إصلاح على إيقاع العد العكسي للإفلاس

دراسات وأبحاث توقعت منذ عشر سنوات وصول صناديق التقاعد إلى الكارثة مطلع 2013 لم تجتمع الحكومة والنقابات والباطرونا على رأي كما اجتمعت في الإقرار بأن أنظمة التقاعد في المغرب دخلت مرحلة العد العكسي نحو الإفلاس، كما يؤكد أهل الاختصاص أن الوضعية أضحت غاية في الصعوبة والتعقيد، وأن عقود الانتظار أصبحت تفرض الاحتكام إلى الحلول الجذرية، أكثر من ذلك فقد ذهب الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي، إلى حد اعتبار أن الاكتفاء بإجراءات ظرفية، بهذا الخصوص، كمن يعالج أعراض مرض قاتل بعمليات جراحية لن تنفع في مواجهة اختلال، تفاقم مع مرور السنوات وتخاذل الحكومات. والغريب في الأمر أن كل الدراسات والتوقعات المنجزة منذ أكثر من عشر سنوات أكدت جميعها على أن وضعية صناديق التقاعد تتجه نحو الباب المسدود، ذلك أن دراسة في الموضوع أنجزت سنة 2005، أي قبل أكثر من ثماني سنوات، توقعت أنه بحلول النصف الثاني من سنة 2012 سيضطر الصندوق المغربي للتقاعد إلى أداء معاشات المتقاعدين من رأس ماله، وليس من أرباحه وذلك ما حصل بالفعل.ليس من حق الحكومات التذرع بجهل ما ستؤول إليه حالة الصناديق، وقد يحسب لهذه الحكومة أنها فتحت الورش، بغض النظر عن إصرارها على إقصاء الفرقاء الاجتماعيين، بعدما أخلفت حكومات سابقة الموعد مع هذه المسؤولية التاريخية، إلى أن بدأت معالم الإحراج تظهر مع بداية سنة 2000، حينها تعالت الأصوات المحذرة من أن صناديق التقاعد تحولت إلى قنبلة موقوتة يجب التدخل لتفكيكها قبل الساعة الصفر.من جهته شدد المجلس الأعلى للحسابات في دراسة أنجزها حول منظومة التقاعد بالمغرب، أن وضعية الصندوق المغربي للتقاعد تظل الأكثر تأزما من بين مختلف الأنظمة الأخرى التي تعرف بدورها صعوبات واختلالات مالية تتطلب مباشرة إصلاحات جذرية وشاملة.قضاة المحاكم المالية أوضحوا أن النظام يعاني اختلالا ماليا هيكليا، خاصة في ما تعلق بالناتج التقني للنظام، أي اتساع الهوة بين الموارد والتكاليف، مؤكدين أن الوضعية منحى تراجعيا، على أن تعرف الاحتياطات المالية للنظام انخفاضا لتصبح سلبية ابتداء من 2021، في حين ينتظر أن تصل ديون الصندوق المتراكمة غير المشمولة بالتغطية في أفق 2060 إلى 583 مليار درهم. لكن كيف دخلت صناديق التقاعد المغربية دائرة الشك؟يجمع المحللون على أن المنحى الذي أخذته البنية الديموغرافية للمغرب أدخل صناديق التقاعد العمومية منها والخاصة في النفق المسدود منذ سنة 2000 ، ذلك أن جيل العمال الذي أسس لتجربة صناديق التقاعد في الستينات زمن كانت وتيرة التشغيل مرتفعة، وكانت شهية الدولة للتشغيل ما تزال مرتفعة، خرج إلى التقاعد مع تسعينات القرن الماضي، ما أدى إلى اختلال مالية تلك الصناديق، عندما أصبحت مطالبة بأداء عدد كبير من المعاشات بعدما كانت تكتفي في سنواتها الأولى باقتطاع المساهمات. كما أن تناقص دور الدولة في التشغيل، واعتماد برنامج التقويم الهيكلي مع ما فرضه من ضرورة التقليص من حجم كتلة الأجور، وبالنظر إلى أن الدولة كانت تضمن التسجيل المباشر في صناديق التقاعد، دخلت الأخيرة منذ أكثر من عشر سنوات في اختلال مزمن أصبحت مهددة معه بالإفلاس. وبخصوص القطاع العام يمكن القول بوجود ثلاثة أسباب ساهمت في اختلال نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، ومن أبرزها الطابع السخي للنظام المعتمد، والذي يمنح عن كل سنة من الاشتراكات قسطا سنويا بمعدل 2.5 في المائة من آخر راتب، ما يمثل معدل تعويض يمكن أن يصل إلى 100 في المائة من الراتب، علما أن قاعدة الاحتساب كانت تنحصر في السابق في الراتب الأصلي قبل أن تشمل، حاليا، الراتب الإجمالي، وبذلك أصبح معدل التعويض من أهم عناصر اختلالات هذا النظام. ومن عوامل إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد اعتماد آخر راتب في عملية تحديد معاش التقاعد، بدل احتساب معدل الرواتب المؤداة خلال فترة العمل أو جزء منها على الأقل، ما ترتب عنه منح معاشات مرتفعة لا تتناسب مع مستوى المساهمات، الشيء الذي زاد تأزيم وضعية التوازنات المالية للصندوق، خاصة مع المنحى التصاعدي الذي تعرفه الترقية في الدرجة في الإدارة العمومية، مع اقتراب تاريخ الإحالة على التقاعد. كما ساهم تراجع أعداد الموظفين النشيطين بالمقارنة مع المتقاعدين، في سقوط ادخارات الموظفين والأجراء المغاربة، على اعتبار أن المعدل انتقل من 12 نشيطا لمتقاعد واحد، خلال 1986، إلى 6 نشيطين، خلال 2001، ليتقلص إلى 3 نشيطين خلال السنة الماضية، وينتظر أن يصل إلى نشيط لكل متقاعد في أفق 2024. ياسين قُطيب

إصلاح على إيقاع العد العكسي للإفلاس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المخارق: الدولة أخذت 2000 مليار من الصناديق

جطو ضيع فرصة إصلاح أنظمة التقاعد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات