رتبة المغرب في مؤشر السعادة العالمي تنسجم مع الواقع المزري للمواطنين ربما لو كان هناك يوم عالمي للتعاسة، على غرار اليوم العالمي للسعادة الذي يصادف 20 مارس من كل سنة، لجاء المغرب بكل تأكيد ضمن العشر دول الأولى. إذ لم يكن البتة مفاجئا أن يحتل مرة أخرى مركزا متأخرا في مؤشر السعادة العالمي، كما كشف عن ذلك التقرير السنوي برسم 2022، الذي تصدره شبكة حلول التنمية المستدامة لمنظمة الأمم المتحدة، إثر احتلاله الرتبة 100 من أصل 146 دولة شملها التصنيف. وقد جاءت مخرجات التقرير منسجمة مع الواقع المزري للمغاربة وفقدانهم المعنى الحقيقي للسعادة في قاموس حياتهم البئيسة والتعيسة، في ظل ما يعيشون على إيقاعه من مشاكل وأزمات متوالية، أدت إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية، جراء التزايد المتواصل في معدلات الفقر والأمية والبطالة والهدر المدرسي، ناهيك عن استشراء الفساد والظلم والقهر والتهميش والإقصاء، والارتفاع المطرد في أسعار المحروقات وكافة المواد الأساسية أمام ضعف الأجور وتجميد الترقيات... ذلك أن السعادة وإن تعددت معانيها، فهي ما يمكن أن يتحقق للإنسان من أمن واستقرار نفسي ومادي. وبشكل عام، هي ذلك الشعور الداخلي المستمر بالسكينة والطمأنينة، مما قد ينعكس إيجابا على مزاج الشخص وحالته النفسية، ويجعله دائم الانشراح والتفاؤل بالمستقبل، بعيدا عن كل ما من شأنه أن يجلب له الحزن والكآبة والتشاؤم، بينما التعاسة هي أن يقضي الشخص أوقاته في دوامة البؤس والشقاء والحرمان... ولا يمكن أن يكون سعيدا إلا من ينعم بالعدل والمساواة والحرية، وتتوفر له كل مقومات العيش الكريم، وهو ما لا ينطبق على السواد الأعظم من المغاربة البسطاء. فنحن واثقون من أنه لن ينعم بالسعادة من يغيب في بلاده التوزيع العادل للثروة الوطنية وتنعدم فيها حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والكرامة والحرية والمساواة، ولا تزدهر فيها عدا مظاهر الظلم والقهر والمحسوبية والعبث السياسي والفساد الإداري والاقتصادي والأخلاقي، وتتناسل فيها عديد الظواهر الاجتماعية السلبية والمقلقة، من قبيل التسول وركوب قوارب الموت وانتشار تعاطي المخدرات والانتحار بين الشباب، فضلا عن اتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية... ثم هل يمكن له النوم قرير العين والاستيقاظ باسما من بالكاد يستطيع تأمين مصروف بيته اليومي، أو من يبحث لنفسه أو أحد أفراد أسرته عن سرير للعلاج بمستشفيات الدولة ولا يجد لذلك حيلة، أو من يقضي أزهى فترات عمره في الدراسة والتحصيل ولا تتوج جهوده بفرصة عمل مناسبة تحفظ له عزته وكرامته؟ إن المغرب العريق الذي استطاع بحنكة وحكمة ملوكه الأفذاذ وتضحيات نسائه ورجاله من الوطنيين الشرفاء، قطع خطوات جبارة على عدة مستويات قانونية ودستورية ودبلوماسية وتكريس أسس الديمقراطية، بإمكانه أن يتقدم درجات مهمة في مختلف المؤشرات الدولية ويحقق السعادة لكافة أبنائه، سيما أن الله حباه بموارد طبيعية قل نظيرها في بلدان العالم من بحار ورمال وغابات ومياه جوفية ومعادن ذات أهمية بالغة وموارد بشرية هائلة، إذا ما تم حسن اختيار النخب السياسية ذات الحس الوطني الصادق وروح المسؤولية، القادرة على حسن التدبير وتفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. اسماعيل الحلوتي