فوضى “أفغانستان” في قلب البيضاء

الباعة الجائلون يستأسدون بمنطقة الحي الحسني والسلطات تتفرج إذا كنت من عشاق السفر إلى الدول النامية، فلا تفكر في زيارة أفغانستان، إذ يكفي زيارة شارع يحمل اسم الدولة نفسها في الحي الحسني بالبيضاء، لتكتشف أوجه التشابه الكثيرة، التي تغنيك عن صرف مبالغ مالية في النقل والمبيت. يحمل الشارع اسم "أفغانستان"، ويقع في قلب منطقة الحي الحسني، ولا علاقة للمنطقة بالتمدن، فأينما وليت وجهك تجد باعة جائلين للملابس والخضر والفواكه، وأحيانا بيع متلاشيات وأشياء غريبة تصدم الزائر وتدفعه للتفكير في مغادرة المكان، حتى لا يتيه في عالم الباعة الجائلين أو تعجز سيارته عن التحرك لاختناق حركة السير، فالفوضى سيدة المكان. الشارع أشبه بسوق أسبوعي في قلب العاصمة الاقتصادية، يعج بعربات على ظهرها كل أنواع السلع تقريبا التي يمكن أن تخطر على بالك، و"مالين الكرارص" يحتلون كل شبر تقريبا منه، بعدما سطوا على الرصيف، وحين تدنو الساعة الرابعة عصرا تُغلق كل الطرق المؤدية إليه، وتتحول حركة السير إلى جحيم لا يطاق، فتتعدد حوادث السير والملاسنات، أما البحث عن ركن السيارات، فذاك مستحيل، إذ غالبا ما يصطدم السائق بأحد الباعة المتجولين الذي سيزمجر في وجهه ويكشر عن أنيابه للحيلولة دون أن مزاحمة "تجارته". يعاني سكان الشارع بسبب الفوضى التي امتدت إلى سنوات، وشهاداتهم تشير إلى اليأس من تخليصهم من المعاناة، فالنوم مستحيل في حضرة أبواق السيارات وصياح الباعة الجائلين والأزبال المتراكمة، ويقر أحدهم أن احتلال الملك العمومي من قبل الباعة المتجولين صار أمرا عاديا جدا "إلى درجة أنك أصبحت تستأذن من صاحب الكروصة لتمر أو تركن سيارتك ...". عجزت السلطات المحلية والمنتخبون عن إيجاد حل لمعضلة الباعة الجائلين، خاصة أن عددهم في تزايد مستمر، ويتجاوزون المئات، ويعيلون عشرات الأسر، خاصة أن تصريحات بعض الباعة تشير إلى أنهم عقدوا الكثير من الاجتماعات مع مسؤولين سابقين، وتلقوا الكثير من الوعود، من أجل تمكينهم من مركب تجاري يحفظ كرامتهم، وينهي محنتهم ومحنة سكان المنطقة، غير أن الوعود مجرد كذبة، إذ يؤكدون رفض التوقيع على محاضر الاجتماعات، لأن الباعة يزاولون نشاطا غير مهيكل، وبالتالي ليست لهم صفة التوقيع على المحاضر. ودعا عدد من سكان الشارع المسؤولين إلى إنقاذهم من "الجحيم"، لأنهم يرغبون بدورهم في الاستفادة من عملية تحرير الملك العمومي، عوض أن يظل الأمر مجرد حملة موسمية لذر الرماد في العيون. وقال أحدهم "حلمي أن تتحرك السلطات والمنتخبين لاسترجاع هيبة الدولة وفرض القانون، لأنه للأسف نصطدم دائما مع جشع بعض الباعة الجائلين، الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، إذ يعتبر المحتلون أن الرصيف ملكا لهم فقط، دون مراعاة حقوق الآخرين، ما يؤدي إلى تعطيل حركة المرور وتهديد حياة الراجلين وعدم راحة المواطنين". "الداخل إلى الشارع مفقود والخارج منه مولود"، بهذه العبارة لخص سائق وضعية شارع أفغانستان، الذي أصبح شبحا يقض مضجع السائقين، بمن فيهم سائقو سيارات الأجرة التي يرفض أصحابها نقل الزبائن بمجرد الإعلان عن وجهتهم وقال المتحدث نفسه "إنه بسبب احتلال الملك العمومي، أيجد صعوبة بالغة عند خروجي من البيت في اتجاه العمل وسط المدينة، بسبب وجود أعداد كبيرة من الباعة، ما يؤدى إلى تأخري عن العمل يوميا"، مضيفا أن "الحواجز الحديدية التي يضعها الباعة والمقاهي في جنبات الطرق، تؤدي إلى تكدس السيارات التي تجد صعوبة بالغة في كيفية الدخول والخروج، ما يتسبب في نشوب اشتباكات بين السائقين والراجلين وكذا المحتلين للملك العمومي الذين يرفضون تصحيح أخطائهم". تحولت الأزقة المتفرعة عن الشارع إلى مرتع للعربات والأزبال والروائح النتنة، لكن مأساة السكان لا تنتهي عند الأزبال والتلوث، بل تشمل كذلك التلوث السمعي، الذي يتسبب فيه صياح وصراخ الباعة وكذلك مشاحناتهم وخصوماتهم، والتي تتطور أحيانا إلى تبادل السباب والكلام المنتقى من قواميس العهر والفحش، وهو أمر "يحدث كل يوم وبمعدلات كبيرة إلى درجة أننا صرنا نخشى الجلوس مع أمهاتنا وآبائنا، مخافة أن تنفلت كلمة قبيحة ونابية من أحد هؤلاء الباعة"، يضيف المتحدث نفسه. حراس سيارات أيضا لا يخفي بعض أصحاب المحلات التجارية أن بعضهم وكذلك حراس السيارات يشجعون على انتشار ظاهرة الباعة الجائلين، ذلك أن أصحاب المحلات منهم من أصبح يكري المساحة الواقعة أمام محله مقابل سومات تصل إلى 3 آلاف درهم، أما حراس السيارات، فهناك حديث عن أنهم يتلقون مبالغ تتراوح بين 40 درهما و50 لليوم عن كل"كروصة"، مقابل السماح لصاحبها باحتلال مكان مخصص أصلا لركن السيارات.... إنها الفوضى في "أفغانستان". خالد العطاوي

فوضى “أفغانستان” في قلب البيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فوق المحاسبة

وكالة التثليج في خبر كان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات