محاربة العنف ضد النساء… تحريف للمفاهيم القانونية

المشروع حرف مفهوم التحرش الجنسي المتعارف عليه عالميا يدخل إعداد المشروع المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في إطار الجهود الرامية إلى تحسين وضعية المرأة وتعزيز مكانتها داخل المجتمع، وذلك بوضع مقتضيات خاصة أو نص خاص موضوعه زجر كل من تسول له نفسه المساس بكرامة وشرف وجسد المرأة، وإنزال العقوبات التي يقترحها هذا النص للحد مما تعانيه المرأة إلى جانب الطفل من اعتداءات وانتهاكات لحرمتها. وهو المشروع الحامل لرقم 13-103 والذي أعدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بشراكة مع وزارة العدل والحريات الواقع أن النص من حيث أهدافه ومراميه المتمثلة في حماية المرأة والطفل وإن كان المشروع على مستوى التسمية يتعلق بالمرأة فقط قلنا، إنه من حيث الأهداف يمكن أن يتمتع بالقبول، لكن عندما نتمعن في قراءة بعض مواده ونتعمق في أحكامه، يمكن القول إنه يحرف المفاهيم القانونية المتعارف عليها في القوانين المقارنة ويجعل المفاهيم المستعملة في المشروع في حالة « شرود قانوني « إن جاز لنا اقتباس لفظ الشرود من مجال كرة القدم. المشروع 13-103 تحريف للمفاهيم القانونية المستقر عليها مفهوم التحرش الجنسيبالاطلاع على الفقرات المضافة من قبل المشروع 13-103 على الفصل503-1 من القانون الجنائي الصادر في 26 نونبر 1962 كما تم تتميمه وتعديله المتعلق بجريمة التحرش الجنسي، يمكن الجزم أن المشروع قام بالفعل بتحريف مفهوم التحرش الجنسي المتعارف عليه عالميا.فالفصل 503-1 من القانون الجنائي ينص على أنه : « يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل الإكراه أو أي وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية.»أما مشروع القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، فأضاف ثلاث فقرات إلى الفصل 503-1 تهمنا منها الفقرة الثانية التي يبرز فيها تحريف مفهوم التحرش الجنسي بشكل صارخ. ففي الفقرة الثانية المضافة إلى نص المشروع على أنه : « يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من ألف إلى ثلاثة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل إمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية».من خلال ما سبق يظهر لنا تحريف مفهوم التحرش الجنسي، ذلك أن التحرش الجنسي مفهوم مرتبط باستغلال السلطة في العمل لإجبار الضحية على الاستجابة للطلبات ذات الطبيعة الجنسية التي يكون المتحرش قد استعملها في حق المتحرش به، كما لو تعلق الأمر بالحصول على الترقية أوبعض الحقوق والامتيازات (علاوات أوغيرها) التي يكون التابع بحاجة إليها بمقابل ذي طبيعة جنسية، وهذه كلها أمور لم يفطن إليها المشروع كما سنبين ذلك لاحقا.والفقرة الثانية المضافة من قبل المشروع الجديد إلى الفصل 503-1 من القانون الجنائي، بعيدة كل البعد عن المفهوم الحقيقي للتحرش الجنسي. فتعريفه بأنه : « كل إمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية» فيه مجانبة للصواب وللمنطق القانوني. لأن التحرش كاصطلاح قانوني ينبني على استغلال سلطة أو القيام بمهمة لإكراه التابع (ضحية التحرش الذي يفترض أنه خاضع للمتحرش بسبب علاقة التبعية التي تربطه بالفاعل) على الاستجابة ضد إرادته للنزوات الجنسية الدنيئة للمتبوع (صاحب السلطة أو المهمة). وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه المشروع. بل إن اعتبار الإمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية يصدر عن أي شخص تحرشا جنسيا يعد شرودا عن المفهوم القانوني الصحيح للتحرش الجنسي.فأن يقوم شخص لا تربطه علاقة عمل بالضحية بهذه الأفعال ليس تحرشا، وإنما قد يكيف على أنه تحريض على الفساد إن توفرت شروطه كما هو منصوص عليه في الفصلين 497 و502 من القانون الجنائي، أو أنه إخلال علني بالحياء إذا استجمع الفعل شروط الفصل 483 من القانون الجنائي. وبديهي أن ثمة تباينا واضحا بين هاتين الجريمتين وجريمة التحرش الجنسي التي نص عليها الفصل 503-1 من القانون الجنائي. ونعتقد أن هذه الأحكام الجديدة المجانبة للصواب القانوني نابعة من تبني المشروع موقف كل من القانونين التونسي والمصري اللذين انتقدا بشكل كبير. مفهوم جريمة القذف والسب من المستجدات التي جاء بها المشروع 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إضافة فقرة ثانية إلى الفصل 431-2 من القانون الجنائي الذي يعاقب على التمييز كما هو معرف في الفصل 431-1 من نفس القانون. وجاء في الفقرة المضافة ما يلي : « يعاقب على القذف أو السب أو على كل تعبير شائن أو محقر أساسه التمييز بسبب الجنس بغرامة من ألف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم وتضاعف العقوبة في حالة العود «. فهذه الفقرة ورغم ما تروم إليه من حماية للمرأة، فإنها في تصورها للقذف والسب لم تقم سوى بالحشو وإضاعة الجهد، لأن جريمة التمييز تغني عن سن نص خاص بالقذف المبني على التمييز لا من حيث العناصر التي تدخل في إطار التمييز والذي يعد الجنس أحد عناصره، ولا من حيث العقوبة الصارمة التي أنزلها المشرع بمن عمد إلى التمييز بناء على الجنس، وهي الحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من ألف ومائتي إلى خمسين ألف درهم. وهي عقوبة أشد مما جاء به المشروع الجديد والمتمثل في مجرد غرامة تتراوح بين ألف وثلاثة آلاف درهم.فالمشروع لم ينتبه إلى نص عام وشامل ودقيق هو الفصل 431-1 الذي عرف التمييز بأنه كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعيين بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين. ألا تعد الفقرة المضافة من طرف المشروع مجرد زيادة مؤثرة سلبا على معالم جريمة التمييز ؟ أليست خالية من كل فائدة تذكر؟الحقيقة أن الفقرة المشار إليها أعلاه لا فائدة من إضافتها، فضلا عن أنها لا تنسجم مع القانون الجنائي وقانون الصحافة الذي يعرف القذف والسب في الفصل 44. فبالتمعن في المفهوم الجديد للقذف والسب الذي يريد المشروع أن يأتي به، يتبين أنه لا يمكن أن يحل محل تعريف التمييز المتميز بشموليته ودقته. لكل ذلك، يتعين على أي مشروع بما في ذلك المشروع 13-103 أن يراعي القوانين القائمة والمبادئ القانونية المعمول بها، والضوابط المتعارف عليها عند سن أحكام جديدة.لأن إغفال المقتضيات القائمة لا يمكن إلا أن يحرف إن لم يشوه المفاهيم الثابتة ويؤدي إلى تناقض النصوص القانونية، وكذا إلى صعوبات تطبيق وتنفيذ القانون، الأمر الذي يؤثر سلبا على حقوق المواطنين عامة والمتقاضين على وجه الخصوص. خلاصة القول، إن مشروع محاربة العنف ضد النساء لم يكن موفقا في عدد من الأحكام التي جاء بها، ومن ثم وجب إعادة النظر فيها لتفادي الأخطاء التي يقع فيها المشرع لا تؤدي سوى إلى تعقيد مأمورية تمكين المواطنين من حقوقهم. ذ/ عبد الكريم الطالب

محاربة العنف ضد النساء… تحريف للمفاهيم القانونية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أبناء كولونيل ماجور بالدرك أمام القضاء

أصيلا يدافع عن زعامة القسم الثاني بالمنصورية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات