الحكومة تخرق الدستور أمام أعين المجلس الدستوري

مقاربة قانونية للمساهمة الإبرائية في قانون مالية 2014 وقفت دراسة للأستاذ عبد الكبير طبيح التي توصلت "الصباح" بنسخ منها عند التعديل الذي عرضته الحكومة على القانون المالي أمام مجلس المستشارين المتعلق بالمادة 4 مكرر مرتين وعلى الخصوص رقم 2 من الفقرة الخامسة، التي نصت تحت بند "مقتضيات مختلفة" على أن "يستفيد الأشخاص المعنيون الذين اكتتبوا في المساهمة الإبرائية من ضمان كتمان الهوية برسم جميع العمليات المنجزة في إطار هذه المساهمة ويستفيدون لهذا الغرض من مقتضيات الفصل 79 من القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان "والهيآت المعتبرة في حكمها، وكذلك على أن "لا تجري أي متابعة إدارية أو قضائية، بعد أداء مبلغ المساهمة الإبرائية برسم الممتلكات والموجودات المصرح بها ضد الأشخاص المعنيين سواء برسم المقتضيات التشريعية والأحكام التنظيمية للعرف أو برسم التشريع الجنائي". بداية تجدر الاشارة إلى أن تفسير القانون لا يخضع ولا يجب أن يخضع للشرح اللغوي للعبارات التي تكتب بها المقتضيات القانونية، فاللغة ليست إلا وسيلة لنقل القواعد و المفاهيم ، تلك القواعد أو المفاهيم التي قد تكون قانونية أو فلسفية أو طبية أو هندسة أو موسيقية. اللغة إذن هي وسيلة تتكفل بنقل القاعدة أو المفاهيم من جهة الإصدار إلى جهة الملتقى، وهي بذلك لا تحل محل القاعدة ولا محل المفاهيم التي تنقلها، وينتج عن ذلك أن القانون لا يفسر لغويا وهو، مع الأسف، ما درجنا على سماعه في السنوات الأخيرة عندما أصبح الناس يعطون لأنفسهم سلطة تفسير القانون فقط لأنهم يعرفون قراءة اللغة التي كتب بها، في حين أن تفسير القانون يخضع لضوابط ومضامين ومفاهيم ومرجعيات لا تنقلها اللغة التي يكتب بها القانون، ولا يلم بها إلا رجال ونساء القانون الذين يفسرونه في سياق مفاهيم ومرجعيات القواعد القانونية، كما هي معمول بها في القانون المغربي ومتعارف عليها في القانون المقارن لجميع الدول . ومرد هذه الإشارة إلى أن الحكومة، وهي تقدم تعديلا على قانون المالية في فصله 4 مكرر مرتين، فهي في الواقع ترفع طابع الجريمة على الأموال الموجودة بصفة غير قانونية خارج المغرب من جهة وتلزم البنوك، بعد الإعلان عن أصحاب تلك الأموال وتمنعها من القيام بمهمتها القانونية في تبليغ الخلية التي تتابع غسل الأموال التي يترأسها رئيس الحكومة، على أن المادة المذكورة رفعت عن الأموال المملوكة للمغاربة والموجودة بصفة غير قانونية خارج المغرب طابع الجرمية، مع أن وجود تلك الاموال خارج المغرب مجرم بمقتضيات قانون الصرف المنظم بظهير30/8/1949، ومجرم بالقانون الجنائي على الخصوص الفصل 1/574 وما بعده المتعلقة بمعاقبة تبيض الأموال ومجرم بمقتضيات الفصل 262 مكرر المتعلق بعدم التصريح بالممتلكات ومجرم بمقتضيات الفصل 299 من القانون الجنائي المتعلق بمعاقبة عدم التبليغ عن جناية. كما أن المادة 4، وهي ترفع طابع الجريمة على تلك الأفعال فهي تلغي، في الواقع، وتسقط أي متابعة بخصوصها، علما أن إسقاط المتابعة على فعل إجرامي هو من الناحية القانونية إصدار لعفو شامل. الدستور يمنح اختصاص العفو الشامل للبرلمان بخصوص مدى مطابقة المساهمة الإبرائية التي قدمتها الحكومة لقواعد الدستور، لابد من التذكير بالمعنى والمفهوم القانوني للعفو الشامل أو العفو العام واختلافه عن العفو الذي يصدره الملك. من المعلوم أن كل رؤساء الدول ملوكا أو رؤساء جمهوريات يمنحهم دستور بلادهم حق إصدار العفو على كل من صدر في حقه حكم يحرمه من حريته أو تفرض عليه عقوبة مالية. كما أن جميع الدساتير التي عرفها المغرب لم تخرج عن هذا السياق، أي أنها نصت على حق الملك في إصدار العفو على كل من صدر في حقه حكم بل إن التعديل الذي دخل على ظهير العفو يعطي للملك الحق في أن يصدر العفو حتى قبل صدور الحكم. لكن هذا العفو، وهو المعروف بالعفو الخاص يتوجه للشخص مرتكب الفعل الجرمي، ويمتد أثره الى المستقبل، أي يمحو أثر العقوبة في المستقبل، ولا أثر له على الماضي، فالملك عندما يصدر عفوا يرفع عن المعني العقوبة الحبسية سواء بدأ المعني في تنفيذها أو قبل ذلك، ولا يبقى لتلك العقوبة أي اثر في المستقبل. بينما العفو الشامل أو العفو العام، كما جاء في دستور 2011، فهو من مجال اختصاص البرلمان الذي يصدر بشأنه قانونا يصوت عليه نواب الأمة، وهو يتوجه إلى الفعل الجرمي، وليس إلى شخص الفاعل، كما هو الحال في العفو الخاص، ويرفع عن ذلك الفعل الطابع الجرمي أي يصبح ذلك الفعل عملا مشروعا، أي يعطي شرعية للأفعال السابقة التي كانت معاقب عليها لتصبح مشروعة، ولا يمكن المعاقبة عليها. وعندما نعود إلى الفقرة 5 المعنونة بـ "مقتضيات مختلفة" المشار إليها أعلاه يتبين أنها ترفع طابع الجرم على وجود وتملك أي أموال أو ممتلكات وغيرها التي توجد خارج المغرب وتعود ملكيتها للمغاربة المقيمين بالمغرب، لأن تلك الفقرة تمنع إجراء أي متابعة تتعلق بالتشريع الجنائي سواء منها القانون الجنائي أو قانون زجر مخالفات مكتب الصرف ضد من يملكون تلك الأموال والممتلكات.علما أن وجود أموال تعود ملكيتها للمغاربة المقيمين بالخارج سواء كانت عقارية أو نقدية أو غيرها هي من الناحية القانونية، في المغرب أو في كل الدول الأخرى، أموال غير قانونية اي مهربة سواء بالنظر إلى أن مصدرها الناتج عن كونها متحصلة من جريمة كالمخدرات أو الرشوة في الصفقات الدولية أو تبييض الأموال. أو قد يكون مصدرها مشروعا باعتبارها ناتجة عن تجارة بالمغرب، لكن اصحابها اخرجوها من المغرب بطرق مخالفة لقانون الصرف من اجل التهرب من الضرائب. لا شـــيء يمـنـع مـن إبـــداء الـــرأي عندما صوت على تلك الفقرة يكون أضفى الشرعية على فعل إجرامي معاقب عليه بالقوانين الجاري بها العمل بالمغرب، ومنع إجرء أي متابعة بخصوصه، وهو ما يعني من الناحية القانونية إصدار البرلمان عفوا شاملا أو عاما بخصوص تلك الجرائم. لكننا لسنا في سنة 1959 أو 1962، بل نحن في سنة 2014 أي وفي ظل دستور 2011 الذي أحدث قاعدة دستورية جديدة لم يكن منصوصا عليها في الدساتير الأخرى التي عرفها المغرب ترمي الى تفعيل وتطبيق العفو الشامل، وهي القاعدة الواردة الفصل 49 من الدستور، والتي نصت على أنه من بين القوانين التي يجب على تعرض على المجلس الوزاري، قبل عرضها على البرلمان، القانون المتعلق بالعفو الشامل أو العام، إذ ينص الفصل المذكور على أن "المجلس الوزاري يتداول في مشروع قانون العفو العام". ألزم دستور 2011 الحكومة قبل عرض أي مشروع قانوني يتعلق برفع الطابع الجرمي على فعل مجرم بالقانون الزجري، سواء كان القانون الجنائي أو قانون زجر مخالفات الصرف أن تعرضه مسبقا على المجلس الوزاري للتداول بشأنه، كما أن الحكومة عندما قدمت تعديلها على قانونها المالي أمام مجلس المستشارين ودون أن تعرض الفقرة المشار اليها أعلاه على المجلس الوزاري للتداول فيها، تكون قد خرقت الدستور في فصله 49 خرقا واضحا. غير أن المجلس الدستوري عندما عرض عليه القانون المالي للبحث في مطابقته الدستور بمناسبة الطعن الذي قدمته بعض فرق المعارضة أصدر بشأنه قراره رقم 931.13 م.د في ملف عدد 13/1388 بتاريخ 30 دجنبر 2013، وصرح بأن قانون المالية ليس فيه ما يخالف الدستور. ومع استحضار أن ما تناولته الدراسة لن يغيب عليه أن قرارات المجلس الدستوري غير قابلة لاي طعن، غير أنه لا شيء يمنع من إبداء الرأي وفتح النقاش حولها لما فيه خير لتطوير اجتهاد المجلس و مؤسسات الدولة. المجلس الدستوري شرعن أعمالا يجرمها القانون لقد صرح المجلس الدستوري في حكمه بأن المآخذ المستدل بها للطعن في دستورية قانون المالية برسم سنة 2014 لا تنبني على أساس دستوري صحيح، ما يجعل هذا القانون ارتباطا بذلك، ليس فيه ما يخالف الدستور، في حين أن قانون المالية تضمن تعديلا يتعلق بعفو عام يتمثل في رفع الطابع الجرمي على أفعال هي مجرمة بمقتضى القانون الجنائي والقانون الزجري لمكتب الصرف. كما تجب الإشارة إلى أننا لسنا أمام قانون تنظيمي، ولا نظام داخلي لأحد مجلسي البرلمان التي يحال بقوة القانون على المجلس الدستوري لمراقبة مطابقتها للدستور، لأن الإحالة بقوة الدستور تعني أن المجلس الدستوري يضع يده ويفحص كل الفصول المكونة لهذا النوع من القوانين والأنظمة الداخلية، حتى ولو لم يقدم بشأنها أي طعن في دستوريتها، فهو في هذه الحالة يتفحص كل نصوص القانون التنظيمي، وكل فصول النظامين الداخليين لمجلس البرلمان للتحقق من أنها لا تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور. وعندما يحال على المجلس الدستوري من قبل ربع أو أكثر من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين طعن يتعلق بعدم مطابقة قانون عادي للدستور، فهل المجلس يحصر نظره فقط في المآخذ التي ضمنت في عريضة الطعن، أم أن مهمته تمتد لفحص كل القواعد المضمنة في ذلك القانون للتحقق من مطابقتها من عدمه للدستور، قبل أن يصرح بأن ذلك القانون غير مخالف للدستور، كما هو الشأن في قرار المجلس الدستوري المذكور؟. الجواب على هذا التساؤل، يحسم فيه قرار المجلس الدستوري نفسه من جهة ويحسم فيه الفصل 23 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري من جهة ثانية. فيما يخص ما قضى به المجلس الدستوري، وهو يبت في الطعن الذي قدمته بعض أحزاب المعارضة، مع العلم أن عريضة تلك الأحزاب لم تتطرق للمشكل موضوع هذه المقالات، فإن المجلس الدستوري في قراره المذكور لم يحصر نظره فقط في المآخذ التي قدمت له في تلك العريضة، وإنما بالنظر للصيغة اللغوية التي استعملها في منطوق قراره يفهم منها أنه يكون قد تجاوز المآخذ، ونظر في كل فصول القانون، وخلص إلى أن ذلك القانون بكل فصوله ليس فيه ما يخالف الدستور.وبالفعل، فإنه بالرجوع إلى منطوق ذلك القرار يتبين أن ما ذهب إليه المجلس الدستور ليس تجاوزا لصلاحياته بدعوى أنه كان عليه أن يحصر نظره في حدود المآخذ المضمنة في عريضة الطعن المقدمه له ، وإنما هو إعمال وتطبيق سليم للفصل 23 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري الذي ينص على أن المجلس الدستوري "يبت في مطابقة القانون للدستور خلال شهر منذ إحالته إليه أو ...." فالقانون التنظيمي للمجلس الدستوري الأصلي قبل أن تدخل عليه تعديلات متعددة والصادر في 25/2/1994 لم تذهب ارادة المشرع فيه الى قصر اختصاص المجلس الدستوري وهو يبت في الطعن في دستورية قانون عادي في المآخذ المضمنة في عريضة الطعن، وإنما ذهبت إرادة المشرع إلى ابعد من ذلك وفتحت المجال للمجلس الدستوري ليبسط رقابته على كل المقتضيات التي يتضمنها القانون العادي المحال عليه وأن لا يحصر نظره فقط في المآخذ المضمنة في العريضة المقدمة له، وهي الإرادة الثابتة من صياغة المادة 23 المذكور. والخلاصة هي أن المجلس الدستوري أعلن أن قانون المالية لسنة 2014 ليس فيه ما يخالف الدستور، مع أن ذلك القانون تضمن المادة 4 مكرر مرتين التي رفعت الطابع الجرمي على أفعال مجرمة بالقانون الجنائي، وبظهير المتعلق بجزر مخالفات مكتب الصرف، وهو ما يعني أنها تضمنت عفوا عاما أو شاملا، وهو ما كان يلزم الحكومة أن تعرض تلك المادة على المجلس الوزاري للتداول بشأنها، وفقا للفصل 49 من الدستور قبل أن تعرضها على البرلمان. عبد الكبير طبيح

الحكومة تخرق الدستور أمام أعين المجلس الدستوري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتعاش سوق بيع خصلات الشعر

الجزائر ترحل 27 سوريا نحو الحدود المغربية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات