fbpx
حوادث

قضاء الشارع… تكريس للفوضى

واقعة حد أولاد جلول كشفت تطبيق شرع اليد بدل الاحتكام لمؤسسات الدولة وتطبيق القانون

هي وقائع مشابهة يجمعها تطبيق شرع اليد في حق الغير، لاسترجاع حق أو انتقام، بدل الاحتكام إلى مؤسسات الدولة التي تضبط القانون. حالات حد أولاد جلول والاعتداء على مثليين بفاس ومراكش في السنوات الماضية، أو ممارسة العنف اللفظي أو الجسدي في حق فتيات بسبب لباسهن، تكشف أن المغرب لم يتخلص بعد من أعراف وقوانين قديمة، كان ينصب فيها الشخص نفسه قاضيا على المجتمع، بعضها يعتقد أنها دفاع عن الإسلام، لكنها تدخل في خانة التحريض على الكراهية وارتكاب العنف بسبب النوع الاجتماعي، وقد تصل إلى جرائم الإرهاب.

إنجاز: عبد الحليم لعريبي

أماطت واقعة تطبيق شرع اليد من قبل مواطنين في سوق الأحد بأولاد جلول بقيادة ابن منصور بإقليم القنيطرة، اللثام عن الركوب على أعراف قديمة، وهو ما يعتبره بعض علماء الاجتماع أنه يدخل في إطار مفهوم “سيكولوجية الجماهير” وجعله وسيلة للنهب والسلب والاعتداء المادي على أملاك الغير، رغم خضوع هذه الشريحة لقوانين منظمة، يخضع لها الجميع ويؤطرها القضاء بمسؤوليات محددة.

ظاهرة قديمة
قضاء الشارع هو ظاهرة قديمة كان يلجأ إليها الأشخاص لاسترجاع حقوقهم بواسطة ارتكاب العنف أو التهديد بارتكاب جرائم، ووجد في الصراعات القبلية وسيلة لتحقيق غاياته، ما كان يتحول معه إلى نزاعات دون انتظار تدخلات مؤسسات الدولة. لكن بعد مرور ما يزيد عن ستة عقود من استقلال المغرب، ومواكبته للتطور الحاصل في مجال الحقوق، وخضوعه أيضا لمواثيق حقوق الإنسان، تتفجر بين الفينة والأخرى حوادث معزولة يتصدى لها القضاء بحزم.

وكان المشرع المغربي واضحا من خلال تعديل ترسانته القانونية في القضايا المتعلقة بمحاربة الإرهاب، بعدما اعتبر أن ارتكاب جرائم القتل بسبب معتقدات الضحية أو التحريض عليه بسبب انتمائه الديني أو عرقي، يدخل في خانة الجرائم الإرهابية والتي تتضمن عقوبات مشددة جدا.

واقعة أولاد جلول
بدأت واقعة حد أولاد جلول برفض بعض الشاحنات إدخال الخضر والفواكه إلى السوق، بسبب تباين آراء بين رافض للإضراب على إثر الزيادات التي لحقت مواد البنزين والكازوال، ومؤيد له، ما جعل منه البعض فرصة مواتية من أجل احتكار السلع والرفع من ثمنها، فاستعمل المتبضعون القرويون الحجارة لرشق تلك الشاحنات حتى عمت الفوضى السوق، وسارع هؤلاء إلى السلب والنهب للسلع المعروضة من قبل باعة جائلين، وأظهرت فيديوهات حجم العملية التي لم يكن ضحاياها سوى باعة مغلوب على أمرهم، كما كان ضحيتها القانون.

دور السلطة
ظهر غياب دور السلطة منذ بداية رفض أصحاب الشاحنات الدخول إلى أماكن التقسيط، وكان عليها فرض القانون بواسطة إجبار الموزعين على الولوج إلى باحة التسوق لعرض المنتجات، بدل التراجع إلى الوراء في الوقت الذي يغيب فيه أي اتفاق بين الحكومة وممثلي مهنيي النقل للإعلان عن الإضراب.
وبعدما غابت السلطة حضر أصحاب تطبيق شرع اليد فطردوا الشاحنات بالحجارة، ما أثار الفوضى داخل السوق والهلع وسط التجار الصغار الذين لاذوا بالفرار وتركوا سلعهم.

الضرب بيد من حديد
بعدما اهتزت المنطقة على وقع الفوضى وانتشرت أشرطة كالنار في الهشيم، أعلنت سلطات عمالة القنيطرة والقيادة الجهوية للدرك الملكي والقوات المساعدة، ما يشبه حالة استنفار أمني قصوى. وآزرت الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية التابعة لجهاز الدرك، مصالح الأمن، فانتقلت من مقر ثكنتها بشارع النصر بالرباط نحو قيادة ابن منصور، لملاحقة المتسببين في الفوضى، وبعدما وصلت وجدت أن أعوان السلطات الترابية وأفراد الدرك الترابي والقضائي والفصيلة القضائية الجهوية، وصلوا إلى هويات فاعلين مباشرين في الأحداث، ليتم الشروع في ملاحقتهم الواحد تلوا الآخر، ووصل عدد الموقوفين في اليوم ذاته إلى تسعة أشخاص، نقلوا إلى مقر المركز القضائي بالقيادة الجهوية لعاصمة الغرب.

زعزعة للاستقرار ومس بالوطنية
يعتبر المحامي حاتم عريب من هيأة المحامين بالرباط، أن الجرائم المرتكبة من قبل مطبقي قضاء الشارع فيها “زعزعة للاستقرار ومس بالوطنية”، وتنطوي على ارتكاب جرائم أخرى، تشكل جنحا وجنايات من قبيل التجمهر غير المسلح وتخريب الممتلكات العامة والخاصة والضرب والجرح، وقد تتحول إلى جنايات السرقة الموصوفة عبر تعدد مرتكبي هذه الجناية بتعدد الجناة وتصل إلى حد القتل أو محاولته، من خلال ما باتت تلتقطه الكاميرات لأحداث متفرقة بين الفينة والأخرى، كما تصل أيضا إلى حد الإرهاب.

ويشدد عريب على أن من أسباب تطبيق شرع اليد، وجود بيئة حاضنة بمواقع التواصل الاجتماعي، لإخراج شرارة هذه الفتن، ويجد فيها السياسيون فرصة مواتية كما لتهييج الغير بسبب ارتفاع بعض المواد الاستهلاكية، مضيفا أن اللجوء إلى قضاء الشارع مرفوض بتاتا، وأن هناك وسائل أخرى للنضال والمطالبة بتحسين الوضعية بدل الاعتداء على حقوق وممتلكات الغير، والمغاربة عرفوا أزمات قديمة من بينها عام البون، لكن ظل التآزر بين الأسر، يضيف المتحدث نفسه.

وينبه المحامي نفسه على أن المغاربة يبقون دائما شعبا متآزرا، وما عليه سوى العودة إلى تقاليده العريقة والنأي بالنفس عن الاعتداء ضد الغير، مضيفا أن الحل الأنجع لمواجهة مثل هذه النوازل هو نزول الفاعلين الجمعويين والمنتخبين إلى الشارع للعب دورهم في تأطير المجتمع وتحسيسه بمخاطر العبث بحقوق الغير والمس بحر

شعباني: ظاهرة عالمية مرتبطة بالانفلات الأمني
قال علي شعباني الدكتور الباحث في علم الاجتماع، إن هذه العقلية توجد بالعديد من الدول، فعندما ينفلت الأمن وتقع الفوضى، يحدث السطو والتخريب، مضيفا أن العودة إلى سقوط بغداد، قبل 19 سنة، أظهرت لنا كيف نهب العراقيون الإدارات والآثار التاريخية، وهو الأمر نفسه الذي وقع في حقول البطاطس بالجزائر، ومن هنا نكتشف أن الظاهرة لا تنحبس وسط المجتمع المغربي.

ويرى الباحث في علم الاجتماع أنه نتاج عن سيكولوجية الجماهير، وله ثلاثة مسببات، فيكفي أن يضرم شخص النار حتى تنتشر الفوضى، لأن الأمر يصبح محتكما إلى ظاهرة “الجمهرة” بدل القانون، وثانيا حينما يصبح الأمن غير قادر على ضبط الأمور تندلع الفوضى، ثم ثالثا عندما يتوفر العامل الأساسي الذي يمكن أن يثير هذه حالات، وهذا العامل الأساسي هو ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، كما حدث بسوق حد أولاد جلول، فيكفي أن تكون الشرارة لتندلع الفوضى.

ويشدد المتحدث نفسه، على أنه حينما يقع الانقلات لا تنفع الأخلاق والمبادئ، فتنتفي هذه الأمور، لأن العقل يقع فيه خلل ويغيب التركيز، والفوضى تساعد على عدم استحضار القانون، فتصبح كما يقال الفتنة أشد من القتل، لأن الرزانة تكاد تغيب في مثل هذه الحالات.
وبالنسبة للقضايا الأخلاقية السائدة في مجتمع، فإنه يقع اختلاف أو تكسير لذلك، كما يحدث في الاعتداء على مثليين، إذ يجد الشخص أو الأشخاص ضالتهم في الاعتداء، ويحاولون أن ينصبوا أنفسهم قضاة للمجتمع.
ياته وممتلكاته.

ظاهرة اجتماعية
يمكن اعتبار ذلك ظاهرة اجتماعية ولها مسببات متعددة، بحكم أنها تشكل ثقافة لدى فئات عريضة من الناس،  تنطلق مما هو ديني وثقافي وتعليمي ونفسي. ففهم الدين وفق تصورات أحادية متواترة عبر العصور مع ثقافة اجتماعية تعتمد على بث وزرع بعض الأفكار الخاطئة حول مفاهيم معينة، مثل مفهوم الرجولة والشجاعة والشهامة والنظر لوضعية المرأة وغيرها، وتكريس ذلك بوعي أو بدونه في برامج التعليم، فضلا عن الجانب النفسي للأفراد والجماعات الميالة أحيانا للعنف بفعل التنشئة الاجتماعية أو بفعل المؤثرات الخارجية الأخرى وسيما وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة، ويحفز على التطاول على القانون. ولذلك فإن علاج الظاهرة والتعاطي معها لا بد أن ينطلق من هذه المسببات وتصحيحها أولا.

جرائم لا مبرر لها
بعدما انتشر فيديو النهب والسلب بسوق حد أولاد جلول، استنكرت مجموعة من المدونين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ما حدث وجعل ارتفاع الأسعار وسيلة لارتكاب مثل هذه الجرائم.
وغرد الأستاذ عمر الشرقاوي عبر حسابه في “فيسبوك” بقوله “أيها المواطن، سارق كتف أو رأس عجل نلقاو ليها شي تبرير كاذب في غلاء الأسعار، لكن تسرق ميزان، علاش أخويا واش حتى الميزان رفعوا الأسعار ديالوا وحنا ما فخبارناش. الحقيقة أن مثل هؤلاء مجرمون وخص القانون يطالهم بأقسى العقوبات” هذه نماذج بعض الآراء التي تطالب بضرورة الاحتكام إلى قوة الدولة والقانون.

وبدوره قال ماجد في تعليقه على الأحداث “لا يجب أن نبرر مالا يبرر. من قام بهذه الأفعال مجرمون، بغض النظر عن الظرفية. اللي مربي و الله لا خدا حاجة الناس واخا توصل ليه للعظم.أما اللي تيجري الإجرام فدمو يتحينون الفرص”. أما عبد الغني جبار، فاعتبر في تدوينته أن ارتفاع الأسعار ينذر بتطورات بقوله “أحداث سوق حد أولاد جلول الأسبوعي بجماعة ابن منصور، بإقليم القنيطرة هي إنذار لما قد يحدث في هوامش المدن إذا استمر تجاهل الحكومة لمطالب الشعب بالتدخل لوضع حد لغلاء الأسعار”، في إشارة منه لاتخاذ الحيطة والحذر.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.