اختلالات في تدبير 1400 خيرية

تقرير صادم عن واقع الاكتظاظ وضعف البنيات وشروط العيش بمؤسسات تؤوي 160 ألف مواطن اكتظاظ واختلاط، ظروف مزرية للعيش، سوء التوزيع، خصاص في البنيات... مشاكل وغيرها، رصدها تقرير صادم لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية عن حوالي 1400 مؤسسة للرعاية الاجتماعية. التقرير قدم وصفا دقيقا لأوضاع مراكز ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وبسط الإكراهات التي تعيق تقييم حصيلة إنجازاتها، مبرزا جوانب القوة والقصور التي تعتريها من جهة، وتلك التي تتصل ببيئة وظروف التنفيذ من جهة ثانية. تعتبر مؤسسات الرعاية الاجتماعية بنيات للاستقبال غايتها الرعاية وحماية أشخاص في وضعية صعبة أو غير مستقرة أو في وضعية احتياج، سواء كانت هذه الوضعيات دائمة بالنسبة إلى البعض أو مؤقتة بالنسبة إلى آخرين. وعرفت هذه المؤسسات استقطاب أهل التطوع والإحسان، إذ اشتغلت أغلبيتها، تحت مسميات "الخيريات" التي قامت بالاستقبال والتكفل وضمان الخدمات للنزلاء على مدى عشرات السنين، لكن مؤسسات الرعاية الاجتماعية، رغم مهامها النبيلة، كونها تطوعية في الأصل، عرفت في الفترة ما قبل تقنين كيفيات إحداث وفتح وتدبير المراكز الاجتماعية، صعوبات متعددة الأبعاد، من حيث الإعداد والتدبير والتغطية الجغرافية والتخصص بحسب الفئات المستهدفة، أو في ما يخص بلوغ الأهداف ومحصلات الإنجازات وصعوبة تقييم التكلفة والأثر والمردودية على الفرد والمجتمع. ورغم الدور الكبير لهذه المؤسسات، المتمثل في التخفيف من أعباء الحياة على فئات من المجتمع، ما تزال تعرف صعوبات وتواجه عدة تحديات، سواء على مستوى تحديد المسؤوليات أو مجالات التدخل أو على مستوى التوزيع الجغرافي، وتغطية مختلف الفئات المستهدفة، أو على مستوى الحكامة والهندسة الاجتماعية. جهة سوس ماسة درعة الأكثر استقطابا لـ"الخيريات"كشفت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، معطيات صادمة عن واقع مؤسسات الرعاية الاجتماعية، في تقرير يعد الأول من نوعه عن "خيريات" حصرتها الوزير في 1347 مؤسسة خاضعة لمقتضيات القانون، وفق آخر إحصائيات السنة الماضية، فيما يمتد عدد المؤسسات إلى حوالي 1500، يصل عد المستفيدين منها 160 ألفا، يتوزعون بين أشخاص في وضعية إعاقة، أو أيتام، أو أطفال مهملين، أو مسنين.وتنقسم منظومة مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب إلى جيلين من المؤسسات، جيل أول بدأت إحداثاته، منذ العقد الأول من القرن الماضي إلى حدود سنة 2005، بلغ عدد مؤسساته 761 مؤسسة، أي ما يشكل 56 في المائة من مجموع هذه المؤسسات، فيما انطلق الجيل الثاني، منذ سنة 2005، يبلغ عدد مؤسساته 586 مؤسسة، أي ما يمثل 44 في المائة، شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن دور الرافعة، يتميز، وفق معطيات التقرير، بالتطابق مع المعايير المطلوبة قانونا، خاصة في ما يتعلق بالتصاميم والبنايات والمرافق والولوجيات وشروط الوقاية والنظافة والصحة والسلامة وجودة التجهيزات والمعدات. وتتميز خارطة مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالتنوع والتفاوت على المستوى المجالي بين الحضري والقروي، إذ تبلغ المؤسسات الموجودة بالأخير، إلى غاية متم العام الماضي 738 مؤسسة مقابل 609 مؤسسات بالعالم الحضري.ورغم أن "الخيريات" تتوزع بمختلف الجهات، إلا أن حوالي 57,31 في المائة منها تتمركز بخمس جهات، تتصدرها جهة سوس ماسة درعة ب259 مؤسسة، متبوعة بكل من جهة مراكش تانسيفت الحوز ب186 مؤسسة، و118 خيرية بجهة مكناس تافيلالت، و106 أخرى بجهة تازة الحسيمة تاونات بنسبة 7.87 في المائة، و103 مؤسسات بجهة طنجة تطوان. دور الطلبة في الصدارة بـ 984 مؤسسة كشف تقرير وزارة التضامن أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي توجه خدماتها إلى التلاميذ والطلبة، لأنها إقامات مدرسية، "رغم أنها لا تؤوي بالضرورة أفرادا في وضعية صعبة، إذ نجد من بين قاطنيها أبناء الميسورين والطبقة المتوسطة، علاوة على المعوزين، ومن هم في وضعية صعبة"، وفق تصريح للحقاوي. ورغم تسجيل الأهمية الكبيرة للخدمات التي تقدمها المؤسسات الداعمة لمنظومة التربية والتكوين، إذ ذكر التقرير أنها توفر تمدرس فئات عريضة يتجاوز عددها 90 ألف مستفيد، إلا أن هناك خصاصا ملحوظا في توفير بنيات الاستقبال للفئات في وضعية هشاشة وإقصاء، خاصة بالنسبة إلى بعض أصناف الإعاقةـ "فهناك فقط 4 مراكز في العيون". وبعد دور الطلبة، تحتل مراكز الأشخاص في وضعية إعاقة المرتبة الثانية بـ 118 مؤسسة، تليها مراكز رعاية الأشخاص المسنين، ورعاية الأطفال المهملين، والنساء في وضعية صعبة. مؤسسات تعاني صعوبات الاستمرار نبه التقرير الذي أنجز على عينة تضم 921 مؤسسة، و130 زيارة و15 لقاء تشاوريا مع 712 مشاركا، إلى أن العديد من المراكز الاجتماعية، لا تحترم الشروط العامة والخاصة المتضمنة في دفتر التحملات الخاص، مشيرا إلى أن عددا من المراكز الاجتماعية يواجه صعوبات حقيقية في الاستمرار، وتضطر إلى التوقف، الأمر الذي عزته الوزيرة إلى سوء التخطيط والتدبير وتوقف الدعم المالي من الشركاء الأساسيين، أو تأخره أو عدم انتظاميته، فضلا عن استعمال المؤسسة مآوى لحل قضايا اجتماعية ليست لها علاقة مباشرة بمهام المؤسسة وقصور قدرات الموارد البشرية المشرفة على التدبير أو التأطير وتدني أجور مستخدمي بعض المراكز الاجتماعية والصراعات الحزبية والسياسية وانعكاساتها على تدبير بعض المؤسسات. وتم في هذا الصدد، تسجيل العديد من حالات التوقف أو التعثر بين سنتي 2008 و2013، همت كلا من الفضاء المتعدد الوظائف الخاص بالنساء بورزازات، والمركز الاجتماعي بالعروي والمركز الاجتماعي بالفقيه بنصالح ومركز وحدة حماية الطفولة بكل من طنجة ومراكش وؤسسة الرعاية الاجتماعية بالحي الحسني، ودار الطالب بسطات والرشيدية وزاكورة واشتوكة آيت باها والمركب الاجتماعي بزاكورة. 500 درهم أدنى أجر لعاملي الخيريات رغم أن الحقاوي بادرت إلى التأكيد خلال الندوة التي خصصت لتقديم خلاصات التقرير على وجود نقاط مشرقة في هذا المجال، "فهناك مؤسسات اجتماعية وقفت عليها من صنف 5 نجوم، تقدم خدمات ذات جودت عالية"، أقرت الوزيرة بوجود العديد من المشاكل التي تعتري مؤسسات الرعاية الاجتماعية الذي يتباين توزيعها داخل الجهات، بل بالجهة الواحدة، وتعرف تباينات من حيث جودة الخدمات والفئات التي تستقبلها والأسرة التي تخصصها لذلك، وأجور العاملين بها، التي أكدت بخصوصها الحقاوي، أنها تتباين بين 22 ألف درهم و500 درهم، "وهذا أمر لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال، إذ يجب إعادة النظر في كل هذه النقاط". وفي السياق ذاته، اعتبر التقرير تدني الأجور ظاهرة ملفتة، فأغلب المستخدمين يعملون لفترات طويلة لا يتقاضون حتى الحد الأدنى للأجور، ففي إقليم زاكورة مثلا يتقاضى الإداريون 1500 درهم شهريا، والمربون ما بين 500 و1000 درهم، والمستخدمون في المطابخ والنظافة ما بين 500 و900 درهم، مقابل وجود رواتب تصل إلى 22 ألف درهم "أي أن أعلى راتب يضاعف الأدنى ب44 مرة، وهو التفاوت نفسه المسجل على مستوى رواتب مديري مؤسسات الرعاية الذي تتباين أجورهم بين 22 ألف درهم و1500 درهم رغم أن المفروض أنهم يقومون بالمهام ذاتها"، ووقف التقرير أيضا في هذا الصدد على عدم تمتيع غالبية المستخدمين من نظام الحماية الاجتماعية، وعدم توفر غالبيتهم أيضا على عقود شغل، علاوة على معاناة العديد من المؤسسات من ديون متراكمة عن مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما أدى إلى مصادرة حسابات بعض الجمعيات، مؤسسي المراكز الاجتماعية. الاكتظاظ مشترك بين العديد من الخيريات تعاني العديد من المؤسسات، سيما المراكز المهتمة بمحاربة التسول والتشرد ودور الطلبة بالعالم القروي، من ظاهرتي الاكتظاظ والاختلاط بين فئات غير متجانسة من المستفيدين، سواء الدائمة أو الظرفية، رغم التحسن المسجل في غالبية المؤسسات مقارنة مع ما كان عليه الوضع سنة 2005 وما قبلها، إلا أن طبيعة الخدمات وأسلوب تقديمها للمستفيدين، خاصة بالنسبة إلى الأطفال لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ما يؤثر في تنشئتهم وعلاقاتهم بالمجتمع. ونبه التقرير إلى عدم إعطاء الأولوية للخدمة والإرشاد الاجتماعيين داخل المؤسسات، ويشكل عدم توفير الأخصائيين الاجتماعيين القاعدة بمؤسسات الرعاية الاجتماعية. ورغم أن معظم مؤسسات الرعاية الاجتماعية تتوفر على بنايات مناسبة، فيما يحتاج عدد محدود منها تأهيلا شاملا أو جزئيا، في المباني أو التجهيزات كما هو حال مؤسسات أقاليم تارودانت وسيدي إفني وتيزنيت وزاكورة والصويرة وسيدي قاسم وشفشاون وتاونات وقلعة السراغنة والرحامنة وشيشاوى والحوز، وتحتاج دار المسنين بالصويرة ودار الطالب والطالبة بسيدي الكامل ودار الطالبة بتمالكت، تغييرات عميقة.وتتميز الوضعية المالية للغالبية العظمى من مؤسسات الرعاية الاجتماعية بضعف الموارد، التي تتشكل أساسا من الإعانات المقدمة من وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية لبعض المركبات الاجتماعية والمؤسسات، فضلا عن المنح السنوية للتعاون الوطني ومنح بعض الجماعات الترابية وقسط من مداخيل الرسم الإضافي على الذبح ومساهمات المؤسسين وتبرعات المحسنين. وبالنظر إلى عدد المؤسسات المحدثةـ لا تغطي الإمكانيات العمومية المرصودة الحاجيات المتزايدة لهذه المؤسسات، كما أن التكلفة العامة اليومية للفرد تعرف اختلافا حسب نوع المؤسسة وفئات المستفيدين وسنهم وحالتهم الصحية، إذ أثبتت إحدى الدراسات الميدانية أن كلفة التكفل على مستوى مقبول من الجودة يصل 30 درهما للفرد يوميا. مـداخـــل الإصــلاح بعد تقييم شامل لوضعية مؤسسات الرعاية، خلص تقرير الحقاوي، إلى رسم الخطوط العريضة للإصلاح الذي أكدت الوثيقة أنه بات ضرورية في سياق الظرفية الحالية التي تجعل المغرب من البلدان التي تجعل قيم حقوق الإنسان من المبادئ الأساسية لها، وفي سياق دستور ينص على تمكين المستفيدين من كافة حقوقهم التي تكفل كرامة العيش. وتقوم منهجية الإصلاح، وفق التقرير على بلورة سياسة قائمة على التخطيط والتعاقد والتقويم وتقديم الحسابات، من خلال إحداث سياسات عمومية وقائية، ضمنها وضع سياسية عمومية مندمجة للأسرة تتماشى مع أهداف الوزارة بجعل سنة 2014 سنة الأسرة، ستمكن من تفادي العديد من الظواهر، فضلا عن بناء مسؤولية اجتماعية مشتركة قائمة على تحقيق الالتقائية المبنية على التعاون، ورصد ميزانية بحجم الإصلاح المرتقب ووضع ميثاق وطني للاحتضان".

اختلالات في تدبير 1400 خيرية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنعبدالله يشيد بإنجازات العامل السابق لقلعة السراغنة

التحقيق مع طبيب في وفاة قاض بآسفي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات