دراسة في القانون : قراءة أولية حول التوصيتين 167 و174 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة (2/2)

التكوين الذي يتلقاه المحامي أثناء فترة التمرين ليس كافيا إن بداية الحديث عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة كان قد تم التأسيس له مع الخطاب الملكي المؤرخ في 9 مارس 2011 والذي تحدث فيه الملك عن إصلاح دستوري شامل ومتكامل من بين مداخله الأساسية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، وسياة القانون، ومساواة الجميع أمامه¡ والتأسيس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة قائم على أن القضاء هو في خدمة المواطن ، والتنصيص على حق المواطن في مقاضاة الإدارة، والحق لكل من تضرر من خطأ قضائي في الحصول على تعويض تؤديه الدولة. رغم أن القانون الحالي مر عليه أكثر من 5 سنوات تاريخ دخوله محيز التطبيق، إلا أن مؤسسة التكوين الخاصة بالمحامين لم تر النور، بل أكثر من ذلك مؤسسة التكوين والمراكز الجهوية للتكوين نفسها، سبق التنصيص عليها في قانون المحاماة لسنة 1993 ورغم مرور 20 سنة، لم تر هاته المؤسسات النور، مما يحيلنا على إشكال كبير يعاني منه التشريع في المغرب، وهو وضع التشريعات دون وضع التطبيقات، والوسائل العملية لجعل هذا التشريع مجسدا على أرض الواقع.3) إقرار مبدأ تخصص المحامي في مادة قانونية معينة.ذلك أن المحامي لا يمكنه أن يكون على اطلاع كامل وموسع على جميع القوانين والتشريعات ذات الصلة، بل لابد أن يركز عمله في تخصص معين، حتى يستطيع أن يقنع ويبدع فيه ذلك أن حالة التعميم التي يعيشها المحامي حاليا، ومعرفته المتوسطة بمختلف القوانين، واطلاعه غير المعمق على كثير التشريعات التي تصدر بصفة دورية ومتلاحقة، هو الذي أدى إلى الضعف العام الذي اعترى عمل المحامي، وهو الذي أدى في النهاية بالمشرع في القانون الحالي للمحاماة إلى اشتراط أجل 15 سنة من الأقدمية لقبول الترافع أمام محكمة النقض، غير ذي موضوع، لأننا سنكون إذ ذاك أمام محامي متخصص في مادته، ويمارس في إطارها طعونه بالنقض، دون اشتراط مدة معينة، ومفهوم المحامي الاختصاصي في مادة ما، أصبح الآن أكثر إلحاحا من ذي قبل، خصوصا ونحن الآن أمام تعدد المحاكم، من إدارية وتجارية واجتماعية ناهيك عن ذات الولاية العامة.4) ضرورة التكوين المستمر لتمتين المسار المهني للمحامي.لأن التكوين الأساسي الذي تلقاه المحامي أثناء فترة التمرين لا يعد كافيا، بل لابد من تزكيته وتتميمه عن طريق التكوين المستمر، وهذا ما أقرته التوصية عدد 157 من الميثاق، عندما نصت على “اعتماد مبدأ إلزامية التكوين المستمر، واعتباره حقا وواجبا لجميع منتسبي مهن منظومة العدالة” وهو ما سارت عليه كذلك التوصية عدد 158 بتنصيصها على: “وضع برامج سنوية للتكوين المستمر والتخصصي على صعيد كل مهنة من مهن منظومة العدالة لتعميق المعارف المهنية للمنتسبين إليها”.وهكذا، فبدون التكوين المستمر، وبشكل دوري، ودائم، فإن المحامي سيفقد بوصلته القانونية، وارتباطه بالواقع القانوني، وسيتيه في متاهات التشريعات المتجددة والمتسارعة، وهذا ما يجعل بلدا كفرنسا يفرض على محاميه فترة تكوين مستمر سنويا لمدة 20 سنة على الأقل، وفي حال عدم الإدلاء بما يفيد قضاء 20 ساعة في السنة، من التكوين المستمر، فإن مصير ذلك المحامي سيكون تطبيق مسطرة التغاضي في حقه. وهكذا، فإنه، في نظرنا، إذا توافرت الشروط الأربع المذكورة أعلاه، أي: الرفع من مستوى الشهادة المطلوبة لولوج مهنة المحاماة، وإحداث معهد عالي للمحاماة من أجل تكوين أساسي متين ومحترم، وإقرار مبدأ المحامي الاختصاصي في مادة قانونية معينة، مع دعم التكوين المستمر والمتجدد، هاته الشروط كلها إذا توفرت، فإن مبدأ الأقدمية أو اشتراط مدة طويلة أو قصيرة لقبول الترافع أمام محكمة النقض سيصبح جزء من الماضي ولا معنى له، لأنه ستحل محل هذا الشرط شروط الكفاءة، والفعالية، والنجاعة، والتكوين الجيد، والمتجدد، مما سيؤدي في الأخير إلى أن يتحول المحامي إلى عامل رئيسي في تطوير العمل القضائي، والرفع من مستوى اجتهادات محكمة النقض وبالتالي الرفع من جودة الأحكام.المبحث الثاني:التوصية 174 وتخص: تخويل المشتكى حق الطعن في قرارات المجالس التأديبية للمهن القضائية:ويبدو أن هاته التوصية جاءت ردا على ما ورد في المادتين 67 و70 من قانون مهنة المحاماة حيث تنص المادة 67: “تحال على النقيب الشكايات المرفوعة مباشرة لمجل الهيأة، أو المحالة من الوكيل العام والمقدمة في مواجهة محام، والتي تتعلق بمخالفة النصوص القانونية، أو التنظيمية، أو قواعد المهنة، أو أعرافها، أو أي إخلال بالمروءة والشرف، يتخذ النقيب مقررا بالحفظ، أو بالمتابعة، ويتعين أن يكون قراره معللا وذلك داخل أجل 3 أشهر وإلا اعتبر قرار ضمنيا بالحفظ. للوكيل العام للملك وحده، أن يطعن في قرار الحفظ الصادر عن النقيب، ضمنيا أو صراحة بعد تبليغه بالقرار...”كما أن المادة 70 من قانون المحاماة تنص على: “يحضر المحامي المتابع شخصيا أمام المجلس للاستماع إليه، مؤازرا بمحاميه المختار عند الاقتضاء. إذا لم يستجب للأمر بالاستدعاء الموجه إليه، بت المجلس في المتابعة بمقرر يعتبر حضوريا، لا يسارع النقيب في التصويت قصد اتخاذ المقرر التأديبي إلا إذا تساوت الأصوات، يبت مجلس الهيأة في أجل لا يتعدى 6 أشهر من تاريخ إحالة الملف إليه، أو من تاريخ وضع اليد من قبل المجلس.يبلغ المقرر التأديبي داخل 15 يوما من صدوره، إلى المحامي المعني، وإلى الوكيل العام للملك، ويشعر به المشتكي...”فباستقراء هاتين المادتين سنجد على أن المشرع الحالي لا يعطي الحق في التبليغ بقرارات المجالس التأديبية، إلا للمحامي للمعني بالأمر، والوكيل العام للملك اللذان لهما حق الطعن في تلك القرارات، ولا حق للمشتكي إلا في الإشعار فقط، فهل إذا ما تم، إضافة المشتكي إلى الأشخاص الذين لهم الحق في الطعن في القرارات التأديبية لمجلس هيأة المحامين، سيضيف ذلك شيئا جديدا للمشهد القضائي أو الحقوقي؟إن الجواب على ذلك، يقتضي الإجابة على مجموعة من التساؤلات والإشكالات التي سيطرحها هذا المستجد الذي أتت به التوصية 174 من الميثاق:1 - التوصية عدد 174 تضع نفسها في حالة تضاد وتنافر يصل حد التناقض مع التوصية عدد 49، ذلك، أن هاته الأخيرة تنص على: “حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله في المجلس التأديبي للمحامين دون أن يشارك في المداولات، واتخاذ القرار “ إذن، كيف نجعل من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، عضوا في المجلس التأديبي للمحامين، وفي الوقت نفسه نمنح المشتكي حق الطعن في المقرر التأديبي؟فإذا كانت النيابة العامة، تمارس طعونها لفائدة المجتمع والقانون، وهي خارج المجالس التأديبية، فكيف يضاف إلى الطاعنين المشتكي والنيابة العامة عضو في هاته المجالس التأديبية؟لذلك نرا أنه لا حاجة إلى إضافة المشتكي، طرفا ثالثا يمارس مسطرة الطعن في قرارات المجالس التأديبية، لأن ذلك سيكون مدعاة لتضييع الوقت والجهد، وباب للطعون المجانية، والكيدية، والغير مؤهلة، خصوصا أن رقابة الوكيل العام للملك قائمة دائما، عن طريق تبليغه جميع القرارات التأديبية.2 - إذا كان الهدف الذي من أجله تم وضع ميثاق إصلاح منظومة العدالة، هو الرقي بمستوى الأداء القضائي، والرفع من جودة الأحكام، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة، إذا كانت هذه هي الأهداف الكبرى لميثاق وإصلاح منظومة العدالة، فكيف يفسر هذا الميثاق – بمراجعة شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض وكأن مدة 15 سنة لا تكفيه، ويريد المزيد، ثم يأتي في تناقض صارخ مع ما ذهب إليه من أهداف نبيلة، ليضربها بعرض الحائط، ويقترح منح المشتكي حق الطعن بالاستئناف في المقررات التأديبية لمجالس هيآت المحامين، وهو الشخص الأمي، الغير العالم بخبايا المساطر الشكلية، والقوانين الموضوعية، الغير العالم بآجال الطعن، وطرقها، وأصنافها، وطرق تسيير الدعاوى، ابتداء وانتهاء.3 - إن تخويل المشتكي، الحق في الطعن في المقررات التأديبية للمهن القضائية، بصفة شخصية، سيجعله في حالة تواجه مع مقتضيات المادة 32 من قانون المحاماة التي تنص على: “أن المحامون، المسجلون، بجداول هيآت المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات، والمستنتجات، والمذكرات الدفاعية، في جميع القضايا، باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، وكذا في المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات...” إذن، أي تصريح بالطعن في مقرر تأديبي بصفة شخصية من قبل المشتكي، سيكون مصيره عدم القبول، وذلك من جهة لعدم تنصيبه محامي للدفاع عنه، لأن التوصية تتحدث عن المشتكي بصفته الشخصية، ومن جهة ثانية، لأن الطعن في المقررات التأديبية، ليس من المستثنيات الأربعة، المعفية من تنصيب محام، كما ورد ذلك في المادة 32 من قانون المحاماة. بقلم: عبد الرحيم سعودي ,محام بهيأة آسفي

دراسة في القانون : قراءة أولية حول التوصيتين 167 و174 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لمتهم بخيانة الأمانة بزرهون

التحقيق مع فلاحين سطوا على أرض بإفران

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات