لسنا فنلندا صديقنا جوليار… لكن لسنا زيمبابوي أيضا

الصورة السوداء التي رسمها تقرير "مراسلون بلا حدود" لا يمكن الرد عليها بصورة وردية لم تهضم الحكومة، بعد، طبق «هيومن رايتس ووتش» التي طالبت السلطات الأمنية بالكف عن المعاملة السيئة والحاطة بحقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون القادمون من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، حتى نزل على مائدتها طبق أكثر مرارة يضع بلد مئات الجرائد والصحافيين والمواقع الإلكترونية في رتب متأخرة عن أفغانستان وزيمبابوي وتشاد والجزائر، في مجال حرية الصحافة، ما أغضب الحكومة التي وصفت التقرير الجديد لمنظمة «مراسلون بلا حدود» بالمفتقد للدقة، ولا ينسجم مع الواقع الفعلي للممارسة الصحافية بالمملكة. ضربتان متتاليتان إذا لم تدميا الرأس، فإنهما تصيبانه بأوجاع توخزها بين الحين والآخر، أوساط تتعامل مع تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ومنظمة الشفافية الدولية ومراقبي تطور حرية التعبير والصحافة والحق في الاحتجاج، مثل نصوص مقدسة لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها، ويلوح بأرقامها ورتبها في كل المناسبات، كأنها وحي منزل، في الوقت نفسه الذي ينبغي على المسؤولين الحكوميين الكف عن عادة مسح السماء بـ«ليكة»، كلما طلع تقرير من هذا النوع، وترديد أن «الآخرين يريدون بنا شرا في إطار مخطط دولي كبير مدفوع من جهات خارجية وداخلية معروفة للتحامل على الاستثناء المغربي». إن الصورة ليست سوداء، كما تحاول رسمها تقارير منظمات دولية مستقلة تضع المغرب تحت مجهر المراقبة المستمرة في مجالات مختلفة، لكنها أيضا ليست بيضاء كل البياض، مثلما تسعى بعض ردود فعل أعضاء الحكومة التي تقترب من تسفيه هذه التقارير، والتعامل معها بمنطق كم حاجة قضيناها برميها في سلة المهملات، لتأتي التقارير اللاحقة أسوأ بكثير من الأولى.لكن ماذا قال زملاء جان فرانسوا جوليار في تقريرهم الجديد حتى يغضب مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة؟قالوا بكل البساطة التي يتخيلونها إن الصحافة بالمغرب ليست حرة، بل إن منسوب الحرية الذي ترفل فيه لا يبلغ حتى تجارب دول الجوار المتواضعة، كما أن متاريس الطابوهات ما تزال منصوبة أمام صحافيي المغرب، في مواضيع مثل الدين والملكية والوحدة الترابية، إضافة إلى العقوبات الحبسية المنصوص عليها في قانون الصحافة، في وقت يجري بحث إصلاح مدونة الصحافة منذ ثلاث سنوات.إنه حكم قاس اعتمدت فيه منظمة مراسلون بلا حدود على عدد من الوقائع من أهمها، حسب التقرير، اعتقال الصحافي علي أنوزلا، السنة الماضيَة، وتوجيه تهم ثقيلة إليه، ذات صلة بالإرهاب، إثر نقله رابطا لفيديو نشر في جريدة «إلباييس» الإسبانية، وهو ما اعتبر تحريضا على الإرهاب. ولتعزيز تقريرها بمعطيات أخرى عادت المنظمة إلى 2008، وبالضبط إلى اعتقال الصحافي المدون محمد الراجي، وهي القضية التي كاد صاحبها نفسه ينساها لقدمها. مثل هذه الوقائع غير الدقيقة التي تتحدث مثلا عن استمرار العقوبات الحبسية في قانون الصحافة، والتذكير باعتقال مر عليه أكثر من ست سنوات، تجعل الحكومة في "موقع قوة هذه المرة"، وتعطي بعض المصداقية لخطاب التبرير، والانطلاق في عرض المنجزات المحققة بلغة متعالية أحيانا، رغم النقائص والتعثرات والتراجعات التي يشهدها قطاع الصحافة والإعلام وحرية النشر والصحافة. وهو الواقع الذي ظل الصحافيون المغاربة وهيآتهم التمثيلية، ينبهون إليه، مستندين إلى وقائع محينة وأرقام طازجة لا مجال للتشكيك فيها، أو التهكم عليها لافتقارها للدقة. لا يمكن إقصاء منظمة دولية مستقلة من مراقبة مشهدنا الإعلامي والمساهمة في تنبيهنا إلى أعطابنا وتوعكاتنا، لكن من المفيد أيضا أن تساعد هذه المنظمة على توضيح الصورة بكل إطاراتها، باعتماد مقاربة علمية ومنهجية واضحة في تجميع المعطيات والأرقام والوقائع وإخضاعها للتحليل. في المقابل، لا يكفي أن يتشنج وزير و"يخرج" عينيه في تقرير دولي ويفند معطياته بعدد من الأرقام و"الإنجازات" والمشاريع، حتى نتأكد أن الصورة وردية، أو إن المغاربة يرفلون في جنة حرية الصحافة والإعلام ومختلف أشكال التعبير. لسنا زيمبابوي، يا سيد جوليار، لكن لسنا أيضا فنلندا يا زميلنا الخلفي. يوسف الساكت

لسنا فنلندا صديقنا جوليار… لكن لسنا زيمبابوي أيضا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحكومات متورطة في إبادة الحب في عيده

اعتقال إمام للرقية الشرعية بتمارة بتهمة النصب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات