اكتظاظ ونفايات وحافلات معطلة ومسؤولون في دار غفلون الجديدة تغرق... زوار ومصطافون يبيتون في الحدائق والسيارات وبحر يضيق رغم رحابته. بعض التدوينات سجلت بأسى، مرارة سكان الجديدة وتبرمهم مما يحدث لها من هجوم كاسح للأزبال والنفايات ولا مبالاة مسؤوليها، الذين رفعوا راية الاستسلام، مؤكدين عجزهم التام عن تدبير وتسيير مدينة، يرتفع عدد سكانها خلال فترة الصيف خمس مرات. إنجاز: أحمد ذو الرشاد (الجديدة) أشار بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى الوضع الذي تعيشه الجديدة خلال غشت الجاري، من خلال تدوينات عميقة الدلالات مثل: "الجديدة توجد بالمغرب، والمغرب يوجد بالجديدة" في دلالة بليغة على أن سكان المدن الأخرى حطوا الرحال بالجملة بعاصمة دكالة. وتقول تدوينة أخرى، "البحر بالجديدة ونحن محرومون منه"، في إشارة إلى الاكتظاظ الذي تعرفه شواطئ المدينة. "سماسرة" في كل مكان في كل مداخل المدينة، تطالعك أفواج من النساء والرجال وحتى الأطفال حاملين في أياديهم مفاتيح يلوحون بها في وجه زوار المدينة، عارضين عليهم بيوتا وشققا وغرفا للكراء. لم تشهد الجديدة زوارا مثل هذه السنة لعدة اعتبارات، من أهمها حرمان المغاربة عامة من ولوج الشواطئ لسنتين متتاليتين وارتفاع درجة الحرارة خلال عشرين يوما تقريبا. الأحياء والدروب والحارات والشوارع والأزقة والحدائق، ممتلئة بالمصطافين، والفنادق والرياضات والإقامات السكنية والأحياء الشعبية محجوزة، وسعر الليلة الواحدة تضاعف مرتين وثلاثا. يقول محمد رب أسرة قادم من خريبكة، "وجدنا صعوبة بالغة في إيجاد شقة تتكون من غرفتين ومطبخ بسعر لم نكن نضع له حسابا، سعر أثر على الميزانية التي خصصناها لعطلتنا، اتفقنا مع الوسيط على 600 درهم لليلة الواحدة، علما أنه فرض علينا 40 درهما لليلة واجب وساطته". وأضاف أن "ارتفاع الأسعار جعلنا نقلص من عدد الأيام التي اتفقت عليها مع الزوجة والأطفال قبل خروجنا من مدينتنا". ومن اللافت للنظر أن "السماسرة" أصبحوا يفرضون شروطهم على الزبائن، إذ يتوفرون على مفاتيح وعناوين لشقق وغرف، وكلما كان المكان قريبا من البحر كلما ارتفعت السومة الكرائية وواجب التدخل والوساطة. احتج العديد من أصحاب الشقق والغرف على الابتزاز الذي يفرضه هؤلاء الوسطاء والسماسرة "الشناقة" عليهم، وأكدت خديجة صاحبة منزل بحي الصفا، أنها وجدت صعوبة في التعاقد مع بعض الزبائن لأنها حوصرت من قبل السماسرة الذين يكونون شبكة منظمة. نفايات متراكمة من أهم نتائج توافد الزوار والسياح بكثرة على الجديدة، ارتفاع حجم النفايات والأزبال التي تلقى وترمى كل يوم في الحاويات وقربها، إذ تظل وتبيت هناك ليلة أو ليلتين حسب برنامج وخريطة تجميعها التي وضعتها الشركة المكلفة بتدبير النفايات. ولاحظت "الصباح" في جولتها بأسواق المدينة، تراكم أكوام من النفايات المنزلية أمام العمارات والأسواق اليومية، خاصة سوق للا زهراء وسوق المدينة القديمة قرب مسجد بلحمدونية، وفي مدارات الشوارع الكبرى. وسجل عدد من المهتمين لا مبالاة المجلس الجماعي والشركة التابعة له. وانتقد أحد زوار المدينة هذه الحالة المتردية التي تعيشها الجديدة، وصرح ل "الصباح" قائلا: "فقدت الجديدة كثيرا من مميزاتها، ورونقها وجمال أزقتها وشوارعها ولم تعد تلك المدينة الفاتنة التي تعرفنا عليها في سبعينات القرن الماضي". واستغرب وضع حاويات لتجميع النفايات في مدارة لأهم الشوارع، والتي تفرض على مستعمليها التوقف كرها لاستنشاق روائح الحاويات قبل استئناف سيرهم. وبسطت نجوى منديب، مسؤولة عن خلية مراقبة التدبير المفوض بالجديدة، عدة إكراهات منها، رمي بقايا نفايات الأكشاك والمطاعم والمقاهي ليلا في الشوارع، ورمي الأتربة الناتجة عن إصلاح المنازل والمحلات التجارية دون احترام الضوابط والتدابير المفروضة من قبل الشركة المسؤولة عن التدبير المفوض. ودعت السكان والمواطنين وأرباب المقاهي والمطاعم وجمعيات المجتمع المدني إلى تكثيف الجهود للمساهمة في التغلب على الإكراهات الموضوعية التي تواجه العاملين بقطاع النظافة. ودعت المجلس الجماعي إلى فرض قرارات رادعة للمخالفين وإجبار الشرطة الإدارية على الخروج إلى الشوارع لضبط المخالفات وردع المخالفين. المحطة الطرقية... جدل كبير رافق قرار تحويل أو تبديل مقر المحطة الطرقية القديمة بالجديدة جدل كبير، بسبب تضارب التصريحات وردود فعل المتدخلين من مستفيد ومجلس إدارة المحطة والمجلس الجماعي وعمالة الإقليم. واتفق المجلس مع مستثمر على تفويت بقعة مساحتها أربعة هكتارات، كانت مخصصة لإحداث محطة طرقية بمواصفات حديثة، مقابل إحداث محطة طرقية قرب محطة القطار، على نفقته على وعاء عقاري تقدر مساحته ب 1.6 هكتار، تضم رصيفا لحافلات نقل المسافرين وموقفا لسيارات الأجرة وآخر للزوار وفضاءات للانتظار والاستقبال وفضاء لمصالح إدارية وتجارية ومقهى وفندقا ومرافق أخرى. وتصدى عدد من المستشارين المعارضين والمواطنين لقرار تفويت البقعة الأرضية، التي تصل مساحتها إلى أربعة هكتارات، حصل عليها المجلس الجماعي في إطار نزع الملكية لإحداث مشروع ذي منفعة عامة، تقدر قيمته المالية في حوالي 15 مليار سنتم. واحتج أصحاب الحافلات وسيارات الأجرة على القرار القاضي بنقلهم إلى المحطة الطرقية التي لا زالت لم تفتح أبوابها لتأخر أشغال الصيانة الخاصة ببعض مرافقها من جهة وتأخر أشغال إعادة تهيئة الشارعين المؤديين إليها من جهة ثانية وفتح الشارع المؤدي إلى طريق مراكش، من جهة ثالثة. وقرر هؤلاء عدم الانضباط للقرار نفسه، لانعدام شروط العمل ولبعد المحطة عن وسط المدينة، وهو ما سيكلف المواطنين مصاريف إضافية نتيجة نقلهم إلى المحطة ذاتها، كما سيؤثر سلبا على مدخول الحافلات وسيارات الأجرة، لأن المسافرين سيفضلون استعمال القطار. حافلات مهترئة يعاني سكان الجديدة وزوارها تراجع خدمات النقل الحضري بسبب انتهاء مدة صلاحية العديد من الحافلات وعدم تجديد الأسطول طبقا لدفتر التحملات المتفق عليه مع المجلس الجماعي، وارتفاع حجم الطلب بعد انفتاح المدينة على محيطها بضم العديد من الدواوير المحيطة بالمدينة إلى المدار الحضري. وساهمت حالة تراجع الأسطول الخاص بالنقل الحضري واندثار أغلب حافلاته في ازدياد حالة السخط والتذمر والاحتجاج، وأدت إلى ردة فعل العديد من السكان الذين تصدر عنهم بعض أعمال التخريب التي تنزل على كاهل الحافلات على علاتها. وكثيرا ما نلاحظ حافلة متوقفة هنا أو هناك بسبب الأعطاب وغياب الصيانة، بل إن العديد منها اندلعت بها النيران وهي مملوءة بالركاب. وقبل إنجاز هذا الربورتاج، توقفت حافلة عن السير أمام المحطة الطرقية وسط شارع محمد الخامس وساهمت في عرقلة حركة المرور. وأما وضعية سيارات الأجرة فأمرها محير، إذ تؤثث الشوارع والأزقة وترفض نقل شخصين معا من مكان واحد كما ترفض التوجه إلى أماكن معينة بدعوى أنها ليست في الاتجاه الذي تسير فيه. ويفرض سائقو سيارات الأجرة تسعيرات على مزاجهم علما أنهم رفضوا تطبيق العداد. وانتقد العديد من السكان سكوت القسم الاقتصادي التابع لعمالة الإقليم الذي يغض الطرف ويسكت عن تجاوزات كثيرة، فلا يعقل، يقول (أحمد.و) قادم من البيضاء أن يقبل أي واحد بفرض 20 درهما على كل راكب لنقله من محطة القطار. ألف حفرة وحفرة تدهورت البنية التحتية لأغلب شوارع وأزقة المدينة، إذ لا يخلو أي منها من الحفر العميقة والمتوسطة والبسيطة، إلى درجة أن المواطنين أصبحوا يتندرون بها مما دفعهم إلى وصفها بمدينة "ألف حفرة وحفرة". ولم تفد الانتقادات اللاذعة والاحتجاجات والوقفات الكثيرة والمناقشات العميقة أحيانا والعقيمة أحيانا داخل المجلس الجماعي، في شيء، بل أقصى ما قام به هو تخصيص 400 مليون سنتيم لترقيع الشوارع المتضررة، لم تكف لردم الحفر بشارع واحد. وخصص المجلس ذاته خلال إحدى دوراته ميزانية مهمة لإعادة هيكلة أربعة شوارع، وهي شارع المسيرة الخضراء وشارع عثمان بن عفان وشارع عبد الكريم الخطيب، كما تقرر فتح شارع جديد يربط المحطة الطرقية بشارع طريق مراكش. وانطلقت الأشغال بها منذ أكثر من أربعة أشهر وتوقفت عدة مرات ولا زالت لم تنته بعد، علما أن هذه الأشغال تزامنت مع توافد العديد من الزوار والسياح على الجديدة، إذ أصبحت عملية المرور من هذه الشوارع صعبة وتزيد من الاكتظاظ ونشوب النزاعات والشجارات بين أصحاب السيارات. ولم يستسغ بعض السكان والزوار طريقة إعادة إصلاح هذه الشوارع، إذ تم تقليص عرضها مقابل توسيع الممر الفاصل بين الاتجاهين، مع غياب أمكنة خاصة بركن السيارات، وتكبير المدارات، التي تبين أصلا عدم صلاحيتها بالمدن، والإجهاز على الأشجار الوارفة الظلال وتعويضها بالنخيل. أثمنة صاروخية "الهجوم الكاسح على كل شيء، لم نعد نجد لا الخضر ولا الفواكه، البطاطس والجزر بـ 6 دراهم و"السلاوي" 18 درهما والفلفل والباذنجان والخيار والطماطم حدث ولا حرج، الدجاج بلغ 20 درهما والأسماك ممنوعة على الفقراء". بهذه الكلمات تحدث المعلم محمد من سكان حي البركاوي حين ملاقاته لـ "الصباح"، معبرا عن تبرمه وضيقه من الوضع الذي تعيشه الجديدة خلال غشت الجاري جراء تدفق كم هائل من الزوار بسبب ارتفاع درجة الحرارة بالمدن الداخلية. يواجه القادم إلى الجديدة موجة ارتفاع الأسعار بداية من تذكرة الحافلة وسيارات الأجرة التي زيد فيها دون أي موجب قانون، وما يكاد يحط الرحال بالمحطة الطرقية، بحثا عن مكان يستريح به حتى يحاط بجحافل من السماسرة كل واحد يجذبه من جهة، بغية الانفراد به لعرض مسكن عليه لقضاء جزء من عطلته السنوية. ارتفعت أسعار كراء الشقق والغرف وحتى دور الضيافة والفنادق، كما ارتفعت أسعار المأكولات والخضر والفواكه. وفي تصريح لامرأة قادمة من مراكش، أكدت أن هذه السنة استثنائية لم تعش مثلها وهي التي اعتادت على زيارة الجديدة كل سنة، إذ لم تعد قادرة على تلبية متطلبات بناتها وأبنائها جراء ارتفاع الأسعار. ولم تسلم المطاعم والمقاهي وأكشاك الأكلات الخفيفة من لهيب الأسعار، إذ اكتوى الزبائن منها. وبرر أصحابها والعاملون بها سبب ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، منها الزيت واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض وغيرها من المواد التي تدخل في جل الوصفات المقدمة.