تقارير مختزلة لا تعكس صورة المغرب

الحكومة تنتقد غياب موضوعيتها واعتماد معايير متجاوزة تُظهر العديد من التقارير الدولية تراجع المغرب في التصنيف في عدد من المجالات، سواء تعلق الأمر بمؤشر التنمية البشرية الذي يجد نفسه دوما مصنفا في ذيل قائمته، مرورا بمؤشر الرشوة والفساد، إذ رصد التقرير الأخير لمجلس أوربا غياب إستراتيجية شمولية لمحاربة الرشوة، مما يجعلها معضلة مستفحلة وعصية على المعالجة، وانتهاء بمؤشرات اجتماعية في قطاعات حيوية تشمل الصحة والتربية والتكوين. وفي كل مرة تصدر فيها هذه التقارير، تُبادر الحكومة إلى منح مبررات لتنسيب مضامينها وتصحيح بعض الأمور، منتقدة غياب موضوعيتها، أو اعتماد معايير متجاوزة، أو معطيات وأرقام قديمة، أو الارتكاز على شهادات محدودة كما وقع بالنسبة إلى التقرير الأخير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» ، حول وضع المهاجرين بالمغرب، وهو ما حصل في وقت سابق مع مؤشر التنمية البشرية الذي يعتمد معطيات سنوات مضت، ولا يأخذ بعين الاعتبار التحولات اللاحقة. يقول المُشرفون عن هذه التقارير إنهم ينجزون تقييمهم للوضع السائد بناء على معطيات بالأرقام وشهادات وزيارات ميدانية، ويؤكدون أنهم يسعون ما أمكن إلى التقيد بالموضوعية ، من خلال تبيان النجاحات والإخفاقات في أفق تحفيز الحكومة لبذل قصارى جهودها للمضي قدما في برامج التنمية والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحسين سياساتها في مجالات عدة، من بينها المجال الحقوقي والحريات ومناخ الأعمال والاستثمار. وتنصب أهم الانتقادات الموجهة إلى التقارير حول مقاربتها التجزيئية وتغليبها وجهات نظر محددة لإبراز تقييمات محددة وأفكار جاهزة، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى التقارير التي ترصد وضعية حقوق الإنسان، والتي تُشير فقط إلى الجانب الأوحد من العملة، وهو الجانب السلبي، مع إغفال المجهودات والتحولات التي تُسجل في هذا الميدان. كما أن التقارير التي تنصب حول حريات التعبير تعتمد أحكاما جاهزة ونماذج معزولة مثل التركيز على اعتقال شخص بعينه، أو سوء المعاملة التي يتعرض لها بعض الأشخاص في سياق ومكان محددين، لتعميم الحكم.ومن بين الانتقادات الموجهة إلى هاته التقارير التبسيطية والاختزال، إذ أن هاجس اختزال الوضع في مجال محدد يفرض اعتماد منهجية مقارنة الوضعيات، لكي تسهل عملية ترتيب الدول ومقارنتها وتشكيل نظرة عامة، لا تكون موضوعية تماما ولا تعكس واقع تلك الدول تماما، بناء على معطيات ومؤشرات بعيدة عن الموضوعية، لكن ذلك لا يعني أن مضامين تلك التقارير خاطئة، ولذلك ورغم الانتقادات التي توجه إليها تبقى مهمة في رصد تطورات كل بلد في مجالات مختلفة، وتعتبر بذلك مرآة يتعرف المسؤولون والفاعلون من خلالها على درجات التطور التي تعرفها بلدانهم. لقد تراجع المغرب في ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية، ويجد صعوبة في النهوض بسبب تخلف قطاعات حيوية من بينها التعليم والصحة، وهو ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى سن تدابير للنهوض بهذين القطاعين تحديدا، وهو ما يفسر سبب رفع الاعتمادات الموجهة إلى القطاعات الاجتماعية في القوانين المالية. ورغم ذلك ، وبناء على معطيات التقارير الأخيرة، ما يزال المغرب يجد صعوبة في النزول إلى عتبة تحت المائة. وتعتمد بعض التقارير التي تهتم بحرية الصحافة والتعبير على حالة متابعة صحافيين أو اعتقالهم لإعطاء صورة قاتمة عن حرية الصحافة، دون أن تتطرق للتحولات الإيجابية، التي أدت إلى توسيع هوامش حرية التعبير والصحافة، وهو ما يفسر تطور وانتشار الصحف الحرة بوتيرة متنامية، كما ترصد بعض التقارير حالات معزولة من سوء المعاملة في مجال حقوق الإنسان لتعمميها، وتصل إلى خلاصة مفادها أن المغرب لم يرق بعد إلى المستوى المنشود في هذا الصدد. وتبقى التقارير الدولية مهمة في تحفيز المغرب على التقدم والقطع مع المظاهر السلبية التي ما تزال تخدش صورته، باعتباره بلدا منفتحا ومنخرطا في مسلسل الدمقرطة وحقوق الإنسان، وتفرض عليه التقارير إظهار الإرادة السياسية في مواجهة كل الظواهر السلبية، فرغم أن محاربة الفساد كانت من الشعارات المركزية التي رفعتها الحكومة، إلا أن ترانسبارنسي صنفت المغرب في تقريرها لسنة 2013، في الرتبة 91. ويؤكد جل المتتبعين والمختصين في المجال أنه رغم الشعارات المرفوعة، فإن الإرادة السياسية لم تتوفر بعد للقضاء على هذه الآفة، وهو ما يثبت غياب إستراتيجية حقيقية في هذا المجال. جمال بورفيسي

تقارير مختزلة لا تعكس صورة المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخطاء الدولة بعيون التقارير الدولية

السلطة والمال يفسدان العدالة بالمغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات