امجيد… رحيل عراب التنس

الرجل المتعدد باغته الموت بعد أن عانده من أجل حياة الآخرين يوم قائظ. يترجل محمد امجيد، بتثاقل، عن مقعده بالمنصة الشرفية لنادي التنس بمكناس بعد انتهاء نهاية دوري «شالنج». يتكئ على عكازته، متوجها إلى الـ«بوديوم» لتتويج بطل الدورة الفرنسي الشاب «جيل مونفيس»، البطل العالمي حاليا، وبجانبه حسن أوريد، والي جهة مكناس تافيلالت ومسؤولو الجامعة والمنظمون ، يسيرون وسط أجواء احتفالية بنجاح دورة جديدة من دوري بدأ يحفر مكانه إلى جانب دوري جائزة الحسن الثاني.في الممر بين المنصة والـ«بوديوم»، يتسلم الرئيس السابق لجامعة التنس كأس الدوري، ويقترب أكثر لتسليمه إلى البطل. فجأة، يرن هاتفه المحمول. يتطلع إلى الرقم المتصل، وبخفة، يسلم الكأس إلى حسن أوريد، ويسلم عكازته إلى شخص بجانبه، ينزوي في ركن، ثم شرع في حديث طويل مع امرأة تبين من خلال كلامه معها أنها مواطنة من حي عشوائي تجد صعوبة في إيجاد شقة تؤويها مع صغارها.هكذا محمد امجيد الذي يمكن، في لحظة، أن يدوس على العالم برمته، ويكسر البروتوكولات والمتاريس لتلبية نداء من معوز، أو دفع مظلمة عن مشتك، أو تلبية طلب عاجل لمريض يجد صعوبة في الولوج إلى العلاج، أو عاطل متعسر في عمل، أو أسرة تعيش في العراء بعد أن طردها صاحب الملك، أو شباب حي يتطلعون إلى دفعة صغيرة لوضعهم على سكة مشروع تنموي، أو ذي أريحية لا يعرف بالضبط أين يضع إحسانه.لم يبخل امجيد على أحد، ولم يرد رجاء لطالب، ولم يغلق باب إقامته في وجه أحد ولم يضع هاتفه في وضعية «عدم اشتغال». ظل يصرخ حين يتطلب الأمر شحذ طبقات الصوت لإحقاق حق (ولو تعلق الأمر بإدريس البصري القوي في حينه)، وكان يلين، حين يتأكد أن الأمور تسير كما ينبغي لها بلا جور، أو اعتداء على حق، أو دوس لكرامة. لم يبلع هذا الفاسي المزداد ذات يوم بمنطقة ولاد جامع بآسفي، لسانه منذ كان بحارا صغيرا يتعلم أبجديات النضال والمقاومة في بدايات الحماية الفرنسية. ولم يضع طقوس لياقة لكلامه، الذي كان يطلقه خاما وصادقا ومسترسلا مثل رشاش فيتنامي. كان يعتقد أن أقرب طريق إلى الإصلاح، قول الحقيقة عارية كما هي، بلا ماكياج أو عمليات تجميل، أو لعب «فوتوشوب».ظل امجيد يعتقد، طيلة حياته التي شارفت على قرن، أن التغيير بالقلب هو أحط درجات الإيمان، لذلك ظل يفضل لسانه ويده في إنجاز عدد من المبادرات، موظفا شبكات علاقته الواسعة مع المسؤولين السياسيين والأحزاب والنقابات والجامعات والرياضيين وأصحاب القرار الجهوي والمركزي، كان يعرف كيف يفك رموزها في الوقت المناسب لفائدة العاطلين وشباب الجمعيات والإطارات الرياضية والمهمشين والمقصيين في المدن والقرى والجبال وأطفال الشوارع والأمهات العازبات، إذ ظل امجيد رئيسا شرفيا متوجا لكل هذه المبادرات لأكثر من أربعة عقود. عاش امجيد الحياة بطولها وعرضها وحقق ما لم يحققه غيره في السياسة والرياضة والسلطة، ولم يستسلم يوما للمرض، أو ضبط ممددا على سرير في مصحة لأكثر من يومين، حتى باغته القدر في ساعات فجر أمس (الخميس)، ومازال لسانه يلهج بأحلام سيحققها في سنوات عافيته المقبلة. استنشق امجيد رائحة السردين مع بحارة آسفي، ومارس لعبة التخفي مع البوليس السري الذي طارده مثل فأر في دروب مراكش والرباط والدار البيضاء وبني ملال وسلط عليه قناصا كاد يودي بحياته لولا القدر، كما عاش تجربة مريرة مع حرفيي الصناعة التقليدية، وأكل الخبز الحافي مع الفلاحين والعمال ومعلمي القرى والمداشر، وجلس طالبا بكوليج مولاي يوسف بالرباط إلى جانب المهدي بنبركة، وجرب دروب النضال والمقاومة، وتسلم أول مضرب تنس من محمد بنجلون، مؤسس الوداد البيضاوي والرئيس السابق للجنة الأولمبية الوطنية، وحين سمع نداء خدمة الوطن، لم يتردد في ارتداء لباس السلطة، إذ عين باشا لمدينة لمدة قــــصيرة.رحل امجيد وفي نفسه كثير من التنس الذي كان يحلم أن يعممه على قرى ودواوير ويضع في يد كل طفل مضربا حتى تصير اللعبة الأكثر شعبية في المغرب. غادرنا، بعد جهاد طويل مع مرض هزمه بـ"طايك بريك"، ومازال يحلم بمدن دون صفيح، وأحياء بكرامة أشبه بالتنمية المستدامة، وقوى بكهرباء ومعابر وماء للشاربين.مات امجيد وفي نفسه وجه وطن لا خدوش فيه أو "سيكاتريسات". مات أمجيد، ولن تموت سيرة رجل عاند المرض من أجل حياة الآخرين. يوسف الساكت

امجيد… رحيل عراب التنس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حرمان أندية من منحها لاستخلاص الديون

أزمة بين مجلس حقوق الإنسان والبرلمان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات