رسائل 8 شتنبر

تستحق انتخابات 8 شتنبر، أن تكون مرجعا في التحليل، وقاعدة لاستنتاج الدروس، وأيضا منطلقا لتكوين فكرة واضحة، مفادها أن عودة فئات كبيرة من الشعب المغربي إلى السياسة، آلية مركزية من آليات التغيير. إنها الرسالة الأولى التي وجهها المغاربة، أول أمس (الأربعاء)، من خلال خروجهم الجماعي، وذهابهم إلى صناديق الاقتراع في مجموع التراب الوطني وتعبيرهم بحرية عن اختياراتهم، إذ اقتربت نسبة المشاركة من 51 في المائة، وهو رقم لا يمكن الاستهانة به في ظل واقع العزوف والتشنج العام، الذي يطبع علاقة المواطن بالشأن الانتخابي والسياسي، ليس فقط في المغرب، بل في باقي دول العالم. لقد كان الشعب المغربي "نجم" هذه الاستحقاقات بلا منازع، حين صم أذنه عن نداءات المقاطعة، التي تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه، كما رفض الإذعان إلى التهديدات التي سبقت الانتخابات بيومين، وهب بالملايين إلى مكاتب التصويت للتعبير عن رأيه وموقفه واختياره وتقرير مصير وشكل المغرب، الذي يريده في السنوات المقبلة. الرسالة الثانية لانتخابات 8 شتنبر، مرتبطة بالأولى، وتعني أن المشاركة المكثفة في صناديق الاقتراع، هي الترجمة الفعلية لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حين يتحول الصوت إلى سلاح في مواجهة الأحزاب، التي لم تكن في الموعد، وأخرى خانت الثقة، وعبثت بالأمانة، وغلبت مصلحة العشيرة على الوطن، ونامت في العسل لعشر سنوات متتالية، حتى فاض عليها الماء. إن هزيمة العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لا ترتبط فقط بسياق تراجع "بعبع" الإسلاميين في العالم العربي وانكشاف الأساطير والشرعيات المزيفة، بل أيضا بحالة الغضب التي تنتاب المغاربة، الذين وصلوا إلى قناعة أساسية، هي أن "بيجيدي" غدر بهم، بل تآمر عليهم من خلال إخراج حصيلة سلبية، عرى وباء "كوفيد 19" عددا من كوارثها في التعليم والصحة والشغل والقطاع غير المهيكل. الرسالة الثالثة، مرتبطة أيضا بالثانية، وهي أن سلاح المحاسبة لن يتوقف عند التجربة الحالية، بل سيظل مسلطا على رقاب المسؤولين عن تدبير الشأن الوطني، ويضعهم دائما أمام الاختيار الصعب: إما تنفيذ البرامج والوعود التي وزعوها في الحملة الانتخابية، أو التصويت العقابي في الانتخابات المقبلة. فلا يعتقد أحد أنه "قطع الواد ونشفو رجليه"، أو تسلم شيكا على بياض. بل بالعكس، إن هذا الشعب الذي منحك ثقته اليوم، مستعد أن ينزعها منك غدا، ولا فرق لديه بين حزب وآخر، إلا بما سيقدم له من تنمية وتقدم وتغيير وتحسين لأوضاع معيشته. الرسالة الرابعة لها علاقة بالظهور اللافت للشباب، ذكورا وإناثا، في مسرح الانتخابات، سواء من خلال الترشيحات، أو المتابعة والتعبئة، أو من خلال الحضور في فضاءات النقاش العمومي، أو من خلال المشاركة في التصويت. لهذا، سيكون من العار أن تفكر الأحزاب التي تصدرت الانتخابات في ترشيح الوجوه نفسها التي ملها الجميع، وتقليدها مسؤوليات في الحكومة، كما سيكون ضربة قاسية لهذا التراكم، حين سنرى الوزراء أنفسهم يتناوبون على الحقائب، كأن البلاد عاقر إلا منهم. الرسالة الخامسة، موجهة إلى المستقبل، مفادها أن التغيير لم يعد مقبولا أن يظل مجرد شعار انتخابي، بل ينبغي ترجمته على أرض الواقع، في شكل برامج ومشاريع وأفكار خلاقة، تعيد الاعتبار إلى المواطن، وتشعره أن صوته ذهب في الاتجاه الصحيح. المهمة ليست مستحيلة، لكن ليست سهلة في الوقت نفسه. يكفي أن نعشق هذا الوطن ونحب مواطنيه. وكل شيء سيهون في النهاية.

رسائل 8 شتنبر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاصرة باشا بمكتب للتصويت

أعمال بلطجة يوم الاقتراع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات