دراسة في القانون : قراءة في الفصل 305 من مدونة الحقوق العينية (2/2)

القضاء ينهج النهج القديم ولا يفرق بين نوعين من التعرض الخلط الملاحظ في التعرض، يتجلى على مستوى الفهم والتمييز بين تعرض مصدره الفصلان 24 و 29 من القانون العقاري والفصول الأخرى المتعلقة بشروط وواجبات التعرض وكيفية البت فيها رضائيا أو قضائيا، وتعرض مفروض، أمر به المشرع وألزم الشفيع قبل أن يقدم العرض والإيداع والدعوى أن تكون له صفة متعرض وإلا رفضت دعواه. يتضح من خلال هذا القرار و من الاجتهادات الأخرى أن دعوى الشفعة لا يطبق عليها الفصل 13 من مدونة الحقوق العينية لأن هذه الدعوى لا ترمي إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني بل تهدف إلى استرجاع حقوق مشاعة أو بعبارة أخرى نزعها من مشتريها و منحها إلى المالكين المقيدين على الشياع ( الشفعاء ). موقف القضاء تجنبا لهذا السيف الذي لا يرحم، وفي انتظار انتباه القضاء وحتى المشرع لهذا الاقتراح الذي هو بمثابة فكرة صائبة تتجلى في مناعة الشفعة من مبدأ التطهير، على الشفيع أن يتعرض بطلبه للشفعة لدى المحافظ العقاري، وابتداء من تدوين تعرضه يصبح في حماية من التطهير العقاري، كما جاء في قرار محكمة النقض عدد 141 المؤرخ في 07/10/01 ملف مدني عدد 1-3607-2005-1 (غير منشور):«طلب الشفعة في عقار في طور التحفيظ يمارس بالضرورة في شكل تعرض على مطلب التحفيظ ولا يستلزم من الشفيع بعد ذلك سلك المسطرة العادية لاستصدار حكم بذلك. وأن تاريخ تقييد التعرض أمام المحافظ يعتبر ممارسة قانونية للمطالبة بالشفعة وأن القرار المطعون فيه حين قضى بحق الشفعة لموروث المطلوبين إنما ربط ذلك بأداء الشفيع الثمن والصوائر بعد أداء المشفوع منه اليمين على أن ظاهر الثمن كباطنه».أو في القرار عدد 4647 الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 9 دجنبر 2010 في الملف المدني عدد 1070/1/4/2009 المتعلق بعقار في طور التحفيظ وإجراءات ضمان حق الشفيع من مبدأ التطهير.لا أدري كيف يمكن اللجوء للفصل 84 في غياب عقود أو أحكام تسمح بالاحتفاظ بالحق المطالب به. الاستنتاج من موضوع الشفعة هو أن القضاء ما زال ينهج النهج القديم نفسه ولا يفرق بين التعرض المرتبط بمطلب التحفيظ وبين التعرض من أجل الشفعة، الذي نص عليه المشرع في الفصل 305 من مدونة الحقوق العينية والذي يبقى مجرد إشارة أو علامة أو تنبيه يهم المحافظ العقاري دون غيره. لأنه هو وحده الذي يؤسس الرسوم العقارية لمطالب التحفيظ ويحرم الشفيع من حقه في ممارسة الشفعة بعد هذا التأسيس الذي يبطل ما عداه من الحقوق الغير معلن عنها. ولو أن الاجتهاد القضائي قبل دخول قانون مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق كان يستثني من مبدأ التطهير حالة استحقاق الشفعة معتبرا أن الإيداعات طبقا للفصلين 83 و84 لا يعتد بها في ممارسة الشفعة وأن العبرة بالتقييد لا بالإيداع بمطلب التحفيظ. (قرار محكمة النقض عدد 1540 والمؤرخ في 6/4/2008 ملف مدني عدد 2489/1/4/2008 ) الذي يعتبر أن التضمين بمطلب التحفيظ هو مجرد بيان مرتبط بمصير مسطرة التحفيظ سلبا أو إيجابا و ليس تسجيلا أو تقييدا بمفهوم الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري. الشفعة لا يطولها التطهير موقفي من هذين القرارين يمشي في الاتجاه نفسه، لأن كل ما هو مصدره قاعدة قانونية لا تأثير لها على مصير مطلب التحفيظ بحيث لا تطبق في حقها مقتضيات الفصول 24 و25 و27 و29 و32 من (ظ.ت.ع)، يجب ألا يطالها التطهير كحق الشفعة والقسمة مثلا، خلافا للتصرفات الأخرى كالبيع وغيره الذي مصدره الإرادة. بعبارة أخرى يجب التفكير في خصوصيات الشفعة والقسمة والقول بحكم أن الفصل 24 من القانون العقاري لا يطبق عليهما كمطلب تحفيظ والفصل 85 من القانون نفسه، كتقييد احتياطي في شقه المتعلق بالمطالبة بحق، ذلك أن المنازعة والادعاء غير موجودين، ولذلك لا داعي لاستعمال السيف القاتل والقاطع لرؤوس بريئة لا حول ولا قوة لها مشهرا الفصلين 1 و62 من القانون نفسه. في هذا الباب، أرى أنه من اللازم أن ينتبه المشرع لهذا الضرر، وأن يسمح مستقبلا للمحافظ العقاري بتأسيس رسم عقاري لمطلب التحفيظ بعد استكمال جميع الإجراءات وفي نفس الوقت تحويل إيداع «التعرض الخاص» إلى تقييد احتياطي ولو أن الشفيع في غنى عنه اعتبارا لما ذكر أعلاه.لا منطق يوجد في غياب تعرضات ضمنها الفصل 24 المذكور أعلاه من ألا يتم تطبيق الفصل 30 من ظهير التحفيظ العقاري ولو في حالة وجود تعرض من أجل الشفعة. أهمية معرفة الجانب التطبيقي والدليل القاطع على أن التعرض من أجل الشفعة يختلف عن التعرض العادي وأن دعواها تبقى دعوة منفصلة ومستقلة عن دعوى التعرض العادي الذي لا يبت فيه القضاء، إلا بعد إحالة ملف المطلب إليه هو هذا المثل:بتاريخ 03/02/2014 تم فتح مطلب التحفيظ في اسم طالبيه، وبتاريخ 05/02/2014 تم بيع حقوق مشاعة لفائدة الغير من طرف أحد الشركاء بمقتضى محرر رسمي، وبتاريخ 07/02/2014 تم إيداع هذا العقد طبقا للفصل 84 من ظهير 12/08/1913، وبتاريخ 10/02/2014 تم تبليغ طالبي التحفيظ شخصيا نسخة من المحرر الرسمي من طرف المشتري، وبتاريخ 18/02/2014 تم تدوين تعرض من أجل الشفعة بمطلب التحفيظ من طرف طالبي التحفيظ. وبتاريخ 19/02/2014 تم نشر خلاصة مطلب التحفيظ بالجريدة الرسمية، وبتاريخ 28/02/2014 تم الخروج إلى المكان من أجل إنجاز التحديد المؤقت الذي كان سلبيا. وبتاريخ 14/02/2014 تم تقديم دعوى في الموضوع من قبل الشفعاء لدى المحكمة الابتدائية من أجل ممارسة حق الشفعة بعد الحصول على الإذن من قبل رئيس المحكمة بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا والتي تم إيداعها في صندوق المحكمة بتاريخ 13/02/2014 (الفصل 306 من مدونة الحقوق العينية) وبذلك يكون الشفعاء قد قاموا بكل هذه الإجراءات داخل الأجل القانوني تجنبا لإسقاط حقهم في الشفعة.نحن هنا أمام مؤسستين مختلفتين تخصصا وإجراء.بالنسبة للمحافظة العقارية : مطلب التحفيظ لم يحدد بعد وينتظره الكثير من الإجراءات من تحديد مؤقت وتحديد نهائي ومن إشهار بالجريدة الرسمية عن انتهاء التحديد وآجال من أجل التعرض. معناه أن المحافظ العقاري لا يمكنه بأي حال من الأحوال إرسال ملف المطلب إلى المحكمة الابتدائية من أجل البت في الشفعة، لا أقول التعرض، إلا بعد أن يتم إنجاز كل ما ذكر أعلاه وقد يستغرق الأمر شهورا إن لم نقل سنوات.بالنسبة إلى المحكمة الابتدائية، يوجد بين يديها ملف فيه مقال يرمي إلى استحقاق الشفعة مشفوع بما يفيد العرض والإيداع بصندوق المحكمة وبشهادة عقارية مسلمة من قبل المحافظ العقاري تثبت تدوين التعرض من أجل الشفعة وبنسخ من عقود البيع ومستندات الشفيع.ما العمل إذن، هل من المنصف انتظار انتهاء الآجال القانونية للتعرض وإرسال مطلب التحفيظ من قبل المحافظ إلى المحكمة الابتدائية لضمه لملف الشفعاء؟وقد ينتظرون شهورا وأعواما لكي يصل ملف المطلب إلى كتابة الضبط وقد لا يصل لسبب من الأسباب. فهل من الإنصاف ألا تقبل الدعوى من قبل القاضي المختص في غياب ملف المطلب؟. الخلاصة يجب التمييز بين تعرض (على) مطلب (الفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري) وبين تعرض بمطلب التحفيظ (305 من قانون مدونة الحقوق العينية). تعرض «على» عقار في طور التحفيظ ليس هو التعرض بمطلب التحفيظ. كلمة «على» معناها وجود منازعة تؤثر على ملكية العقار كلا أو جزءا وبذلك يجعل مصير مطلب التحفيظ من باب المجهول ويستحيل معرفة من له الحق فيه أو عليه. أما التعرض الثاني المضمن بمطلب التحفيظ فلا يهدف للغاية نفسها بمعنى أن حرف «ب» معناه حماية، إشارة بالمطلب انتباه على وجود دعوى من أجل الشفعة وعلى المحافظ العقاري الأخذ بها وعدم تجاهلها. وكلمة تعرض الشفيع بمطلب التحفيظ لو وجد لها المشرع صيغة أخرى غير التعرض للجأ إليها والمقصود من كلمة تعرض بمطلب التحفيظ هو إيداع طبقا للفصل 84 وربما يسأل السائل لماذا لم يشر المشرع للفصل 84 صراحة. بالفعل يستحيل اللجوء إلى هذا الفصل في حالة التعرض من أجل الشفعة، لأنه يقتضي إيداع عقود أو ما يثبت وجود الحق، لا مجرد طلب، وكل من له تجربة في ميدان التحفيظ العقاري يعلم جيدا أن حتى الإيداعات طبقا للفصل 84 تدون بسجل المتعرضات بمعنى أن سجل المتعرضات يضم في الأصل المتعرضات والإيداعات. ما يستنتج من كل ما ذكر أعلاه، هو أنه لا يمكن ربط مصير التعرض من أجل الشفعة بمصير مطلب التحفيظ. لا علاقة للشفعة بإجراءات التحفيظ ولا يمكن أن يؤثر مطلب التحفيظ على حق الشفعة. فالشفعة لها قواعدها الخاصة، وعلى القضاء البت فيها كلما توصل بدعوى ترمي إلى ممارسة حق الشفعة داخل الآجال المحددة قانونا مشفوعة بكل الوثائق اللازمة، وإلا كل من أراد إفراغ حق الشفعة من محتواه وكان الأمر يتعلق بمطلب التحفيظ عليه، أن يشتري حقوقا مشاعة كلما تبين له أن أجل التعرضات، قد انتهى وأن مطلب التحفيظ مثقل بتعرضات عادية معروضة على أنظار القضاء. بقلم: الأستاذ مبارك أسباغي ,محافظ ممتاز سابقا على الملكية العقارية

دراسة في القانون : قراءة في الفصل 305 من مدونة الحقوق العينية (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرميد يتفقد محاكم بني ملال

مهرجان فاس للثقافة الصوفية يحتفي بابن عربي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات