الطبيعة القانونية لمقرر حفظ الشكاية

قرار النيابة العامة بعدم المتابعة غير قابل للطعن بالإلغاء ويبدو واضحا، أن التباين في مواقف الفقه نابع أساسا مما صدر عن القضاء من أحكام رغم نذرتها، وفي هذا السياق جاء في قرار صادر عن محكمة النقض المصرية ما يلي:»الأمر الصادر من النيابة العامة بالحفظ هو إجراء إداري صدر عنها بوصفها السلطة الإدارية التي تهيمن على جمع الاستدلالات عملا بالمادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية وما بعدها، وهو على هذه الصورة لا يقيدها ويجوز العدول عنه بلا قيد أو شرط في أي وقت بالنظر إلى طبيعته الإدارية البحتة، ولا يقبل تظلما أو استئنافا من جانب المجني عليه أو المدعي بالحقوق المدنية، وكل ما لهما هو الالتجاء إلى طريق الادعاء المباشر في مواد الجنح والمخالفات دون غيرها إذا توافرت له شروطه. وفرق بين هذا الأمر الإداري وبين الأمر، بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة العامة بوصفها إحدى سلطات التحقيق بعد أن تجري تحقيق بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناء على انتداب منها على ما تقضي به 209 من قانون الإجراءات الجنائية، فهو وحده الذي يمنع من رفع الدعوى ولهذا أجيز للمدعي بالحق المدني الطعن فيه أمام غرفة المشورة...». أما القضاء الفرنسي فقد تضاربت مواقفه، فبعد أن ذهبت محكمة النقض في أحد قراراتها على أن قرار الحفظ يندرج ضمن القرارات القضائية، توقفت في قرار آخر عند نفي الطبيعة القضائية عن قرار الحفظ بقولها: «استنادا على الفصل 40 فإن حفظ الشكاية أو المحضر أو مسطرة البحث التمهيدي ليس تصرفا قضائيا ولا يحوز حجية الأمر المقضي به...». وإذا كان القضاء الفرنسي قد نفى الطبيعة القضائية عن مقرر الحفظ، فـإن الفصـل 40-3 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي خول للمشتكي إمكانية الطعن في مقرر الحفظ أمام الوكيل العام، على اعتبار أن هذا الأخير يمارس سلطة رئاسية على وكيل الجمهورية بمقتضى الفصل 36 من القانون نفسه، وهذا التوجه قد يعطي الانطباع على أن مقرر الحفظ ذو طبيعة إدارية، على اعتبار أن التظلم الرئاسي لا يوجه إلا ضد قرار إداري، وإلى السلطة التي تعلو مُصدر القرار التي يمكنها أن تلغي القرار المتظلم منه. وفي ما يخص القضاء المغربي، فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط أن قرار النيابة العامة القاضي بعدم المتابعة غير قابل للطعن بالإلغاء على اعتبار أنه لا يدخل في زمرة القرارات الإدارية، ومما جاء في أحد حيثيات حكمها ما يلي:»...وحيث إنه بالرجوع إلى نازلة الحال، فلئن كانت بعض القرارات التي تصدرها النيابة العامة في إطار اختصاصها الولائي تعتبر قرارات إدارية بهذا المعنى كما هو الشأن بالنسبة لقرارات التأديب المتعلقة بالأعوان القضائيين مثلا، فإن القرار المطعون فيه في هذه النازلة لا يمكن أن يصنف بأي حال من الأحوال ضمن طائفة القرارات الإدارية التي يمكن أن تكون موضوع دعوى الإلغاء، وذلك بإعمال المعيارين العضوي والمادي معا، إذ أنه من جهة أولى فهو عمل صادر عن سلطة غير إدارية وتشكل جزءا من الجهاز القضائي للمحاكم، ومن جهة ثانية فإن اتخاذه من طرف النيابة العامة جاء في إطار الصلاحيات المخولة لها بمقتضى قانون المسطرة الجنائية بمناسبة التحقيق في الشكايات التي ترفع إليها، في إطار توجيه الاتهام والقبض على المتهمين واعتقالهم وتفتيش المنازل والاستماع إلى الشهود وتحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها إلى غير ذلك من الإجراءات المنصوص عليها في القانون المذكور والتي يباشرها وكيل الملك في إطار سلطة الملائمة والتكييف الممنوحة له بمقتضى الفصل 40 من القانون نفسه...». الحقيقة أن الرأي الذي يكيف مقرر الحفظ على أنه قرار إداري، إنما يؤسس موقفه على المعيار العضوي الذي يعتبر بمقتضاه النيابة العامة سلطة إدارية، وبالتالي فالمقرر الصادر عنها بالحفظ ما هو إلا قرار إداري، بيد أننا لا نشاطره الرأي في هذا التوجه على اعتبار أن مقرر الحفظ لا يستجمع مقومات القرار الإداري، ليس اعتمادا على المعيار العضوي وإنما بناء على المعيار الموضوعي، فالأعمال التي تقوم بها النيابة العامة والمتصلة بالدعوى العمومية هي أعمال قضائية صرفة، وما يعضد هذا الطرح حكم المحكمة الإدارية بوجدة الذي جاء فيه أحد حيثياته ما يلي:» تعتبر القرارات الإدارية التي تتخذها النيابة العامة بمناسبة القيام بإجراءات الدعوى العمومية من تحقيق واتهام وإصدار أوامر بالإيداع في السجن كما هي منصوص عليها بقانون المسطرة الجنائية من قبيل الأعمال القضائية التي لا تختص المحاكم الإدارية بمراقبة مشروعيتها سواء في إطار دعوى الإلغاء أو في إطار المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن الأعمال المذكورة»، وهو التوجه نفسه الذي سارت عليه المحكمة الإدارية بأكادير حيث جاء في حكمها ما يلي:» من صميم عمل النيابة العامة تلقي الشكايات المتعلقة بالدعوى العمومية ومتابعتها وحفظها في إطار السلطة التقديرية المخولة لها، وما دام القرار المطعون فيه مرتبط باختصاص وكيل الملك في مدى تحريك الدعوى العمومية فهو عمل قضائي يخرج بطبيعته عن ولاية القضاء الإداري». انطلاقا مما سبق يمكن القول إن مقرر حفظ الشكاية وإن كان لا يحوز الحجية وغير قابل لأي طعن قضائي، فإنه يبقى مع ذلك مقررا قضائيا صادر عن سلطة قضائية طالما أنه مرتبط بالدعوى العمومية. ذ/ لحسن الزتوني

الطبيعة القانونية لمقرر حفظ الشكاية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تأجيل محاكمة موظفين بمقاطعة بالرباط بالتزوير

الحبس لمتهمين بالسرقة بالجديدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات