fbpx
حوادث

جدوي: التقادم التأديبي لموظفي الأمن 2/2

ضباط الشرطة القضائية يخضعون إلى تأديب قضائي تمارسه الغرفة الجنحية وتأديب إداري تمارسه المديرية العامة 2/2

بقلم: أشرف منصور جدوي*

لمحاولة تعريف التقادم التأديبي لابد من تفكيك هذه العبارة فالتقادم عموما هو تلك الواقعة المادية التي تنشأ بمرور وقت معين يحدده القانون، والتقادم التأديبي يعني ذلك التقادم المنصوص عليه في قانون التأديب، هذا القانون الذي يمكن تعريفه بأنه تلك المجموعة من القواعد القانونية التي تبين كيفية متابعة الموظف ومعاقبته تأديبيا بإحدى العقوبات المنصوص عليها في ذلك القانون إن هو ارتكب جريمة أو مخالفة تأديبية.
إن التقادم الذي تحدث عنه المشرع في النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، هو التقادم المتعلق بالعقوبة التأديبية، ولم يتحدث المشرع عن تقادم المتابعة التأديبية.

ثانيا: التمييز بين العقوبة التأديبية والمتابعة التأديبية

إن مفهوم العقوبة التأديبية هو ذلك الجزاء المنصوص عليه قانونا، والذي تتخذه الجهة التي لها حق التسمية في حق الموظف الذي ثبت ارتكابه لهفوة مسلكية أو لخطإ تأديبي.
بينما المتابعة التأديبية تشكل تلك المرحلة السابقة على اتخاذ الجزاء التأديبي في حق الموظف.
وإذا كانت المتابعة التأديبية هي السببية المنشئة لحق الإدارة في العقاب أو التأديب، حيث لا تتخذ العقوبات إلا بناء على متابعة، فإن السببية المنشئة للمتابعة التأديبية هو ذاك الخطأ المنسوب للموظف، حيث إننا أمام مسطرة قانونية مرتبط بعضها ببعض.
وكما سبقت الإشارة فالقانون الأساسي لموظفي الأمن الوطني لم يكلف نفسه عناء التنصيص على تقادم المتابعة التأديبية، وهذا معناه أن موظف الأمن الوطني قد يرتكب خطأ تأديبيا، وقد يمر على ذلك الخطأ ربما سنوات طويلة ولا تكتشفه الإدارة، ومتى اكتشفت الإدارة في ما بعد ذلك الخطأ فإن حقها في التأديب باقٍ لا يسقط بالتقادم.

ثالثا: عدم سقوط المتابعة التأديبية بالتقادم
إن عدم سقوط المتابعة التأديبية بالتقادم لهو حيف ما بعده حيف محدق بموظفي الأمن الوطني، فإذا كان الإنسان قد يرتكب جناية قتل، ومع ذلك وفي حال عدم اكتشافها إلا بعد مرور 15 سنة فإن العقاب غير ممكن لأن الدعوى العمومية تكون قد سقطت بالتقادم، فهل من العدل أن يكون المجرم في وضعية أحسن من وضعية رجل أمن ارتكب هفوة تأديبية، حيث الجريمة بمفهومها الجنائي منصوص على تقادم الدعوى العمومية بشأنها بينما الهفوة التأديبية غير منصوص على تقادم المتابعة أو الدعوى التأديبية بشأنها!!!
فالمجرم في مثالنا هذا ولو ارتكب جريمة قتل ولم تكتشف إلا بعد مرور خمسة عشر سنة فإنه يكون في حل من عقال القانون الجنائي وجزاءاته، بينما موظف الأمن لا تتقادم هفوته أو ذنبه الاداري.

رابعا: التقادم في بعض الأنظمة الخاصة
بالرجوع إلى المادة 50 من القانون 55.00 المتعلق بالتراجمة المقبولين لدى المحاكم فإن المشرع نص على تقادم المتابعة حيث جاء في م المذكورة ” تتقادم المتابعة التأديبية:
بمرور خمس سنوات ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة.
بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب عملا جنائيا.
يوقف أمد التقادم بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق تأمر به السلطة التأديبية أو تباشره.”
وبالرجوع على سبيل المثال إلى القانون المتعلق بخطة العدالة خاصة في مادته 44 والتي جاء فيها:
” تتقادم المتابعة التأديبية في حق العدل:
– بمرور ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة؛
– بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب زجريا.
يوقف أمد التقادم بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق تأمر به السلطة التأديبية أو تباشره”.
إن عدم تقادم المتابعة التأديبية في القانون الأساسي لموظفي الأمن الوطني لهو أشد خطورة من العقوبة نفسها ذلك أنه يمكن لهذا الموظف أن يرتكب خطأ ويعاقب تأديبيا عليه، وبمرور المدة المحددة قانونا تنمحي آثار تلك العقوبة ولن يعود لها أي تأثير على مساره المهني من ترقية وتقلد لمنصب مسؤولية… لكن أن يرتكب هذا الموظف في بداية مشواره المهني هفوة ولا يتم اكتشافها ومن ثم إعمال المسطرة التأديبية في حقه في إبانه ويبقى للإدارة متى اكتشفت ذلك حتى ولو أشرف هذا الموظف على التقاعد ان تؤدبه وتعاقبه.

خامسا: حاملو الصفة الضبطية مظلومون مرتين!!!
لا يخفى أن موظفي المديرية العامة للأمن الوطني ينتمون إلى سلكين، سلك الأمن وسلك الشرطة، وبالسلك الأخير نجد ضباط الشرطة القضائية هؤلاء الذين يخضعون في تأديبهم إلى تأديب قضائي تمارسه الغرفة الجنحية، وتأديب إداري تمارسه المديرية العامة للأمن الوطني طبقا للمادة 32 من قانون المسطرة الجنائية، والأنكى والأمر أنه ولئن كانت المخالفات التأديبية حسب القانون الأساسي كما أسلفنا لا تتقادم، فإنه بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية فإن الإخلالات التي ترتكب من قبلهم خلال ممارسة مهام الشرطة القضائية، بدورها غير منصوص على تقادم المتابعة التأديبية بشأنها، أي أن هذا الموظف يبقى بين سندان الإدارة ومطرقة القضاء متى ارتكب أي هفوة، فبالإضافة إلى إمكانية تأديبه وتوقيع الجزاء عليه من قبل جهتين، فمخالفته التأديبية لا تتقادم لا تبعا لقانونه الأساسي ولا تبعا لقانون المسطرة الجنائية.

في الختام، إن هذا المقال مناسبة ندعو فيها المشرع لتدارك هذا الحيف، وجعل المتابعة التأديبية في حق موظفي الأمن الوطني تخضع للتقادم.

*محام بهيأة البيضاء


تعليق واحد

  1. شتان بين المجرم وبعض موظفي الأمن الذين يختبؤون وراء وظيفتهم وهم ادرى بالمساطر والقانون لان انتهاك عرض المنطق واحتقار القانون ونشر الخوف وتوسيخ المجتمع باسم سلطته و صفته الضبطية والوظيفة أمور لا تسقط بالتقادم ،فكان المشرع نبيها وحكيما في هذا الصدد لان الموظف الأمني يمثل السلطة وهبتها وليس العكس أحداث الفوضى و حتى لا يستغل منصبه ويستعمل الشطط والاخلال بسببه وعلى مااظن ان المشرع لم يغفل عن مثل هاته الامور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.