محكمة النقض ومشكلة هدر الزمن القضائي

ملفات يستغرق الحسم فيها بين تاريخ إيداع مقال النقض وصدور قرار بشأنها سنوات2/1 هناك مفارقة غريبة في قطاع العدالة تحتاج فعلا للتأمل وتمحيص النظر، وتتلخص في وجود تضخم كبير في اللقاءات والندوات والمشاريع وأوراق العمل والمداخلات، وغيرها حول إصلاح قطاع العدالة، وضمان السرعة والنجاعة في المنظومة القضائية،في المقابل، هناك شح في الإنجازات على أرض الواقع. إعداد: مريم عبد المولى * من الأمثلة البسيطة على ذلك، ما كتب وما نظم من ندوات حول الأمن القضائي من أوراق ومشاريع لتنوء بالعصبة أولي القوة، لكن الممارس الذي له احتكاك يومي بالمحاكم ودهاليز الإجراءات والمساطر يكاد لا يلمس هذا الأمن القضائي، فهناك ركام هائل من الملفات لا يتم البت فيها في وقتها المناسب، وهناك ملفات رائجة أمام المحكمة الواحدة سنوات وسنوات عديدة، وهناك إجراءات ومساطر عديدة تتم في الملف الواحد تنتهي في الغالب بعدم القبول، وهكذا دواليك. هذه المقالة مجرد نقطة نظام لا تروم مناقشة كل تجليات خرق الأمن القضائي داخل ردهات المحاكم، فهي متعددة ولا تكاد تستثني جانبا من جوانبها، إذ تبدو العدالة كما لو أنها مثقلة الخطى، فالحكم القضائي لا يصدر إلا بعد إنهاك الجميع: القضاة وأطراف الخصومة والدولة، وباقي أطراف العدالة، لكن دعونا نركز على محكمة النقض تحديدا، فهي كما هو معلوم، محكمة قانون، ولهذا فهي مخففة إلى حد بعيد من كل الأثقال القانونية في كيفية التقاضي أمامها ومتجردة إلى حد بعيد من كثرة المساطر وتشعبها وهذا أمر مفهوم، فمحكمة النقض ليست مقيدة بأثقال حقوق الدفاع وما تفرضه من تبليغ المذكرات لأطراف الخصومة، وليست مقيدة بقيود التقاضي كما هي متعارف عليها أمام محاكم الموضوع، وليست محكومة بأثقال قراءة الوثائق والحجج من جديد والقيام بإجراءات تحقيق الدعوى عدا ما تتطلبه مهمة مراقبة تطبيق القانون المسندة لها... وبالتالي فإن هناك فسحة في العمل لدى قاضي النقض ليست متاحة لنظيره أمام محاكم الموضوع، ومع ذلك فإن إنتاج العدالة لدى محكمة النقض بطيء وبطيء جدا وهذا البطء باد للعيان، فهناك ملفات يستغرق الحسم فيها بين تاريخ إيداع مقال النقض وصدور قرار بشأنها سنوات وسنوات عديدة، حتى إن واضع مقال النقض، في مشهد تراجيدي وكوميدي في الوقت نفسه، ينسى بنفسه أنه وضع هذا المقال حتى يفاجأ بقرار المحكمة وقد تم إصداره أو بالأحرى تم إطلاق سراحه بعد سنوات من الوضع رهن الاعتقال. وطبيعي جدا، فإن هذا الوضع يؤدي إلى المساس بمصالح أطراف الخصومة مساسا بالغا وجسيما، إذ بدل أن تكون محكمة النقض آلية ناجعة للتسريع في حل المنازعات والحسم فيها، وإنهاء الخصومة بشكل نهائي، تصبح وسيلة لإطالتها وتمطيطها. والأخطر من ذلك، تصبح وسيلة لإغراق الخصوم في مساطر معقدة، لأن ترك الملفات أمام هذه المحكمة بدون حسم، لسنوات وسنوات عديدة، له تكلفة على المتقاضين في حال انتهت محكمة النقض باتخاذ قرار النقض والإحالة، إذ سيتحمل الخصوم وزر وتكلفة الزمن القضائي المهدور بين تاريخ التقدم بمقال النقض وتاريخ الحسم فيه، هذا دون الحديث عن المساطر والمساطر المضادة المترتبة عن إرجاع الحال إلى ما كانت عليه، والتي كان بالإمكان تقبل تكلفتها لو أصدرت محكمة النقض قرارها في أمد زمني معقول. ناهيك عما يتسبب فيه هذا التأخير في إعادة قلب المراكز القانونية، وتكلفة مالية باهظة يؤديها المتقاضون، والحال أنهم غير مسؤولين عنها. وبعيدا عن أي منطق تحاملي، فمشكلة تأخير النظر و"ترقيد" الملفات لسنوات لا يضر فقط بصورة العدالة ومصداقيتها، إنما يخدش صورة جهاز آخر وهو جهاز الدفاع، إذ أن بطء البت في طعون النقض لا يتفهمه الموكل، في علاقته بمحاميه، ويتم خدش الثقة بين الطرفين، ويساهم هذا في خلق اضطراب في مسار بناء الخصومة بمكاتب المحاماة، والزيادة في أعباء هذه المهنة، والتشويش على نمط اشتغالها، لأن جريان ملف النقض لسنوات عديدة، قبل أن تحسم المحكمة بعدم صحة النقض أو رفضه أو عدم قبوله، يمس باستقرار المعاملات ويمس بمبدأ "الطمأنينة"، الذي من المفروض أن تخوله أحكام القضاء لأطراف الخصومة، هذا ناهيك عما يشاع هنا وهناك من أن التأخير في البت في أحد ملفات النقض تقف وراءه حسابات شخصية أو سياسية أو نحوها، ما يضر بسمعة هذه الهيأة القضائية بمحكمة النقض وهيبتها واستقلاليتها . * أستاذة باحثة في القانون الخاص

محكمة النقض ومشكلة هدر الزمن القضائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 سنة لقاتل "مخازني" بطنجة

تحت الدف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات