مجازر البيضاء … حلقات جديدة من المسلسل التركي

الشركة رفضت بشكل صريح إعادة تركيب نظام تبريد جديد ولجنة التنسيق والتتبع لم تحرك ساكنا خبر غير سعيد للذين يتوقعون سنة 2014 الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي في مجازر البيضاء، فالأكيد أن موعدها لم يحن بعد، ولن يحين إلا سنة 2018، التاريخ المحدد في العقدة التي تربط مجلس المدينة بالشركة التركية "إنليوير"، حتى وإن كان البعض فهم من رسالة الشركة إلى مجلس المدينة، التي تعبر فيه صراحة عن عجزها عن إعادة تركيب نظام تبريد جديد بعد فضيحة متكررة لتسرب غاز الأمونياك، (فهم) أن الأتراك مغادرون، إلا أن الرسالة أكدت أن دفتر التحملات لا يلزم الشركة بنظام تبريد جديد، فيما ألحت النقابات المهنية على أن الفصل 14 من الدفتر نفسه، يلزمها بذلك. "لن نتمكن من إنفاق 23 مليون درهم لإعادة تركيب نظام تبريد جديد"، هذا ما عبر عنه، بثقة عالية، مدير الشركة بالمغرب، أميت أكتشاي وهو يرتشف الشاي الأسود، لنفي ما راج عن انسحاب الشركة من تدبير هذا المرفق، قبل أن يضيف، دون أن تزعجه روائح السقط التي تحتل حتى مكاتب المسؤولين، متسللة من قاعات الذبح، ولا أن يزعجه هدير الآلات وضجيج حركة مهنيي اللحوم وعمالهم في الداخل والخارج، (يضيف) أن هناك أطرافا قرأت رسالته إلى مجلس المدينة بتأويل مقصود، رغم أنها لم تحمل أي إشارة إلى أن الشركة التركية ستنسحب من التدبير المفوض لأحد أهم المرافق العمومية بالبيضاء. تحملات متناقضة...سنة 2006 بدأت الحلقة الأولى من التدبير المفوض لمجازر البيضاء من قبل الأتراك، ولم تمر إلا بضعة أسابيع حتى سدت أجسام حوالي 300 عامل باب المجازر الرئيسي، رافعة ملفاتها المطلبية في وجه الشريك الجديد، "كنا نعلم أن الأمر لا يتعلق فقط بحقوق عمال، يمكن تسويتها بالحوار، لكننا أدركنا أن هناك جهات تحاول عرقلة عملنا قبل أن نشرع فيه، وهي الجهات نفسها التي واصلت معركتها ضدنا وظلت تنشر الأخبار الزائفة عنا لمدة ست سنوات، دون أن يهز ذلك ثقتنا في القدرة على العمل بجدية، وعلى حل كل المشاكل التي تعترضنا ويشير دفتر التحملات إلى مسؤوليتنا في تحملها"، يقول شعبان يافوز، مدير العمليات، بالشركة التركية، وهو يبذل قصارى جهده للتحدث بالدارجة المغربية، ويكرر عباراته مرات ومرات حتى لا يخطئ متحدثه الفهم. لا يتعلق الأمر بفشل كل الترجمات في بسط المشاكل التي استقبلت الشركة منذ أول يوم لها في الدار البيضاء، بل في اقتناع مسؤوليها بأن هناك من يفرش طريقهم عنوة بالشوك، وهنا يقول محمد الذهبي، المنسق الوطني للاتحاد العام للمقاولات والمهن "الأمر لا يتعلق بمؤامرة، بل باختلالات مالية وتقنية بالوثائق، وهي موضوع بحث تقوم به عناصر الشرطة القضائية، بعد شكاية وضعناها لدى الوكيل العام للملك بالبيضاء".الاختلالات التقنية والمالية التي تحدث عنها الذهبي، والتي حركت بحثا قضائيا، سبق أن تضمنها تقرير سابق عن النقابة نفسها، إذ حمل توالي حوادث تسرب غاز الأمونياك بقاعة التبريد بالمجازر إلى "غياب مجلس المدينة في مراقبة الشركة المسيرة للمجازر في إطار التدبير المفوض"، فالشركة التركية لا تحترم بنود دفتر التحملات ورئيسة مصلحة التنسيق والتتبع التابعة للجماعة لا تقوم بواجبها في مراقبة الشركة المفوضة"، كما جاء في التقرير أن المكتب النقابي للقصابة، المنضوين تحت لواء الاتحاد نفسه، نبهوا السلطات محليا وجهويا ومركزيا، منذ أزيد من سنة ونصف، إلى أن "تقريرا مفصلا عن اختلالات مالية وتقنية بالمجازر البلدية"، ضمنها تلاشي آليات ما يتسبب في تسرب غاز الأمونياك، وعزز المكتب رسائله إلى المسؤولين بتقارير مكتب المراقبة "فيرتاس". إلا أن الشركة ردت على تقرير النقابة بتأكيد أن الأمر يتعلق بملاحظات قديمة لمكتب "فيرتاس"، وأن الأخير زار المجازر مرة أخرى وأعد تقرير جديدا، يؤكد فيه مجهودات الشركة لإصلاح الآليات.بعد حوالي سنة من البيانات والبيانات المضادة، ستسلم إدارة الشركة التركية بالواقع، وتبعث برسالة إلى مجلس المدينة، لتأكيد أنها غير مسؤولة عن "إعادة بناء نظام جديد لقاعة التبريد، يمكننا أن نتحمل إنجاز إصلاحات، لكن إعادة تركيب نظام جديد ليس من مسؤوليتنا ولا يرد في أي بند من بنود دفتر التحملات" يقول أميت أكتشاي، مضيفا بلغة جازمة "هذه ليست مسؤوليتنا، خاصة أن الغلاف المالي لإعادة تركيب نظام جديد يصل إلى 23 مليون درهم، وقد استثمرنا حتى الآن 24 مليون درهم في إعادة تجديد بعض التجهيزات والبنية التحتية من قنوات صرف صحي وتجديد وتجهيز مختلف القاعات بآليات عصرية جديدة، وهذا يدل على أننا نحترم دفتر التحملات".إذا كانت الشركة تستعين بدفتر التحملات للرد على خصومها، فإن هؤلاء أيضا يفتحون الدفتر نفسه، ويقرؤون من فصوله ما يدين، حسبهم الشركة التركية التي تمكنت من حصد فارق يصل إلى 14 مليار سنتيم في المداخيل عن الشركة الإسبانية التي سبق أن سيرت المجازر قبلها. "هذا رقم كبير جدا، فالشركة التركية أنتجت حتى الآن 140 ألف طن من اللحوم وحققت مداخيل وصلت إلى 280 مليون درهم، أي أن الفارق بينها وبين الشركة الإسبانية وصل إلى 14 مليار سنتيم، لكنها رغم ذلك"، يقول الذهبي، "اختارت أن تتحدث عن عجزها عن تجديد نظام التبريد، رغم أن الفصل 14 من دفتر التحملات يشير بوضوح إلى أن الاستثمارات وتجديد الآليات على نفقة الشركة، أكثر من ذلك الشركة ملزمة ببناء قاعتين لبيع اللحوم وبيع السقط، قبل نهاية السنة الثانية من اشتغالها، وإذا لم تقم بذلك فهي ملزمة بأداء غرامة تصل إلى 1 من ألف من قيمة الاستثمار، فأين هو مجلس المدينة لتطبيق ذلك أو إلزام الشركة باحترام التزاماتها؟".لا تتوقف "الاختلالات المالية" التي تحدث عنها المسؤول النقابي نفسه عند هذا الحد، بل إن "الشركة كانت ملزمة بتخصيص 0.13 من المداخيل لما يسمى "الحساب الاحتياطي"، وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة فإننا سنجد أن الشركة ملزمة بأداء 18 مليار سنتيم و800 مليون سنتيم لهذا الحساب، لأنها لم تضع ولو سنتيما واحدا منذ بداية اشتغالها".للتهرب من إنفاق 200 ألف درهم شهريا في معالجة المياه العادمة، استمرت الشركة التركية، حسب الذهبي في استخدام قناة صرف سرية أنجزتها الشركة الإسبانية، رغم أن الفصل 17 يشير في فقرته الأولى إلى أن على الشركة اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لاستخدام محطة لمعالجة صرف المياه العادمة، و"لأنها تكلف 20 درهما للمتر المكعب ومبالغ أخرى لاقتناء مواد كيمياوية، فإن الأتراك فضلوا استخدام القناة السابقة".بالنسبة إلى الشركة فإن من بين أهم استثماراتها تجديد قنوات الصرف الصحي، التي كانت سابقا تشكل إحدى إكراهات العمل في المجازر. تســــــيــــــيـــــر... بعد بضعة أشهر على الشروع في العمل، وهي بداية لم تكن سهلة، بسبب الاحتجاجات التي استقبلت الأتراك باللافتات، تبين للشركة أن النقابات المهنية المعارضة لطريقة تسييرها، ليست العدو الواحد الذي تواجهه، خاصة عندما يكون مسلحا بالمعرفة الدقيقة لبنود دفتر التحملات، وأهم الثغرات التي يمكن التسلل عبرها للإفلات من المحاسبة، بل أصبح لزاما عليها أن تحسب ألف حساب لمنافس شرس آخر يهدد مصالحها. فبدأت رحلة البحث عنه، وعن الآليات التي يشتغل بها، والأسباب التي تجعل المستهلك المغربي يطلب لحومه، دون لحوم المجازر العصرية الكبيرة، "تبين لنا أن هذا المنافس قوي يديره أباطرة الذبيحة السرية، ولن يقتصر الأمر هنا على تهديد مدخولنا اليومي، بل يضر كذلك بمدخول الدولة من الضرائب وبصحة المستهلك البيضاوي الذي يقبل على لحوم الذبيحة السرية"، يقول أميت أكتشاي، مدير الشركة التركية.من على سفح هذه الشهادة ينزلق سؤال حول ما إذا كان مجلس المدينة يتحمل مسؤولية تراجع مداخيل المجازر بسبب الذبيحة السرية، ليرد مديرها بلهجة مدافع "لا، لا نحمل المسؤولية لمجلس المدينة، هناك عدة أطراف تتدخل في العملية، مثلا على المكتب الوطني للصحة والسلامة أن يحفظ صحة البيضاويين، وعلى الأمن أن يشن حملات ضد مروجي لحوم الذبيحة السرية واللحوم المهربة، كما على الولاية أن تأخذ هذا المشكل بجدية".من بين 1000 رأس بقر التي يمكن أن تذبحها مجارز البيضاء، لا تحقق الشركة إلا الثلث أي حوالي 350 رأس بقر ومن بين 4000 رأس غنم لا تصل إلا إلى حوالي 1300 رأس غنم، والغريب أن الذبيحة السرية تحقق الرقم نفسه، حسب ما أشار إليه جمال فرحان، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين فرع نقل اللحوم، فيما يشير تقرير سابق أصدره الاتحاد العام للمقاولات والمهن، إلى أن الرقم أكبر بكثير، ملحا على أن 90 في المائة من لحوم البيضاويين مصدرها الذبيحة السرية، وهو رقم يستبعده مدير العمليات بمجازر البيضاء، "ربما 40 إلى 50 في المائة مصدرها الذبيحة السرية". على رأس من تقع صخرة المسؤولية؟ سؤال يحاول شعبان أن يرفع ثقله ما استطاع عن جسم مجلس المدينة الهزيل، "لا يجب تحميل المسؤولية إلى مجلس المدينة رغم أن العقدة تربطنا، ونحن من جهتنا لا نرى أن المجلس قد أخلف أي بند من بنود اتفاقنا".لكن بالنسبة إلى محمد الذهبي فالمجلس يتحمل مسؤولية كل يجري في المجازر، بدءا من اختيار شركة ليست ضليعة في مجال الذبح، بقدر ما هي متخصصة في التقطيع، كما واصل المجلس خروقاته بتعيين مراقبة ليست من أهل الاختصاص، إذ في الوقت الذي يواجه فيها طبيبان بيطريان تابعان لوزارة الداخلية العطالة في المجلس، تترأس مسؤولة لا علاقة لها بالميدان لجنة التنسيق والتتبع، وهي المسؤولة نفسها التي عطلت اجتماعات اللجنة، بعد أن كانت تجتمع كل ثلاثة أشهر لتقييم العمل والوقوف على حلول لأهم المشاكل."صحيح أن هناك إكراه الذبيحة السرية، لكن هل يمكن للأتراك تحقيق 1000 رأس بقر و4000 رأس غنم، وهم الذين عجزوا ذات يوم عن تدبير 900 رأس بقر و3000 رأس غنم فتوقفت كل مصالح المجازر وأصيب الجميع بحالة ارتباك شديد، هذا لأن الشركة تعتمد على أشخاص غير مهنيين، وليست لها تجربة في الذبح، كما أنها واجهت المهنيين بلغة الطرد في أول مرة أشاروا إلى تخبطها في مشاكل لولا أن القضاء أنصفهم وأعادهم إلى العمل". يضيف المسؤول النقابي الذي تحدث عن "تواطؤ" مفضوح. عادات الاستهلاك وارتفاع الرسوم تشجع الذبيحة السرية لا يتهرب الجزارون الذين يتعاملون مع أباطرة الذبيحة السرية من ثقل الضريبة فحسب، ولا ينسحبون من المجازر بسبب قرارات الشركة التي يعتبرونها انفرادية ولا تشركهم كمهنيين في اتخاذها، بل إن أزيد من ست سنوات من العمل، جعلتهم يسلمون بالأمر الواقع، ولم تعد طريقة تسيير الشركة تدعوهم إلى فتح نقاش، خاصة بعد أن ظلت تساؤلاتهم عالقة لمدة طويلة. هروبهم إذن من المجازر يمكن نسبه إلى عامل آخر تفرضه عادات استهلاك اللحوم عند المغاربة، فالمغربي "يعتقد أن اللحوم الجيدة هي تلك التي تأتي مباشرة من ذبيحة لم يمر على ذبحها إلا بضع ساعات، لكن المصالح البيطرية بالمجازر تفرض على المهنيين الاحتفاظ باللحوم لمدة لا تقل عن 24 ساعة حتى تجف". يسجل أحد مهنيي اللحوم، ويضيف "الجزارون جربوا لحوم المجازر، لكنهم وجدوا أن المستهلك يطلب أكثر لحوم الذبيحة السرية، لأنها تخرج من البيوت السرية مباشرة إلى البيع وفي وقت مبكر جدا، هذا إضافة إلى أن لحوم المجازر تتأخر في الوصول إلى الجزارين، فعلى سبيل المثال لحوم السقط لا يجب أن تتأخر عن الساعة الثامنة صباحا عند الجزار، لكي يتسنى له ترويجها خاصة أن المغرابة لا يتناولون السقط في وجبات العشاء، بل يحضرونها للغذاء، وحين يتوصل الجزار بالسقط في الساعة الثانية أو الرابعة عصرا فإنه تسبب له خسارة"، يقول المهني نفسه، مؤكدا أن أغلب الجزارين عزفوا عن لحوم المجازر لأن المستهلك لا يقبل عليها، بقدر إقباله على لحوم طرية، "هناك مثل شعبي مغربي يقول "دمو على خدو" ويقصد بها اللحم الطري، الذي يأخذ من الذبيحة مباشرة بعد ذبحها، فهذا ما يعتبرونه لحما جيدا، أما الذي يقضي ساعات في ثلاجات التبريد فإنه بالنسبة إليهم قديم"، لذلك يقول المهني قد يقطع المغربي مسافة طويلة للحصول على لحوم الذبيحة السرية ويترك لحوم المجازر، وهذا ما لاحظه الجزارون الذين عانوا لفترة كسادا، فلجؤوا بدورهم إليها". من جهته زكى جمال فرحان هذه الشهادة مؤكدا أن المهنيين سبق أن ناقشوا هذه المشكلة، والحل يكمن في "فتح المجازر في الثالثة صباحا وبدء تسليم اللحوم إلى الجزارين في الساعة الثامنة صباحا إلى العاشرة في أقصى تقدير".ولا يمنع هذا العامل وحده المهنيين من التعامل مع المجازر، التي كلفت مجلس المدينة 75 مليار سنتيم، وكلفته قرضا يؤدي أقساطه سنويا بما مجموعه 5 ملايير سنتيم ولن تنتهي إلا سنة 2025، بل إن ارتفاع رسوم الذبح بها والتي تصل إلى 2.60 درهم للكيلوغرام تطرد المهنيين من المجازر، لذلك طالبوا بتخفيض الرسوم، إلى 0.90 درهما للكيلوغرام كما هو الحال مجازر المحمدية. علاقات...قد يعتقد البعض أن العلاقة بين مجلس المدينة والشركة التركية متوترة، لأن الأخيرة استسلمت أخيرا أمام مشكل تسرب غاز "الأمونياك" بعد إصلاحات متكررة، التهمت المال وظهر في نهاية المطاف أن الحل يكمن كما قال مهنيون سنة 2009، في إعادة تغيير نظام التبريد بأكمله، إلا أن رسالة الشركة إلى المجلس التي أعلنت فيها رفضها عن صرف 23 مليون درهم لإعادة تركيب نظام تبريد جديد، لم تعجل بعقد أي اجتماع من اجتماعات مجلس المدينة، ولم تدع لجنة التنسيق والتتبع إلى إعادة قراءة فصول دفتر التحملات للبحث عن الثغرة التي سمحت للشركة بإعلان رفضها الصريح، ولا البحث في ما تسميه النقابات "اختلالات" هي موضوع بحث قضائي اليوم، وموضوع أسئلة واستفسارات المجلس الأعلى للحسابات الذي يتوقع أن يستمع في الأسبوع الجاري إلى بعض مسؤولي هذه النقابات. ضحى زين الدين

مجازر البيضاء … حلقات جديدة من المسلسل التركي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

متهمون في قضايا مخدرات بفاس يجرون جهات نافذة إلى المحاكمة

اتهام أب باغتصاب ابنته بالتبني

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات