الهيني: نشر الأحكام من الحقوق العامة

يرى محمد الهيني، مستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط وعضو بجمعية عدالة، أن نشر الحكم من الحقوق العامة للمواطنين ولا يعتبر ملكا للقاضي ولا للمحكمة، ونشره يندرج في إطار الحق في المعلومة، ولا يتوقف على حكم قضائي، وهكذا اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط بمقتضى حكمها المبدئي رقم 2769 الصادر بتاريخ 25-7-2013 "أن طلب نشر الحكم يندرج في إطار الحق في المعلومة المكرس في الفصل 27 من الدستور ، ولا يتوقف على أمر قضائي، لأنه من الحقوق العامة باعتباره آلية للرقابة الشعبية على العمل القضائي، ومصدرا للثقة في عمل القضاة وتقويمه لضمان الأمن القانوني والقضائي". ومن تم حسب عضو جمعية عدالة فإن نقد الأحكام وتقييمها فرض عين على الفقهاء والقضاة والمحامين، والحقوقيين والمجتمع المدني ، قائلا "لا نخاف من النقد والتقييم الموضوعي والعلمي الجاد للمقررات القضائية، لأنه وسيلة لتعزيز الرقابة الذاتية للقاضي والرقابة الخارجية على العمل القضائي وتقويمه وإرساء الشفافية والمسؤولية والمحاسبة،ولإضفاء الثقة في عمل القضاة وتشجيع الممارسات الجيدة في أداء العدالة بوجه عام، وتكريس الاحترافية والمهنية العالية والأمن القانوني والقضائي".ويعتبر الهيني أن الخوف نابع من فقدان الثقة في الأداء القضائي، حتى عند بعض القضاة، لذلك يجب أن "يحارب التخوف في داخلنا قبل ظاهرنا بتقديم عمل يليق بالقضاء ورجاله، ونثق في أنفسنا ونبادر إلى تعليل الأحكام بشكل جيد ونشرها من تلقاء أنفسنا، قبل أن يفرض علينا،لأن جودة التعليل وسيلة لإقناع الخصوم والرأي العام بصحة وعدالة الحكم"، فالتعليل حسبه يحمل على الإقناع والاقتناع وضمان حق الدفاع والحد من السلطة التقديرية للمحكمة ومغالاتها، ويضمن توحيد الحلول القضائية، مما يجنبها كل تعسف وارتجال، ويعزز الرقابة القضائية على أسباب وحيثيات الأحكام.ولم يخف المستشار بإدارية الرباط أهمية أن القضاء يصير قويا بتصحيح عيوبه بشكل علمي وسليم لأن الرقابة على العمل القضائي مسؤولية المجتمع المدني، والقضاء ليس شأنا خاصا بالقضاة ، فهو شأن مجتمعي، لأن المستهدف الأول والأخير هو المواطن المستهلك للخدمة القضائية، ومن تم فهو لا يرى مبررا للتخوف من التقييم العلمي والموضوعي الذي يمارسه المختصون بمن فيهم القضاة، "فالنقد والتقييم يفيدان القاضي وينفعان المتقاضي ويدفعان للاجتهاد والتنافس وتكريس منظومة التكوين والمحاسبة ولم لا التخليق". مشيرا إلى أن أكثر ما يضر القضاء هو وجود عقلية محافظة لا تؤمن بالمقاربة التشاركية والتخصصية لعلم ومنهج تقييم العمل القضائي ، فليس القاضي فوق المحاسبة وفوق المجتمع، فالعمل القضائي يحتاج رقابة داخلية وخارجية موازية لإضفاء الشفافية والجودة على المنتوج القضائي، "لأننا فعلا نعيش أزمة تكوين ولنقلها بصراحة أزمة انتشار الأمية في أجهزة العدالة كافة ،ولعل المطلع على قرارات محكمة النقض يفاجأ بنقض قرارات قضائية ضعيفة الجودة، إن لم تكن منعدمة أصلا فالقاضي ليس خبير الخبراء. القاضي مهمته هي قول القانون، ناهيك عن مذكرات دفاعية وتقارير خبرة تفتقر لأبسط أدوات التحليل القانوني السليم".واستغرب الهيني من غياب فكر البحث العلمي عند المنتقدين لفكرة نشر الأحكام ،فليس هناك أي نص قانوني يسمح بنشر فقط الأحكام النهائية، لأن قيمة الحكم لا تقرن بالجهة المصدرة له، وإنما بالمبادئ المكرسة له أيما كانت الجهة الصادر عنها ودرجتها في النظام القضائي ، فضلا عن أن الدراسة العلمية المجردة والموضوعية للأحكام لا تقوم بديلا عن طرق الطعن ، وليس من شأنها التأثير على مسار الحكم القضائي، لأنها تبقى تعليقات فقهية غير ملزمة، ولا أثر قانونيا لها أمام المحكمة سوى أنها رأي لتفسير نص قانوني، كما أن التعليق على الأحكام لا يعتبر مسألة جديدة، لأنها قديمة قدم القانون والقضاء، ووجودها ملازم لنشأتهما وتطورهما وأزمتهما، لكن ما أثار الانتباه إليها والانتقادات غير الوجيهة الموجهة لها هو ربطها غير السليم بمحاربة الفساد والتشهير به، والتخوف من الانتقائية في عرض الأحكام والتعليق عليها والاقتصار على الممارسات القضائية السلبية، بما يخدش هيبة القضاء وكرامة القضاة، لكن كل هذه الأمور يمكن القفز عليها بسياج ومنظور علمي صرف لا يرهن الدراسة بأهداف سياسية ولا بنزعات شخصية ولا بتمثلاث وأفكار سطحية جاهزة، لأن القضاء علم وصناعة لا يتقن دقائقه إلا مهرة الفقهاء والقضاة والمحامون والحقوقيون،فليس المطلوب من دراسة نشر الأحكام إقامة محاكم تفتيش للقضاة ، وإنما محاكمة لظروف اشتغال القضاة وجميع أجهزة العدالة، بل ومحاكمة للقانون ذاته في عمليته التطبيقية وفي تنزيلاته التي لا تقتصر على القاضي وإنما تمتد جذورها ومساحة المقاربة فيها والتحليل والدراسة إلى المشرع والدفاع وكاتب الضبط والخبير والمفوض القضائي ومستهلكي الخدمات القضائية والمجتمع المدني والصحافة، فالحكم نتاج مسار طويل ومعقد يستهدف حماية الحقوق والحريات وصون الأمن القانوني والقضائي، برقابة قضائية ناجعة ورقابة مجتمعية واعية .

الهيني: نشر الأحكام من الحقوق العامة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نشر الأحكام دون انتقائية تفعيل للحق في المعلومة

الخضراوي: لا أحد ينكر أعطاب أسرة العدالة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات