الأمية الرقمية… العائق

الخبير براضي أكد أن الرقمنة تساهم في الشفافية ومحاربة الفساد وتنعكس إيجابيا على النمو الاقتصادي أجرت الحوار: نورا الفواري - تصوير (أحمد جرفي) أكد الخبير ربيع براضي، أن الأمية الرقمية هي أكبر عائق أمام تسريع ورش الرقمنة في بلادنا، داعيا إلى العمل على وضع سياسات وبرامج من قبل الخبراء والمختصين والاستعانة بكفاءات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أجل التغلب عليها، مشيرا إلى أن المغرب قام بمجهودات كبيرة في هذا المجال تؤهله لأن يكون رائدا في المجال إفريقيا. وقال براضي، في حوار أجرته معه "الصباح"، إن الجائحة ساهمت في تسريع التحول الرقمي، ليبقى الرهان اليوم هو توسيع مجال الاستفادة ليشمل جميع المناطق، مضيفا أن الرقمنة تساهم في ضمان الشفافية ومحاربة الفساد وتعني الاقتصاد في الجهد والمال والوقت ولديها انعكاس إيجابي على النمو الاقتصادي. في ما يلي تفاصيل الحوار: لأول مرة تضم حكومة مغربية وزارة خاصة بالانتقال الرقمي. ما هي قراءتكم لذلك؟ بالفعل، فهذه الخطوة التي قامت بها الحكومة الجديدة، التي حظيت بثقة الملك محمد السادس، ما هي إلا تنزيل وتطبيق لما أوصى به النموذج التنموي الجديد، الذي يراهن على الرقمنة باعتبارها من بين أوراش التحول الكبرى التي يمكنها المساهمة في إطلاق تنمية مستدامة في كافة المجالات، الحكومية والبرامج التعليمية والثقافية والإخبارية. إذ وضع التقرير توصيات قابلة للتطبيق، شريطة توفير الإمكانيات والآليات. فقد اعتبر التقرير أن الرقمنة ستكون رافعة حقيقية في ظل التحولات العالمية الراهنة، وشدد على السعى إلى تطوير منهج إلكتروني يركز على العلاقات بين المواطن والدولة، وتقديم خدمات بجودة عالية، مع تكريس مبدأ الرقابة والشفافية وتبسيط الوصول الى المعلومة أو الخدمات على الصعيد الوطني. هل هذا يعتبر من الأولويات؟ أظن أن توفير هذه الآليات وتسريع وتيرة الرقمنة وتعميمها في القطاعين الخاص والعام، سيكون من أولويات الوزارة المنتدبة لدى الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، فإحداث وزارة متخصصة في هذا المجال، سيعزز التركيز على هذه الخطوة التي فرضتها الجائحة من جهة، إضافة إلى أن الرقمنة، من جهة أخرى، تحظى باهتمام المملكة لمواكبة التطور الدولي في هذا المجال وتعزيز مكانة المغرب في الرتب العليا على غرار كبريات الدول في العالم. هل ساهمت الجائحة في تسريع وتيرة الرقمنة في المغرب؟ الواقع أن الجائحة فرضت تحولات كبرى غيرت معالم حياتنا اليومية وفرضت على الدولة اتخاذ تدابير وقرارات سريعة ومتلاحقة تحت إشراف ومتابعة دقيقة من الملك، كما ساهمت بشكل كبير في تسريع التحول الرقمي. وأود أن أشير هنا إلى أن العديد من المبادرات في الرقمنة ظهرت بالقطاع الخاص قبل الجائحة، من أجل توفير خدمات إلكترونية عن بعد أو عبر الهواتف المحمولة للمواطنين، لتسهيل بعض الأنشطة في حياتنا اليومية. هل سايرت الدولة هذا التحول؟ نظرا لأهمية هذا التحول، واكبت الدولة هذا التوجه من خلال وضع قوانين للتأطير، تحدد واجبات وحقوق جميع الأطراف المتدخلة (المواطن/ المقاولة / الدولة) كما وضعت أيضا آليات لحماية المعلومات الشخصية للمواطن وحماية تعاملاته المالية والتجارية في هذا المجال، ونخص بالذكر وكالة التنمية الرقمية واللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية. وعندما ظهرت الجائحة، تم اللجوء الى الرقمنة حلا أوليا وسريعا لإنقاذ البلاد من شلل تام كاد يصيب جميع القطاعات الحيوية، على رأسها التعليم والصحة والتجارة ... كيف ذلك؟ لا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن وباء "كورونا" غير وجه العالم وجاء بأسلوب حياة فريد، جعل الناس أكثر انفتاحا وقابلية للتواصل وإدارة الأعمال والشراء عن بعد. وانطلاقا من خبرتي وتواصلي ومواكبتي للتطور الكبير الذي جاءت به الجائحة، لاحظت أن المقاولين الشباب توجهوا بشكل أكبر نحو الاستثمار في هذا القطاع الذي يعززه الاهتمام بالتخصصات التكنولوجية والتحول نحو رقمنة المشاريع التجارية، ولا يسعنا، نحن الخبراء في هذا المجال، وانطلاقا مما راكمناه من تجارب ودراسات ومقاربات ومقارنات مع دول الجوار وأوربا، إلا أن نشجع هذا التوجه الطموح، ونخضعه لمعايير متطورة، وتصحيح مساره وفقا للإرادة الملكية السامية في تفعيل الجهوية المتقدمة. الجائحة دافع للرقمنة ما هي الصعوبات أمام نجاح الرهان؟ أولا، يجب أن نتفق على أن المغرب قام بخطوات هامة في مجال التواصل والتطور التكنولوجي. وهنا يمكن القول إن بلادنا أدركت أهمية هذه المجالات في المستقبل. ما كان ينقص فقط هو الاعتماد الكلي والشامل على هذه التقنية، فكانت الجائحة أكبر دافع لتفعيل الرقمنة. ورغم الصعوبات والإكراهات، فإن المغرب تمكن من تسريع وتيرة التحول الرقمي في كل المجالات التي تتعلق بالخدمات وتلبية طلبات المواطنين الإدارية والاقتصادية وحتى الصحية. وهو ما أعتبره فرصة ذهبية ورهانا تغلب به المغرب على تداعيات الجائحة وكان محكا حقيقيا لخبراتنا وبنيتنا التحتية التكنولوجية، لذا من الصعب تحديد الصعوبات لأن ما يطفو على السطح الآن وما نشاهده و نلمسه، هو إنجاز هام استطعنا به تجاوز المرحلة. إذن فالحديث عن الصعوبات بات أمرا متجاوزا مادمنا قد عبرنا إلى الضفة الأخرى بسلام. التعاون بين القطاعين العام والخاص هل يتوفر المغرب على الموارد البشرية الكافية والكفاءات العالية من أجل إنجاح هذا الورش؟ يتوفر المغرب بالفعل على موارد بشرية مهمة في هذا المجال. وهنا أعود بك إلى ضرورة وأهمية التعاون بين القطاعين الخاص والعام لتسريع عملية الرقمنة بإعداد برنامج للتكوين في الإدارات العمومية في مجال التكنولوجيا الرقمية وإعادة نشر الموارد البشرية وتوزيعها جهويا. أظن أن القطاع الخاص سيلعب دورا مهما في التكوين والتأطير وسيساعد في رفع وتيرة تفعيل الرقمنة. ألا تجدون أن الثقافة الكلاسيكية لبعض المواطنين وبعض الموظفين، من شأنها تعطيل الورش؟ أظن أن الموظفين والمواطنين أدركوا جيدا أهمية الرقمنة، بل استأنسوا بها. ربما هناك فئة قليلة ما زالت تستغربها، خصوصا في الإدارات العمومية، لكن، في نظري، سيلتحقون بركب التكنولوجيا قريبا. هي مسألة وقت فقط. إدراج مواد تكنولوجية في التعليم هل تعتبرون أن المغرب يواجه بعض المعيقات التي تجعله متأخرا في هذا الورش مقارنة مع دول أخرى في المنطقة؟ في نظري، وبعيدا عن كل ما هو لوجستيكي، يبقى أكبر عائق هو الأمية الرقمية، لأنها تساهم بشكل كبير في التأخر باللحاق بركب التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي. لذلك، أدعو، من منبركم، جميع الفاعلين، إلى التركيز على هذه النقطة، مقترحا أن يتم العمل على وضع سياسات وبرامج من قبل الخبراء والمتخصصين في الحكومة والاستعانة بكفاءات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للتغلب على الأمية الرقمية، وإدراج مواد تكنولوجية في التعليم بكل مراحله وتوفير الإمكانيات البشرية والمادية وتوسيع البنية التحتية المعلوماتية الحديثة، إضافة إلى العمل على تكوين الأجيال القادمة تكنولوجيا، والتي سيكون لها دور كبير في ترسيخ الرقمنة في جميع المجالات. الريادة في إفريقيا ما هي العلاقة بين الرقمنة والجهوية؟ إن التركيز على الجهوية المتقدمة وتعزيز اللامركزية واللاتمركز يمثلان ورشا هاما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا، وتعزيز سياسة القرب. وهو ما ينسجم أيضا مع رهان الرقمنة، فهما يشكلان ورشا استعجاليا وآنيا يتطلب من الحكومة والمسؤولين، كل حسب تخصصه ، التعجيل لاستكمال الترسانة القانونية اللازمة لتنزيله على أرض الواقع. وهنا وجب التأكيد أننا نراهن على الريادة في هذا المجال إفريقيا، لذلك يجب أن تتكاثف جهود جميع الأطراف المتداخلة لكسب هذا الرهان. تقريب المواطن من الإدارة ماذا يمكن أن يربح المغرب من الرقمنة؟ أولا النهوض بمستوى الخدمات الإدارية وتسهيل ولوج المواطن إليها، وتقريب المواطن والمقاولة من الإدارات العمومية. الرقمنة تساهم أيضا في ضمان الشفافية ومحاربة الفساد بكل أنواعه. إنها تعني كذلك الاقتصاد في الجهد والمال والوقت ولديها انعكاس إيجابي على النمو الاقتصادي. إضافة إلى كل هذا، فالانتقال من إدارة كلاسيكية تقليدية إلى أخرى حديثة و متطورة، يواكب التحول العالمي. كيف يمكن تدارك التأخر المسجل في المغرب في هذا المجال؟ كما أشرنا منذ البداية، فقد قام المغرب بمجهود كبير في هذا المجال ولا يمكننا إنكار ذلك، إلا أنه ينبغي تسريع هذه الوتيرة وتوسيع مجال هذه الرقمنة كما قلنا جهويا، لتستفيد جميع المناطق من تبسيط المساطر والرقمنة، وتواكب تطور التكنولوجيات الحديثة. بصفتي خبيرا أعمل في الميدان، أستطيع القول إن المغرب لا يزال يملك الفرصة للظفر بالريادة إفريقيا في مجال الرقمنة، بل ويستطيع أن يساهم بخبرته في وضع تطبيقات رقمية في الدول الإفريقية. نثق في كفاءاتنا وفي شبابنا وفي إمكانياتنا. وكما قلت في السابق، بفضل التعاون بين القطاعين الخاص والعام، سنستدرك التأخر الحاصل. في سطور - مواليد البيضاء 1981 خبير في مجالات الاتصالات والمالية والتأمينات والخدمات مسؤول الشراكات الإستراتيجية بالمكتب الشريف للفوسفاط المدير المؤسس لمكتب "بيزنس أوبتيمايزينغ كونسولتينغ غروب" اشتغل مع العديد من المؤسسات من بينها البنك الدولي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية خريج معهد ميند آليس للهندسة والتدبير بفرنسا حاصل على الدكتوراه في التدبير الإستراتيجي من جامعة برينسيل مهندس دولة في مجال المعلوميات والاتصالات

الأمية الرقمية… العائق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قالوا

آسفي يفاوض فكري والكودالي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات