دراسة في القانون : ثبوت الزوجية بين الحكم القضائي والإشهاد العدلي

الدولة أبعدت العدول عن إضفاء الشرعية على الميثاق الغليظ شرعا وقانونا لقد كانت مدونة الأسرة موفقة عندما أشارت إلى هذه الغايات والأهداف النبيلة المبتغاة من وراء هذا الارتباط المتين بين الرجل والمرأة حين نصت في مادتها الرابعة، أن الزواج ميثاق تراض وترابط بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة التي يكتسيها عقد الزواج والآثار العديدة المترتبة عليه فإنه حفاظا على هذا العقد لابد من الإشهاد عليه، من قبل شاهدين عدلين اللذين لهما الحق دون غيرهما في الاختصاص في توثيق هذا العقد توثيقا رسميا. إذا كان المشرع نظم عقد الزواج تنظيما دقيقا بمقتضى القانون رقم 70.03 واعتبر الكتابة هي الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج حفاظا على الحقوق والبيانات التي يتضمنها، وقد منح طبقا للمادة 16 من قانون مدونة الأسرة للذين تربطهم علاقة زواج وتعذر عليهم إبرام عقد الزواج في إبانه لأسباب وظروف قاهرة حالت دون ذلك ومنح لهم فترة زمنية انتقالية مدتها خمس سنوات ابتداء من دخول المدونة حيز التنفيذ لتصحيح وضعيتهم وذلك بسماع دعوى الزوجية أمام جميع المحاكم المغربية .وقد كان تاريخ ابتداء دخول المدونة حيز التنفيذ هو 05/02/2004 على أساس أن ينتهي العمل بالفترة المحددة بتاريخ 04/02/2009.وذلك بمقتضى دعوى تبت فيها محكمة الموضوع بعد البحث عن الظروف والقرائن المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية بين الطرفين المقدمين لدعوى الزوجية أمام المحكمة التي تعتمد على جميع وسائل الإثبات بما فيها : الاستماع إلى الشهود وقد كان الهدف من وراء هذا التحديد للمدة هو الحد من الوضعية التي يعيشها بعض الأطراف الذين تربطهم علاقة زواج غير موثق في إبانه أمام شاهدي عدل والذي تنجم عنه مشاكل عديدة والحث أيضا على إبرام عقد الزواج في إبانه . لقد بذلت الدولة مشكورة جهودا جبارة بواسطة قضاتها الأفاضل لاستصدار أحكام ثبوت الزوجية عبر أقاليم المملكة. إلا أنها قامت بإبعاد العدول عن أمر يعتبر من صميم عملهم ومهامهم ألا وهو إضفاء الشرعية من أوسع أبوابها على ذلك الميثاق الغليظ شرعا وقانونا.فالاشهاد على إيقاع الطلاق منصوص عليه والزواج ومن ثم الزوجية من باب أولى وأحرى، فحكم الشيء حكم نظيره كما هو مقرر في كتب أصول الفقه. وما زلنا نتساءل عن سبب ذلك الإقصاء ومنع العدول من تلقي شهادة ثبوت الزوجية كما كان الحال في السابق. من جهتنا لا نرى ضيرا بتاتا في إسناد ثبوت الزوجية للعدول، خاصة إذا كان مرفوقا بإذن صادر عن القاضي المكلف بالتوثيق وذلك بعد الإدلاء بكل الوثائق والمستندات اللازمة والقيام بجميع التحريات الواجبة لإبرام عقد ثبوت الزوجية كالمسطرة المتبعة حاليا في عقود الزواج سواء بسواء.وهذا ما أكده وانتصر له المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض لاحقا، حين ذهب إلى أن إثبات الزوجية بين الطرفين لا يتم إلا بلفيف يتكون من اثني عشر شاهدا أمام عدلين.وهذا في تقديرنا هو الصواب، لما فيه من التخفيف من الضغط المتزايد على القضاة ولا يخفى على أحد أعباء القضاء، مما يؤدي إلى فك الازدحام والاكتظاظ في ردهات محاكم المملكة، وبذلك نساهم بقسط وافر في رفع المشقة على المواطن الذي اعتاد على التعامل مع العدول مباشرة في عقود البيع والشراء والوكالة والملكية وغيرها، فكيف يحال بينه وبين العدول في الإشهاد على أقدس عقد لأغلظ ميثاق؟.ونتمكن من تشجيع المواطن أيضا على الإسراع لتسوية وضعه في الأحوال الشخصية والعدول هم المهيؤون أكثر من غيرهم للتصدي لمثل هذه القضايا تحت إشراف قضائي مسؤول.والمحاكم عندما اكتفت في إثبات العلاقة الزوجية بين الطرفين على مجرد تصريحات ثلاثة شهود غير عدول، تكون قد حكمت على نفسها بنقض قراراتها لخرقها القواعد المقررة كما توصل لذلك بعض الباحثين بحق في موضوع النقاش، والعملية برمتها تهدف إلى مد يد العون للأزواج الذين لم يتمكنوا من توثيق عقد الزوجية أيا كانت الأسباب ونعتقد أن أيسر سبيل إلى تحقيق المبتغى بأقل التكاليف هو تكليف العدول بمباشرة مهامهم حماية للأطفال بإثبات نسبهم لآبائهم من جهة ولضمان مستقبلهم بأخذ نصيبهم في التمدرس والصحة و سائر مستلزمات الحياة من جهة أخرى .وذلك كله بعد تمهيد الطريق بالإذن الصادر من فضيلة قاضي التوثيق. ثم إن المواطن بعد حصوله على الحكم بثبوت زوجيته يلح على العدلين بأن يشهدا عليه استكمالا للتيمن وإضفاء لمزيد من البركة على أهم وأشرف وثيقة يحتفظ بها لنفسه ولزوجته على الرغم من أن الحكم المذكور لا يحتاج إلى إشهاد عدلي قياسا على ( الحكم بالتطليق لا يحتاج إلى الاشهاد به أمام العدلين ولا إلى تحرير رسم به ولا يتوقف على لجوء المرأة المحكوم بتطليقها إلى العدلين للإشهاد بأنها تطلق نفسها حتى تبتدئ عدتها، فالمرأة المحكوم بتطليقها تبتدئ عدتها من تاريخ الحكم بالتطليق ) كما جاء في القرار 673 الصادر عن المجلس الأعلى سابقا و محكمة النقض حاليا .ومن المعلوم أن مما جرى به العمل في سفارات وقنصليات المملكة المغربية والقنصليات الأجنبية عبر العالم، أنها تحث المهاجرين على الإدلاء برسوم عدلية كالإشهاد والبينونة وإسناد الحضانة وغيرها من العقود وذلك لما تتميز به الوثيقة العدلية من جودة عالية وما تحظى به من ثقة مطلقة في تبليغ البيانات التي تتعلق بالإنسان في شتى أحواله الحياتية خارج الوطن.أما داخل الوطن، فالأمر سيان. وثبوت الزوجية أول العقود على الإطلاق نظرا لأهميتها في الوقت الراهن بالاشهاد العدلي بعد الإذن القضائي جمعا بين الاتجاهين في تناغم وتكامل كبيرين.وفي الختام ألا يحق لنا بعد كل هذه المعطيات أن نتساءل مرة أخرى، أليست خطة العدالة على رأس المهن المساعدة للقضاء بغية القضاء النهائي على معضلة توثيق عقود الزوجية المستفحل يوما بعد يوم، فلا أقل من رد الأمور إلى نصابها والأمانات إلى أهلها.بقلم: ذ. عمر علمي, عدل موثق باستئنافية سطات

دراسة في القانون : ثبوت الزوجية بين الحكم القضائي والإشهاد العدلي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نقابة "بيجيدي" تتهم الرميد بالتبجح

صرخة شامة في مسرح محمد الخامس اليوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات