الأفرنة التقليدية بين المنافسة وحلم تأهيل القطاع

مهنيون يتخبطون في مشاكل تؤثر على جودة المنتوج ويعتبرون أن الخبز فقد هيبته «ما تقيش خبزي» شعار حملته إحدى جمعيات المجتمع المدني في وقفة احتجاجية نظمتها لحث الحكومة على رفض مقترح أرباب المخابز العصرية المتعلق بالزيادة في سعر الخبز. الشعار ذاته ترفعه العديد من الأسر التي ترفض الزيادة في سعر مادة حيوية، استطاعت إشعال فتيل الاحتجاجات في 1981 ، خلفت العشرات من الشهداء. في ظل الحديث عن اختفاء الخبز من الأسواق، والزيادة في سعره، تطفو على السطح مشاكل أصحاب الأفرنة التقليدية التي تزود السوق ب100 مليون خبزة يوميا، باعتبار أن هذا القطاع التابع لوزارة الصناعة التقليدية، غير مهيكل، ويحتاج إلى تأهيل. منذ 65 سنة، ظل فرن تقليدي ببورنازيل بالبيضاء، أحد الأحياء الشعبية للمدينة الاقتصادية، في خدمة سكان المنطقة الذين يأتونه ب»لاطاتهم» الكبيرة، ويحرصون على أن «يطيبو مزيان». وقبل سنوات، صار الفرن ذاته يعد الخبز ويبيعه جاهزا، بعد أن أضحى الإقبال على هذه المادة كبيرا، نتيجة تخلي العديد من الأسر عن «خبز الدار». لكن، صاحب هذا المحل، ومثل المئات من المحلات المنتشرة بالعاصمة الاقتصادية، سيما بالأحياء الشعبية، يعاني مشاكل بالجملة، تعيق تقدمه، وربما تؤثر على الجودة سلعته. «الفورص» يرهق المهنيين مازال هذا الفرن التقليدي يحتفظ بلمسته الخاصة. «لاطات» على رفوف حديدية مطلية بالأسود، وأخرى وضعت على الأرض. و»حزمة» من الحطب تؤثت الجانب الآخر للمكان. شابان في مقتبل العمر، مسمران أمام 3 أفرنة، حرارتها تجاوزت 300 درجة. ملابسهما الخفيفة، والعرق الذي يتصبب منهما، كفيلان بأن يرسما وضعهما بالقرب من هاته الأفرنة الكبيرة، والتي تعد مصدر رزقهما. الأول يهتم بخبز الزبناء «خبز الدار»، فيما الثاني يتكلف بالخبز المعد للبيع. كل شخص في هذا المكان مكلف بعمل، لا مجال للخطأ. شاب يهتم برمي الحطب في الفرن ليحتفظ بحرارته الملائمة ، وآخر يرمي الخبز داخله، فيما الآخر مكلف بعجنه... شباب قبلوا بالأمر الواقع ليتخبطوا في المشاكل التي تعيشها الأفرنة التقليدية، سيما أن بعضهم يعيل أسرا.في غرفة صغيرة، خصصها، الحاج مصطفى معرافت، صاحب الفرن التقليدي، لعجن الخبز، أكياس كثيرة بأحجام مختلفة وضعت على يمين بابها، فيما الجهة المقابلة، وضعت بها «العجانة»، الآلة التي تتكلف بدلك العجين. 100 كيلوغرام من «الفورص»، و2.5 كيلوغرام من الخميرة، و4 كيلوغرامات من السكر، تكفي لتوفير خبز يباع بدرهم للخبزة الواحدة. لكن المشكل الذي يطرح نفسه بقوة. جودة الدقيق الذي يستعمل للحصول على تلك الخبزة، إذ يقول الحاج مصطفى إن المهني يشتري الدقيق اللين «الفورص»، من المحلات التجارية، وتختلف جودته من علامة إلى أخرى، ومن محل إلى آخر «نضطر إلى استعمال خبرتنا لشراء الدقيق، وفي حال إذا لم تساعدنا، نكون أمام خسارة كبيرة». ومن جانبه، كشف عبد اللطيف معتصم، رئيس جمعية أرباب الأفرنة والمخابز التقليدية، مشاكل المهنيين المتعلقة بالدقيق، مؤكدا أن القطاع الذي ينتج 100 مليون خبزة يوميا، لا يتلقى المساعدة من الجهات الوصية عليه من أجل تأهيله وتأطيره. وأضاف معتصم أن المهنيين يقتنون «الفورص» بثمن مرتفع، وغالبا من الباعة بالتقسيط، الأمر الذي يجعلهم عرضة لاستغلال المضاربين «أرباب الأفرنة التقليدية يستهلكون كميات كبيرة من إنتاج المطاحن». وأشار المتحدث ذاته إلى أن المشكل الذي يواجه المهنيين يتجلى أساسا في عدم توفر ممول قار يراعي عملهم ومجهوداتهم وإمكانياتهم الضعيفة، علما أن أغلب المهنيين لا يتوفرون على رأس مال مهم لاقتناء كميات كبيرة من «الفورص»، كما أن المخازن التي لا يتوفرون عليها تحول دون ذلك. هاجس توفير الحطب يقابله انتشار أفرنة «البوتان» أمام واجهة الفرن التقليدي، وضعت، بشكل عشوائي، بعض القطع الخشبية التي من المنتظر أن تتحول، في ما بعد إلى حطب. داخل المكان، وضعت قطع أخرى، متناثرة في الأرجاء، يحاول العاملون بالفرن، ترتيبها، إلا أن محاولتهم، غالبا ما تفشل. يعد اقتناء الحطب، من بين المشاكل التي يعرفها مهنيو الأفرنة التقليدية بالبيضاء، إذ أنهم يجدون صعوبة كبيرة في توفيره «لا نستطيع الاقتراب من المحلات الكبرى التي تعرض الحطب، باعتبار أنها تبيعه بأثمنة باهظة لا نقوى على توفيرها». ويضيف الحاج مصطفى صاحب المحل، أنهم يكتفون ببقايا النجارة والخشب المستعمل في الأثاث «نشتري الخشب من أشخاص يوفرونه لنا بأثمنة مناسبة». وأكد المتحدث ذاته أن الكيلوغرام الواحد ب0.80 سنتيما، علما أن الخبزة الواحدة تكلف 0.80 سنتيم. ومن جانبه، اقترح رئيس الجمعية إيجاد حلول عوض الخشب، إذ أكد أنه على الجهات المسؤولة وضع خطط من أجل النهوض بالقطاع، وتوفير أفرنة كهربائية للأفرنة التقليدية، مثلا «تستطيع الحكومة مساعدتنا على تجاوز مشكلنا مع الحطب، إذ بإمكانها مساندتنا وتخفيض أسعار الكهرباء لاستعمال الفرن». وفي ظل الحديث عن الحطب، وعن المطالبة بالبحث عن الحلول البديلة، نجد أن بعض الأفرنة التقليدية استغنت عن الخشب وعوضته بأفرنة تشتغل بغاز البوتان. عشرات هذه الأفرنة أخذت مكانها في أزقة البيضاء، واستطاعت كسب زبناء أوفياء يبحثون عن كل ما يمكن أن يذكرهم في أكلات «الدار»، و»حداكة نساء زمان». «خبز الدار أصبح يباع في الشارع «، هذا ما تتصوره العديد من الأسر، معتبرة أنها وجدت «الهمزة» التي من المستحيل أن تتخلى عنها، لكن في المقابل، نجد أصواتا ترفض انتشار هذه الأفرنة، وتطالب بوضع حد لها، معتبرة أن التقنية المستعملة لطهي الخبز، يمكن أن تهدد صحة الزبناء. «يعرف القطاع تنافسية كبيرة ومضايقات من قبل المخابز العصرية، وبعض الأفرنة التي تطلق على نفسها اسم «حوانت خبز الدار»، إذ تعمل بالبوطاغاز». وأضاف رئيس الجمعية أن تلك الأفرنة، تتكاثر بشكل كبير، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام، والتساؤل عن الجهات التي تسمح لها بذلك. ولم يخف معتصم مضاعفات هذه التقنية الجديدة، مؤكدا أن غاز البوتان يمكن أن يتسرب إلى العجين، وبذلك يهدد حياة الزبناء «كما أن هذه الطريقة لطهي الخبز تعد غير مهنية، مسترسلا «درجة حرارة الفرن التقليدي تصل 300 درجة، فيما فرن البوطا غاز لا يتعدى 120 درجة، فكيف يمكن أن نحصل على نتيجة مرضية بهذه الدرجة المنخفضة؟»، مطالبا بتدخل السلطات من أجل وقف انتشار تلك الأفرنة، ووقف تهديد صحة الزبناء. إيمان رضيف

الأفرنة التقليدية بين المنافسة وحلم تأهيل القطاع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هيآت مدنية ونقابات تطالب بإصلاح طريق الجرف الأصفر ومصور راسو

انتحار فقيه بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

انتحار فقيه بمراكش 