاولون القضاء على القابلة التقليدية". واقع المستشفيات المغربية، يدفع العديد من العائلات إلى الاستعانة بخدمات القابلة، هذا ما أكدته إحدى زبونات أمي تودة، مشيرة إلى أنها منذ الأسابيع الأولى لحملها، قصدت القابلة للتأكد من وضعها الصحي "استمررت في مراقبة الحمل إلى أن أحسست بمخاض شديد، فحضرت أمي تودة، وعلى يدها رزقت بابني الأول". وزادت المرأة الموضحة أن أغلب نسوة العائلة وضعن مواليدهن على يد أمي تودة، ولن يفكرن في تغيير وجهتهن، إلا إذا نصحتهن هي بذلك، بعد أن تتأكد من وضعيتهن الصحية ووضعية الجنين، وإن كن يحتجن إلى تدخل جراحي وإجراء عملية قيصرية. التأكد من الوضعية الصحية للحامل قبل الولادة تجلس في إحدى الغرف بمنزلها الكائن بحي المسيرة، أحد الأحياء الشعبية بالبيضاء، تارة تتابع التلفاز، وتارة أخرى تنظر إلى هاتفها المحمول. تقول أمي تودة إنها، في حالة تأهب دائم، مؤكدة أن حقيبتها جاهزة في أي لحظة، لتشد الرحال إلى زبوناتها. بخفة دمها تحكي المرأة عن الحالات التي اضطرت فيها إلى الخروج من منزلها متأخرة. "من الأفضل أن أكشف على الحامل قبل موعد الولادة"، هذا ما اعتبرته أمي تودة شرطا مهما لإنجاح مهمتها، مؤكدة أنه خلال الكشف الأولي يتبين إن كانت الحامل تعاني ما يمكن أن يحول دون وضعها الجنين بشكل طبيعي، إذ في تلك الحالة أنصحها بالتوجه إلى الطبيب أو إلى المستشفى لمتابعة حالتها. هو شرط قد تتنازل عنه في بعض الأحيان "حالات كثيرة ولدت على هذا "السداري" بعد أن فاجأهن المخاض في الوقت الذي يقصدنني لمراقبة حالتهن ووضعية الجنين"، مضيفة أنها تضطر إلى توفير كل المسلتزمات وتشرع في عملها. وعن تلك المستلزمات، أكدت المرأة أنها تحتاج فقط شفرة وإناء خاصا.حفيدة أمي تودة، لم تترك الفرصة تفوتها قبل أن تكشف عن مهارة جدتها، مؤكدة أنها لا تتردد في توجيه الحامل إلى المستشفى إذا كانت حالتها الصحية تستدعي ذلك. وأوضحت الشابة التي وضعت مولودها على يد جدتها أمي تودة، أن زبناء الأخيرة من كل الفئات الاجتماعية "مسؤولون وأغنياء ومثقفون يلجؤون إلى خدمات جدتي، نظرا لتجربتها الكبيرة في هذا الميدان، لكن ذلك، لا يعترف به العديد من الذين يحاولون التخلص من هذه المهنة".بعد حديث حفيدتها عن "الذين يحاولون القضاء على مهنة القابلة التقليدية" حاولت أمي تودة سرد بعض المشاكل التي تعرفها القابلة التقليدية، إذ أكدت أن بعض المسؤولين حاولوا دفعها إلى التوقف عن عملها، فيما آخرون يسعون إلى خلق العراقيل أمام والد الرضيع ويرفضون تسجيله في الحالة المدنية "بعض الحالات وجدت صعوبة في تسجيل الرضع الذين يولدون على يدي، الأمر الذي أجبرني على توقيع التزام، اقر فيه أنني قمت بتوليد فلانة، ومكان وتوقيت الولادة، وجنس المولود". مولدات عصريات عند الحاجة بعيدا عن منزل أمي تودة، لكن بالبيضاء دائما، توجد دار للولادة، صارت وجهة العديد من البيضاويات. بقاعة الانتظار، تجد بعض النسوة، يتبادلن أطراف الحديث. الأولى تتحدث عن حماتها، فيما أخرى تسأل الثالثة عن موعد ولادتها وعن وزن جنينها، فيما الرابعة، تصرخ في وجه ابنها الصغير الذي رفض الجلوس هادئا. نساء ينتظرن أن يصرن أمهات، إما للمرة الأولى أو المرة الثانية والثالثة. حوامل فضلن خدمات دار الولادة على المستشفيات لاعتبارات كثيرة. بجانب قاعة الانتظار، يوجد مكتب المولدة التي تلقبها النسوة ب"الطبيبة". تنتظر دخول زبوناتها لتكشف عليهن، في إطار المراقبة الطبية خلال الحمل التي تشدد عليها وزارة الصحة، من أجل تخفيض نسبة وفيات الأمهات أثناء الوضع والرضع أيضا. وفي الغرفة المقابلة لمكتب المولدة، توجد قاعة الولادة، والتي خصصت لها مساحة صغيرة جدا، وضعت بها بعض الأجهزة الطبية، وسرير صغير. الجهة المقابلة، خصصتها صاحبة دار الولادة للحوامل بعد الوضع، حيث يمكثن 24 ساعة قبل مغادرة "المصحة". في تلك الشقة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 60 مترا مربعا، وضعت المئات من الحوامل مواليدهن، على يد قابلة عصرية، بعد أن حصلت على الرخصة من الأمانة العامة للحكومة. في تلك الشقة تجتمع النسوة ويتحدثن عن مشاكل المستشفيات العمومية، وكيف أن امرأة فقدت مولودها نتيجة الإهمال، وفي الوقت ذاته يسردن أخطاء بعض المولدات العصريات، وكيف اضطرت بعض النسوة إلى التوجه إلى المصحات الخاصة، بعد أن تدهورت حالتهن خلال الوضع. تقول كاتبة المولدة، إنه في حال كانت الحالة الصحية للحامل تتطلب إجراء عملية قيصرية، تنقل الحامل إلى إحدى المصحات الخاصة التي تستدعي طبيبة مختصة لإجراء العملية "يفضل أن تكشف المولدة على الحامل قبل موعد الولادة، لتجنب المشاكل"، على حد تعبير الكاتبة، التي أضافت أن المولدة تفرض على الحامل إجراء بعض التحاليل الضرورية خلال عملية تتبع الحمل. 27 إجراء لتخفيض نسبة وفيات الأمهات وضعت وزارة الصحة 27 إجراء لخفض نسبة وفيات الأمهات، إذ تسعى إلى خفض النسبة من 112 حالة وفاة إلى 50 لكل 100 ألف ولادة حية، وخفض نسبة وفيات الرضع الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، من 30 إلى 20 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية،وكذاتقليص وفيات المواليد من 19 إلى 12 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية. وتهم هذه الإجراءات الحراسة في جميع أقسام الولادة التابعة للمستشفيات الإقليمية والجهوية وكذلك بدور الولادة، وإقرار تداريب على مستوى المستشفيات العمومية لمدة ستة أشهر داخل مقر تكوين الأطباء المقيمين في تخصص طب النساء والتوليد، وطب الأطفال، فضلا عن إنجاز الدورة الثانية لتدقيق دور الولادة والعمل على اعتماد جودتها، وتنظيم مسابقة الجودة سنويا لمستشفيات الولادة، الأمر. وتعمل الوزارة أيضا، على دعم القيادة الجهوية للبرنامج وذلك بصياغة وتنفيذ برنامج عمل جهوي لتحقيق الأهداف المتوخاة من البرنامج، مع تكليف المصالح اللامركزية لإجراء تدقيق للمراكز الصحية المتوفرة على وحدة للتوليد، قصد التأكد من مطابقتها للمعايير المحددة وذلك كل سنتين، فضلا عن تدابير أخرى. ومن بين تلك الإجراءات توسيع المجانية لتشمل ليس فقط الولادة الطبيعية، والعمليات القيصرية، بل كذلك العلاجات التي تهم المضاعفات الخاصة بالحمل، والولادة، وفترة ما بعد الولادة، كما تم اعتماد المجانية بالنسبة إلى الفحوصات المخبرية من أجل تتبع حالات النساء الحوامل، فضلا عن إقرارها بالنسبة إلى الترحيل الصحي بين المؤسسات الصحية. بالإضافة إلى ذلك تم دعم وحدات الإسعاف الطبي من أجل إنقاذ النساء الحوامل لتشمل 20 موقعا جديدا بالمناطق النائية، والتي تعرف تغطية صحية أقل، إذ تم تكوين الفرق الصحية والمتطوعين لهذا الغرض. تودة: كنت مجبرة على توليد جارتي بابتسامتها الرقيقة، وبحديثها الشيق، تتذكر أمي تودة الماضي، وتعود بذاكرتها إلى اللحظة التي وجدت نفسها مضطرة إلى توليد جارتها. تسرد تفاصيل ذلك اليوم، وكيف استطاعت إقناع زوجها بالخروج من منزلها لمساعدة جارتها التي باغتها المخاض في ليلة باردة، إلى أن وجدت نفسها "قابلة" بعد أن رفضت "قابلات" المنطقة توليد جارتها، بسبب خوفهن من أن تفارق الحياة لنحافتها الشديدة. تقول أمي تودة إنها بعد ساعات من انتظار "القابلة" التي ستولد جارتها، وبعد أن اشتد المخاض عليها، شمرت على ساعديها، وقررت خوض مغامرة "التوليد"، ودخول عالم "القابلات " مجبرة لا مخيرة. تنفست أمي تودة الصعداء، وجاءت بلوازم الولادة، وشرعت في إنقاذ المرأة والجنين "لم تكن الولادة عسيرة، أحمد الله، كان الحظ إلى جانبي وتمكنت من توليد المرأة في دقائق معدودات" ، مستعينة بما شاهدته خلال وجودها بأحد المستشفيات، حيث وضعت مولودتها الأولى "مكثت بالمستشفى عدة أسابيع، بعدما طلب مني الأطباء ذلك، من أجل التأكد من صحة المولودة، وخلال تلك الفترة حضرت ولادة العديد من النسوة، وفي الكثير من الأحيان كنت أساعد الممرضات في تحضير الحوامل... استفدت من كل ذلك في اللحظة التي كنت أولد فيها جارتي". تقول أمي تودة إنها، منذ ذلك اليوم، قررت توليد الحوامل "في سبيل الله"، سيما أن زوجها لم يعبر عن رفضه لذلك، وسمح لها بالخروج من المنزل والتوجه إلى منزل الحامل، في أي وقت "صرت من قابلات الحي، ألبي رغبات الحوامل، وأولدهن وأعود إلى منزلي، واستمررت على هذا النهج لسنوات.. ومازلت إلى اليوم... ". إنجاز: إيمان رضيف

“القابلة”… صمود مهنة في زمن المصحات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فضيل: ظروف عمل القابلة العصرية لا تمكن من ضمان ولادة آمنة

اعتقـال مـروج للمخدرات بالمحمدية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات