دراسة في القانون : احتجاج حامل الشيك وحقه في الرجوع الصرفي (3/4)

موقع شهادة رفض الوفاء ضمن منظومة الشيك غامض ويحتاج إلى تدخل تشريعي قد يتعرض حامل الشيك عند تقديمه للشيك للأداء لخيبة أمل كبيرة، عندما يواجه من قبل البنك المسحوب عليه برفض الوفاء، حيث يكون في هذه الحالة، مبدئيا، مخيرا بين سلوك إجراءات دعويين اثنين، إما الدعوى العمومية من خلال تقديم شكاية في مواجهة الساحب من أجل عدم توفير مؤونة شيك طبقا لمقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة أمام المحكمة الابتدائية العادية (الزجرية) ، وإما الرجوع الصرفي على الساحب والموقعين على الشيك في إطار الدعوى الصرفية طبقا لمقتضيات المادة 283 من مدونة التجارة أمام المحكمة التجارية. يجب الإقرار أن المشرع رغم تدخله الحازم في تقرير مسألة تسليم شهادة رفض الوفاء لحامل الشيك غير الموفى، فإنه لم يخص هذه الشهادة بوظيفة معينة ضمن نظام الرجوع لعدم الوفاء، كما فعل بشأن الاحتجاج لما اعتبره حسب مفهوم المادتين 283 و299 من مدونة التجارة الإجراء الوحيد الكفيل من جهة بإثبات واقعة الامتناع عن الوفاء، ومن جهة أخرى بضمان حق الحامل في الرجوع الصرفي. وذلك رغم ما يستنتج من مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 309 من م ت، كون شهادة رفض الوفاء تفيد في إثبات واقعة الامتناع عن الوفاء، باعتبار أن البنك المسحوب عليه لا يكون ملزما بتسليم شهادة رفض الوفاء إلا عند امتناعه عن الوفاء بالشيك المقدم إليه، إلا أنه رغم هذا المضمون لا يكون لشهادة رفض الوفاء من الناحية الصرفية أي أثر، طالما أنها لا تحتل نفس الموقع المخول للاحتجاج، هذا الأخير الذي تنص بشأنه المادة 299 من مدونة التجارة على ما يلي:«لا إجراء من طرف حامل الشيك يغني عن الاحتجاج .....»وبالتالي فإن موقع شهادة رفض الوفاء ضمن منظومة الشيك، خصوصا نظام الرجوع لعدم الوفاء يبقى غامضا، ويحتاج إلى تدخل تشريعي واضح في هذا الصدد. وليس هناك أبلغ مما عبر عنه أستاذنا الدكتور أحمد شكري السباعي بهذا الخصوص معبرا عن امتعاضه من موقف المشرع المغربي المتردد كما يلي:«يبقى التساؤل الجوهري وهو ما الفائدة من هذه الشهادة قائما؟ أيمكن أن يستعاض بها في دعوى الرجوع الصرفية عن محضر احتجاج أو ابروتستو عدم الوفاء (المادة 283 و 284) لأنها أقل إرهاقا وإجراءات، فلا تتطلب وقتا طويلا ولا مصاريف إضافية ولا توجيه إعلامات les avis ولا ترتبط بأجل يترتب عنه سقوط حق الرجوع او غيره، وليت المشرع صرح بذلك، ولكن سكوته يفرغ هذه الشهادة من كل أهمية في دعوى الرجوع أو المقاضاة الصرفية، ويبعدها عن مسطرتها، ويجعل المسطرة الوحيدة التي ينبغي اتباعها هي مسطرة محضر احتجاج أو ابروتستو عدم الوفاء protêt تحت طائلة سقوط دعوى الرجوع او المقاضاة الصرفية للإهمال أي الذي يجعل من الحامل حاملا مهملا porteur nègligent يفقد حق الرجوع la déchéance على المظهرين والساحب والضامنين الاحتياطيين وباقي الملتزمين». فما هي يا ترى الدواعي والأسانيد التي يمكن سوقها للبرهنة على ضرورة تدخل المشرع لإعطاء شهادة رفض الوفاء مكانتها الصرفية إلى جانب الاحتجاج في إثبات واقعة الامتناع عن الوفاء والرجوع الصرفي ؟ب- دواعي وأسانيد حلول شهادة رفض الوفاء كبديل ممكن للاحتجاج بغض النظر عن المصلحة التي يمكن أن يجلبها اعتماد المشرع لشهادة رفض الوفاء كبديل عملي لإجراء الاحتجاج، نظرا لسرعة الحصول عليه بدون مصاريف إضافية ولا توجيه إعلامات وعدم ارتباطه بأجل يترتب عنه سقوط حق الرجوع أو غيره ، يمكن سوق أسباب وأسانيد أخرى:أولا: موقف المشرع الفرنسي من شهادة رفض الوفاء إن شهادة رفض الوفاء في التشريع الفرنسي، وإن كانت لا تلغي نظام الاحتجاج التقليدي وإجراءاته الثقيلة والمرهقة التي لا مفر من إنجازها لكي يكون الحامل غير مهمل، فإن ما يترتب عنها من آثار ونتائج يجعلها بديلا للاحتجاج في فرنسا أو يستعاض بها عنه لتحقيق الوفاء، خاصة بالنسبة للحملة والمستفيدين من غير التجار وحملة الشيكات ذات القيم أو المبالغ الزهيدة الذين لا قبل لهم بالإجراءات المعقدة للاحتجاج والتي قد لا تكون مألوفة وروتينية إلا بالنسبة للتجار .فبناء على المرسوم الفرنسي رقم 92-755 ل31 يوليوز 1992، لا تمنح هذه الشهادة في فرنسا إلا بعد مضي أجل التسوية (الإخلال بالوفاء) المحدد في ثلاثين يوما، يبتدئ من تاريخ أول تقديم فإن لم يقع الوفاء داخل هذا الأجل، أو لم يقع تكوين المؤونة وجب على المسحوب عليه إعداد شهادة رفض الوفاء بناء على طلب الحامل، وان يقوم بتسليمها له داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التقديم . ويقوم الحامل بعد الحصول على هذه الشهادة بتقديمها إلى العون القضائي الذي يوقعها ويتولى تبليغها إلى الساحب في شكل أمر بالوفاء .فإن لم يقم الساحب بالوفاء بقيمة الشيك والمصاريف التي تكبدها الحامل نتيجة هذا الرفض داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ، فإن العون القضائي يصدر دون إجراءات أخرى أو مصاريف أمرا تنفيذيا أو سندا تنفيذيا يخول للحامل إجراء حجز على أموال وممتلكات الساحب المنقولة والعقارية.وهكذا يلاحظ من خلال موقف المشرع الفرنسي أعلاه، أن شهادة رفض الوفاء تحتل في فرنسا مكانة مهمة في نظام الرجوع لعدم الوفاء وتتمتع بقوة تنفيذية (على غرار الاحتجاج في مدونة التجارة- 303 من م ت) بمجرد التأشير عليها من طرف العون القضائي، يستطيع حامل الشيك غير الموفى بمقتضاها ممارسة سائر الحجوز على الأموال والممتلكات العقارية والمنقولة للمدين الصرفي . وهو الأمر الذي تفتقر إليه مدونة التجارة بشأن تنظيمها لشهادة رفض الوفاء.ثانيا:موقف التشريعات المقارنة من تنظيم مسألة إثبات واقعة الامتناع عن الوفاءيلاحظ على موقف التشريعات المقارنة عموما بشأن تنظيمها لمسألة إثبات واقعة رفض المسحوب عليه الوفاء اتسامها بنوع من المرونة، على خلاف موقف التشريع المغربي (المتشدد نسبيا) الذي أخذ بالاحتجاج كإجراء وحيد لإثبات ما ذكر، ذلك أنها في معظمها خصوصا التشريعات العربية أخذت بأكثر من وسيلة في مجال إثبات واقعة رفض وفاء الشيك، تيسيرا منها على الحامل في ممارسة حقه في الرجوع الصرفي، ونذكر منها على سبيل الاستدلال ما يلي:- قانون التجارة المصري رقم 17/1999، والذي نص في المادة 518/1 منه على ما يلي:« لحامل الشيك الرجوع على الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين به إذا قدمه خلال ميعاد التقديم ولم تدفع قيمته وأثبت الامتناع عن الدفع باحتجاج. ويجوز عوضا عن الاحتجاج إثبات الامتناع عن الدفع وسببه ببيان يصدر من المسحوب عليه مع ذكر وقت تقديم الشيك. ويكون البيان مؤرخا ومكتوبا على الشيك نفسه ومذيلا بتوقيع من أصدره ويجوز أن يصدر هذا البيان على نموذج خاص أو من غرفة مقاصة على أن يذكر فيه أن الشيك قدم في الميعاد ولم تدفع قيمته». - قانون التجارة اللبناني، الذي ينص في المادة 436 منه على ما يلي:«يحق لحامل السند أن يداعي المظهرين والساحب وغيرهم من الموجب عليهم إذا لم يوف الشيك الذي عرض عليه في الوقت المناسب وإذا كان الامتناع عن الايفاء مثبتا:1 - إما بوثيقة رسمية (الاحتجاج).2 - وإما بتصريح من المسحوب عليه مكتوب ومؤرخ على الشيك ومبين فيه يوم العرض».- القانون التجاري اليمني ، الذي نص في المادة 562 منه على ما يلي:«لحامل الشيك الرجوع على الساحب أو المظهرين وغيرهم من الملتزمين به إذا قدمه في الميعاد القانوني ولم تدفع قيمته واثبت الامتناع عن الدفع (باعتراض بروتستو): ويجوز عوضا عن الاعتراض إثبات الامتناع عن الدفع: أ) ببيان صادر من المسحوب عليه مع ذكر يوم تقديمه الشيك .ب) ببيان صادر عن غرفة مقاصة يذكر فيه أن الشيك قد قدم في الميعاد القانوني ولم تدفع قيمته. ويجب أن يكون البيان مؤرخا ومكتوبا على الشيك ذاته ومذيلا بتوقيع من صدر منه ولا يجوز الامتناع عن وضع هذا البيان على الشيك إذا طلب حامله ذلك، ولو كان الشيك يتضمن شرط الرجوع بلا مصروفات وإنما يجوز للملتزم بوصفه طلب مهلة لا تجاوز يوم العمل التالي لتقديم الشيك ولو قدم في اليوم الأخير من ميعاد التقديم».* باحث في القانون الخاص «صف الدكتوراه الوطنية»

دراسة في القانون : احتجاج حامل الشيك وحقه في الرجوع الصرفي (3/4)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جنايات فاس تطوي فضيحة "لاراديم"

الـصـويـحـب يـواصـل رحـلـتـه مـع الـخـور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات