حد السوالم… فوضى مدرة للملايين
كلاب وأوساخ في مستنقع “الكرنة” وسوق أسبوعي يهدد الصحة العامة
كثيرة هي عوامل الإهمال والفوضى التي غزت السوق الأسبوعي حد السوالم، فجعلت مرافقه وفضاءاته مرتعا لمختلف المظاهر السيئة التي لا تسر زائريه من المتسوقين.. في الجولة التالية نقل لصورة “غير مشرفة” لمرفق يدر ملايين السنتيمات كل عام في خزينة الجماعة، لكن العناية بفضاءاته هي الغائب الأكبر…
يسرى عويفي/ تصوير (عبد اللطيف مفيق)
كانت زيارتنا “موجهة” برفقة من يعرف ماضي هذا الفضاء التجاري التقليدي، ويأسف شديد الأسف لما آل إليه حاله، وما صارت تعمه من فوضى كثيرة، تسوده وتحف جميع مرافقه.
إنه السوق الأسبوعي “حد السوالم” الذي طالما شكل وجهة، ليس فقط لسكان السوالم والضواحي، وإنما كان مقصدا للبيضاويين الباحثين عن مواد غذائية ولحوم حمراء طرية، وإذا لم يتناول الزائر لحد السوالم وجبة شواء بمقاهيه المتراصة على طول طريق الجديدة، وبالضبط بالنقطة الكلمترية 30، فكأنه لم يزر السوالم ولا غنم من “خيراتها”.
القرية المدينة
لطالما عرفت حد السوالم بسوقها الأسبوعي، الذي سبقت شهرته تاريخ هذه المدينة النامية بعقدين من الزمن، لكن المخططات الإدارية واضطرته إلى الانتقال من مكانه الأصلي الذي عرفه فيه “السالميون” عندما كانت المنطقة مجرد بادية تضم هكتارات شاسعة من الأراضي الفلاحية، إلى الأراضي القريبة من منطقة الحداية، وهو الذي يوصف بدوره حاليا، بالسوق القديم، لأن مشروعا لتنقيله انتهت أغلب أشغاله دون أن يتم نقل هذا الفضاء التجاري المنعقد أسبوعيا إليه.
وبعد عقود من استغلال الفضاء الحالي، جاء القرار الجماعي الذي أعاد، في السنوات الأولى من بعد الألفية الثانية، نقل هذا السوق إلى منطقة قريبة من الطريق المؤدية إلى “دورة بن عمر”، حيث كان محاطا بالأراضي الفلاحية وسرعان ما حاصرته “ثورة الإسمنت” بتجزئات عقارية وإقامات سكنية.
حركة تجارية كبيرة
تزامنت زيارة جريدة “الصباح” إلى السوق مع موعد انعقاده، وكان أول ما لاحظته غياب التجهيزات الضرورية من طرقات سالكة أو ممرات معبدة للوافدين من كل نحو وصوب إليه.
يؤدي الممر المنطلق، مما يمكن وصفه بالبوابة الرئيسية ، تجاوزا ، إلى “رحبة” بيع الدجاج الرومي، التي يصلها المتسوق طولا دون الحاجة إلى أن يعرج يمينا أو شمالا، ليبلغ فضاء سمته الأساسية العفونة..
ففي رحبة بيع الدجاج الرومي يمكن متابعة مشاهد تختلط فيها أرجل المتسوقين بدماء الدواجن المذبوحة، وتغطس فيها الفراخ التي تعد للاستهلاك في براميل مملوءة بمياه مغلية، تستغل في عملية “الترياش” التي تتم يدويا دون الحاجة إلى الآلات..
ووحدها عملية غطس فراخ الدجاج تواليا في المياه المتسخة التي لا تتغير منذ ساعات الصباح الأولى، تبقى الكفيلة بجعل الريش يفر من اللحم، ليسهل نتفه بالأيدي على طاولات تتزاحم فوقها جحافل الذباب…!!!
وأمام هذا المشهد اختار مرافقنا الإدلاء بأول تصريح، عندما التفت إلينا مرددا: “شوفو الدجاج فين كا يتباع”، ليردف بالقول” وانظروا كيف يعد ويهيأ للاستهلاك…؟!”، مرددا عبارة “اللهم إن هذا منكر”..!!
كانت نبرة “عمر” تحمل الكثير من التذمر، ولكنها تحيل إلى أن مشاهد بيع الدجاج ليست سوى فاتحة صور فوضى السوق الأسبوعي السوالم..
فغير بعيد عن “رحبة” الدجاج، وقبل الولوج إلى سوق المواشي الذي كانت فعالياته قد انفضت قبل حلولنا بالسوق، صادفنا مستودعا أكد مرافقنا “عمر” أنها “الكرنة”…
هي المجزرة التي يتم إعداد اللحوم الحمراء فيها.. فضاء لم يكن أفضل حالا من سابقه حيث تباع وتهيأ اللحوم البيضاء… فضاء أغلقت بوابته الأمامية بمجرد انتهاء عمليات الذبح، لتبقى نظيرتها بالخلف مشرعة يقف أمامها مستودع المخلفات، حيث توضع مخلفات السقط وما تحتويه أحشاء البهائم.
صحة المواطن في خبر كان
ولأن النظافة آخر ما يتم التفكير فيه، فقد صرح عدد ممن التقتهم جريدة “الصباح” خلال جولتها بالسوق أن “صحة المستهلكين لا يتم التفكير فيها”، وضرب “عبد الرحيم”، وهو أحد الوافدين على السوالم من أجل السكن فيها، بعد أن حملته ظروف العمل والبحث عن لقمة العيش إلى الاستقرار بـ “حي الزهراء” حيث يقطن شقة يستغلها على سبيل الكراء، مثالا بما يعيشه فضاء الذبح من مشاكل عديدة.
وقد أكد محدثنا أن “فضاء المجزرة/”الكرنة” يبقى من النقط السوداء بالسوق”، مستغربا “عدم تدخل المسؤولين بالجماعة من أجل إصلاح أحوالها، والعمل على صيانتها وتنظيفها بعد كل عملية استغلال”.
كما اختار أحد تجار الماشية أن يبث شكواه على أسماع الجريدة، عندما شدد على “غياب الإنارة عن رحبة المواشي، رغم أن انعقاد عمليات البيع بها ينطلق تحت جنح الظلام، خلال الساعات الأولى من الصباح”، ما يجعل “التجار والكسابة عرضة لأيادي اللصوص المتربصين، في انتظار الاستفراد بأحد الضحايا” حسب قوله، مؤكدا على أنه “من غير المقبول أن يستمر سوق يتم تفويت استغلاله بالملايين كل سنة دون إنارة عمومية”.
وبمواصلة جولتنا في السوق الأسبوعي للسوالم، كانت المشاهد الغريبة والمقززة تتناثر من حولنا، تناثر أدخنة الشواء المنطلقة من خيام المقاهي التقليدية.
ففوق الطاولات الإسمنتية أو ما يعرف لدى حرفيي الجزارة ب “البسوط” كان أحد الكلاب يغدو ويروح متجولا بين ما خلفه بعض الجزارين من عظام وجلود، وهي نفس الطاولات التي لا يتوانى مستغلوها في العودة إليها من جديد لبسط لحوم الاستهلاك فوقها، وعرضها على زبائن يتوهمون أنهم يقصدون السوق الأسبوعي لاقتناء “لحوم حديثة الذبح” أو طرية كما يدعون، غير مطلعين على ما كان يجري فوق طاولات الذبح قبل قدومهم…!!
الإقبال على الشواء…
حسب ما عاينت “الصباح” خلال الجولة التي قادتها يوم أحد إلى السوالم، فإن الإقبال يكثر على هذا المركز أو “30” كما يطلق عليه “السالميون”، من أجل اقتناء اللحوم الحمراء خاصة، أو تناول وجبات شواء.
لكن، وحسب ما أصر مرافقنا في هذه الزيارة، وهو أحد الفعاليات الجمعوية بالسوالم، على تأكيده، فإن “الكثيرين من زوار محلات الجزارة أوالمطاعم المتخصصة في إعداد وجبات الشواء، يجهلون الظروف المزرية والأوضاع غير الصحية التي يتم فيها إعداد الذبائح المعروضة بجميع محلات الجزارة بالسوالم”.
ذلك أن الطاولات الإسمنتية التي يتم وضع اللحوم المعدة للاستهلاك فوقها، تنتشر تحتها الكثير من الأزبال والبقايا المهملة منذ شهور، لأن تراكمات “البسوط” التي تشكل بقايا عظام وفضلات السقط المتراكمة على امتداد أيام الأسبوع، تجتذب الكلاب الضالة التي تجد فيها ما يشبع نهمها، فتصبح مأوى لها عليها تتغذى وتحتها تستقر.
وحتى عندما يحين موعد انعقاد السوق، كما أكد “عمر” ومعه “عبد الرحيم” وآخرون، فإن “مستغلي هذه (البسوط) من الجزارة، لا يكلفون أنفسهم عناء تنظيف هذه الأماكن قبل استغلالها لعرض لحوم الاستهلاك عليها”.
والأدهى، حسب مصادر الجريدة، أن “الممرات المؤدية إلى محلات بيع الجزارة داخل السوق تغزوها البرك الآسنة، التي تتخلط فيها المياه الملوثة بدماء الذبائح، وتنبعث منها روائح كريهة تبعث على الغثيان”.
وحسب ما علمت “الصباح”، فإن المجزرة التي تنعدم فيها شروط النظافة، تدر على خزينة الجماعة أزيد من 200 مليون سنتيم، ذلك أن الأداء يكون على كل رأس من الماشية، سواء من الغنم أو البقر.
ويستغرب الكثيرون كيف تستمر هذه المجزرة مفتوحة لاستقبال قطعان المواشي المعدة للذبح والاستهلاك، رغم عدم توفرها على الشروط الضرورية، في الوقت الذي يتم فيه إغلاق مجازر أخرى أحسن حالا من مجزرة السوق الأسبوعي بحد السوالم…!! وفي ظل إقبال عدد من المستهلكين على اتخاذ منطقة حد السوالم وجهة لهم من أجل التسوق واقتناء اللحوم وتناول وجباتها بعين المكان ، طالب عدد من المواطنين المكتب الوطني لمراقبة جودة المنتجات الغذائية (“أونسا”) بالتحقيق في ظروف إعداد لحوم الاستهلاك بحد السوالم.
وفي السياق ذاته طالبت المصادر ذاتها عامل إقليم برشيد ووزارة الداخلية بإيفاد لجنة إلى هذا السوق الأسبوعي من أجل الوقوف على ما يجري به من اختلالات..
حفرة الدم… الخطر الداهم
ليس غياب النظافة هو ما يسود “رحبة” الماشية والمجزرة، بل إن غياب قنوات صرف المياه المستعملة أثناء عملية الذبح، كانت قبل أسابيع قليلة تجعل السوق يفيض سيولا بلون أحمر قان.
وقد أكد مرافقنا أن بعض التقارير الصحافية والصفحات المنتقدة لأوضاع السوق على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت السبب وراء تدخل الجماعة من أجل الإصلاح.
لكن يظهر أنه “إصلاح بوقع الترقيع”، إذ عاينت الجريدة حفرة مترامية الأطراف “أبدع” القائمون عليها في تعمقيها لكي تستقطب أكبر قدر من المياه الملوثة بالدماء وبقايا عمليات الذبح والسلخ، حيث وأحد الأشخاص الذي التقيانهم بعين المكان، إلى أن “هذه الحفرة قد تغدو مصيدة لمن لا يقدرون خطورتها، وفي غياب حاجز حقيقي، عدا أكوام التراب المحيطة به، فإن اقتراب الكبار والصغار، على حد سواء منها، قد يشكل خطرا على حياتهم، خاصة إذا تعرضت الأتربة للتساقط.