يوم عصيب مر على «البزناسة» والجانحين وعملية واحدة أطاحت بـ 15 موقوفا همت غيوم داكنة سماء منطقة عين السبع بالبيضاء، توحي بسقوط أمطار غزيرة، وفي الوقت نفسه، رسالة أنه سيكون يوما عصيبا على الجانحين بنفوذ المنطقة الأمنية عين السبع الحي المحمدي. تزامن تساقط قطرات الغيث مع وضع مسؤولين أمنيين آخر الترتيبات للقيام بحملة أمنية، سيكون لها وقع كبير، إذ ستطيح بتجار مخدرات ولصوص، وسترفرف رايات الأمن عاليا في أحياء توهم جانحون أنها قلاع حصينة ستحميهم من الاعتقالات. إنجاز : مصطفى لطفي – تصوير (أحمد جرفي) رغم تساقط المطر، وقف أمنيون ينتمون إلى الشرطة القضائية والأمن العمومي وفرق الدراجين في صفوف متراصة، ينصتون باهتمام إلى تعليمات المراقب العام عبد المومن الماعوني، رئيس المنطقة الأمنية عين السبع الحي المحمدي، الذي كان مصحوبا بمساعديه. تزايد تهاطل المطر، زاد في التحفيز والإصغاء جيدا للتعليمات لضمان عملية أمنية ناجحة وفعالة. وبعد ربع ساعة من التوجيهات في جو ماطر، هرول الأمنيون إلى سيارات المصلحة ودراجاتهم النارية وغادروا مقر الأمن، فساعة الجد قد بدأت. صرامة حالة استنفار شهدها مكتب المراقب العام عبد المومن الماعوني، إذ تقاطرت الاتصالات سواء من هاتفه المحمول أو جهاز "اللاسلكي" دون انقطاع. اتصال يقدم للمسؤول الأمني حصيلة حملة أسندت لعناصر الشرطة في قطاع آخر، واتصالات أخرى تترقب تعليماته واستشاراته في أمور أمنية. كان الوضع غير عاد، بالكاد كان رئيس المنطقة يلتقط أنفاسه، حتى يفاجئه اتصال جديد. تشعر كأن المنطقة تعيش استنفارا غير مسبوق، لكن تبين في ما بعد أنه روتين يومي اعتاده وباقي الأمنيين في القطاع، فالرهان هو تجفيف المنطقة من الجريمة، وإعادة ثقة المواطنين في جهاز الأمن، وهو ما تحقق بنسبة كبيرة جدا. في لحظة، عم الغضب رئيس المنطقة الأمنية، عندما لم ترقه نتائج حملة تشرف عليها فرقة للشرطة، إذ رغم مرور أزيد من ساعة على الشروع فيها، كانت حصيلة الموقوفين سلبية، وبلغة صارمة امتزجت فيها التعليمات بالعتاب، شدد على أن تكون الحملة نوعية وتطيح بأكبر عدد من الجانحين، سيما مروجي المخدرات، إذ تشعر من خلال نبرة حديثه أنه لا تسامح مع هذا الأمر. وبعد أن أنهى أوامره، أعاد الاتصال بأحد معاونيه بالمنطقة، وألح بشدة أن يشارك جميع رؤساء الدوائر الأمنية في الحملات، لضمان إنزال كبير للأمن بالمنطقة، وفي الوقت نفسه تفادي أي مفاجأة قد تعبث بنتائجها المحددة. توصيات غادر المراقب العام عبد المومن الماعوني مكتبه، ونزل إلى ساحة مقر المنطقة الأمنية، حيث تجمع العشرات من الأمنيين من مختلف الرتب والفرق. دون مقدمات، شرع المراقب العام في تقديم توضيحات حول الهدف من الحملة الأمنية وطبيعتها، والأهداف المرجوة منها، قبل أن يتوقف عند نقطتين اعتبرهما أساسيتين، الأولى ضرورة احترام القانون ومراعاة الجانب الإنساني في عمليات إيقاف أي جانح مهما كان نوع الجريمة المتورط فيها، والثانية استغلال الحملة في بعث رسائل واضحة للمواطنين بأن الوضع تحت السيطرة، وبالتالي ضمان إحساسهم بالأمن. ولضمان نجاح للحملة الأمنية، قرر رئيس المنطقة إسناد الإشراف عليها إلى العميد الممتاز، أبو علي هلال، رئيس الدائرة الأمنية "العنترية". شاب من الكفاءات القادمة بقوة في قطاع الأمن، جمع بين الحرص والتشدد في تطبيق القانون والتعامل الإنساني المتميز، سواء مع المواطنين أو العاملين تحت إمرته، وهو ما تجلى من خلال انسجامه الكبير مع مساعده ضابط شرطة محمد حالي، ومفتشي الشرطة، مع حرصه على التفاعل مع شكايات المواطنين مهما كان موضوعها، والنتيجة أنه نجح في بسط هيمنة أمنية بنفوذ دائرته التي تعج بأحياء تصنف على أنها أبرز النقط السوداء بعمالة عين السبع الحي المحمدي. "ضربة معلم" باشرت عناصر الأمن تحت إشراف العميد الممتاز أبي علي، حملة بحي "العنترية"، يتقدمها عنصران من فرقة الدراجين. جابت "القافلة" الأمنية عدة أحياء، ولحظة مرورها بشارع رئيسي، أمر رئيس الدائرة الأمنية سيارات المصلحة بالتوقف. ترجل رفقة مساعده الضابط محمد حالي، ومفتش شرطة، من سيارة المصلحة ولحقت به باقي عناصر الشرطة. وبعد برهة تبين أن وجهتهم مقهى متواضع. بمجرد اقتراب أمنيين من المقهى، وقف بطريقة مريبة، خمسيني كان يشارك أصدقاءه الحديث، كأنه يحاول أن يتقدم الأمنيين في دخول المقهى وإشعار الجميع بحضورهم، لكن تأخر في القرار كثيرا. داهم العميد الممتاز وعناصره المقهى، ليكونوا أمام صيد ثمين، أغلب زبنائها يدخنون المخدرات علنا. أخضع الجميع لتفتيش احترم إنسانية الخاضعين له، لدرجة أن لا أحد أبدى مقاومة أو صدرت منه أي عبارة احتجاج. تم حجز قطع مهمة من مخدر الشيرا، خصوصا لدى مشتبه فيه. ادعى أنها للاستهلاك، لكن بعد تنقيطه اتضح أنه له سوابق قضائية، ما رجح فرضية أنه مروج محترف. بطريقة ذكية، سأل العميد أبو علي أحد الموقوفين عن ثمن القهوة، فأكد له أنها بـ12 درهما، فاقتنع العميد بتورط مسيرها في التشجيع على استهلاك المخدرات، وأن الثمن المبالغ فيه لكأس من القهوة، رغم تواضع مقهاه، هو ثمن للسماح للزبناء بتدخين المخدرات بكل حرية. حاول المسير نفي التهمة عنه، قبل أن يلمح بإمكانية تسليم رشوة، فكان الرد صارما بتطبيق القانون، سيما أن كل القرائن تدينه. أخضع الجميع مجددا للتفتيش، قبل أن يتم إشعار سيارات المصلحة لنقل الموقوفين إلى مقر الدائرة الأمنية "العنترية". اعتبرت تلك العملية ناجحة، في خطوة واحدة، سقط إثرها 15 شخصا متلبسا بحيازة واستهلاك المخدرات، إضافة إلى مسير المقهى. تجمهر العشرات من المواطنين أمام المقهى. مشهد يوحي للمشاهد أنهم سيحررون الموقوفين، لكن هيبة الأمن فرضت عليهم متابعة المشهد إلى آخره دون النبس بكلمة واحدة، باستثناء قريبة مسير المقهى التي توسلت للعميد الممتاز لإطلاق سراحه، إلا أن أحد معارفها أمرها بالانصراف. لقد سبق السيف العذل. بعد نقل الموقوفين، أشعر رئيس الدائرة الأمنية قائد المنطقة بمداهمة المقهى، وقدم له كامل المعلومات من أجل إنجاز قرار عاملي لإيقاف نشاطها مؤقتا، ولم لا نهائيا إن سبق لصاحبها أن تورط في ذلك في مناسبات أخرى. تعلق بالجغرافيا والتاريخ تم اختيار منطقة "العنترية" بالحي المحمدي، نقطة انطلاق الحملة الأمنية التي أسندت إلى العميد الممتاز أبو علي هلال. هذا الحي كان يعد من النقط السوداء بسبب تفشي المخدرات والسرقات، قبل أن تنجح المصالح الأمنية في فرض نظامها، ورغم هذا النجاح، ظهرت بعض جيوب المقاومة، ساهمت فيها عوامل اقتصادية واجتماعية، بحكم أن منطقة العنترية تضم أشهر المناطق التجارية بالبيضاء، أبرزها "قيسارية الحي المحمدي" والتي تعد مزارا لجميع البيضاويين دون استثناء. هذه المناطق التجارية وشوارعها وأزقتها، تعج بالعشرات من الباعة الجائلين، أغلبهم من القاطنين السابقين لـ"كريان سنطرال" التاريخي، بعد أن فشل مشروع إعادة إيوائهم بمنطقة الهراويين، في قطع تعلقهم بجغرافيا وتاريخ الحي المحمدي، لدرجة أن 75 في المائة منهم، عادوا للاستقرار بالمنطقة، منهم من باع منزله واكترى غرفة أو شقة، حسب قدرته، بالحي المحمدي. هذه المستجدات، حرضت الجريمة على فتح ثغرة بعد فترات من السكون، إذ حاول جانحون استعادة نشاطهم الإجرامي السابق، لكن التدخل الأمني الصارم، أحبط خططهم، واستعاد مسؤولو أمن الحي المحمدي زمام السيطرة، عبر الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه فرض قانون الغاب. يوم عصيب بعد عملية المقهى، قرر العميد الممتاز أبو علي وعناصره، الانتقال إلى حي تاريخي، وهو "حي السعادة"، لكن عندما حاولت الفرق الأمنية ولوج الزنقة 37، وجدت صعوبة في ذلك، بسبب انتشار الباعة الجائلين. في البداية طالبهم العميد بلطف بفسح المجال للدخول، لكن بدا بعض التردد والاستخفاف من قبل باعة، ما أثار غضب العميد. وبمجرد أن ترجل من سيارة المصلحة رفقة عناصره، سارع الجميع بتنفيذ التعليمات، دون تردد، فاستعاد الحي بهاءه وشساعته. كان الهدف من تلك الزيارة استهداف كل مشتبه فيه بسوق شعبي، إذ خضع باعة جائلون وشباب كانوا " في راس الدرب"، ومارة إلى التفتيش بمجرد الشك في أمرهم. الملاحظ أن لا أحد منهم احتج على القرار، لدرجة أن شابا اتضح أنه طالب، خضع وأصدقاؤه للتفتيش بعد الشك في أمرهم، لام والدته التي لم تتقبل الأمر، وقال لها إنه إجراء عاد جدا، وأن "البوليس داروا خدمتهم". خلال الحملة، أثار شاب انتباه ضابط شرطة، وكما ينقض النسر على فريسته، حاصره، وأخضعه للتفتيش، فحجز لديه قطعا عديدة من مخدر الشيرا. ادعى المشتبه فيه أنها للاستهلاك، لكن بعد تنقيطه عبر جهاز اللاسلكي تبين أنه مروج مخدرات، وسبق أن قضى عقوبات حبسية بسببها. بعد "حي السعادة"، كانت الوجهة "حي الكدية"، فكانت النتيجة اعتقال مروج مخدرات متلبس بمسك كمية مهمة من مخدر الكيف. كان يقود دراجته النارية بشكل عاد إلا انه ارتبك عندما صادف رجال الشرطة، فحاول الفرار، لتتم محاصرته من قبل فرقة الدراجين وعناصر الشرطة. علق أحد الفضوليين على اعتقال المروج " هذا شي واحد داعي عليه هاد النهار. جا مع البوليس قد قد".