دراسة في القانون: بؤس الخطاب النقدي لميثاق إصلاح العدالة (الحلقة الثالثة)

المعارضون لهم قصور إدراك الصبغة المجتمعية الكلية للميثاق لماذا وضعت لفظة « الخطاب « بين مزدوجتين، لأن هذا ضرب من المناقشة أو إن شئت قل، الاستهداف الذي يتحاشى الميثاق ويوجه سهامه نحو الوزارة التي كانت تتبناه، لا تتوفر فيه مقومات الخطاب بالمعنى الاصطلاحي المعروف للكلمة، بما هو صياغة منهجية تروم التعبير عن تصور واضح بموضوعية وحياد بطريقة علمية أكاديمية تتسم بالموضوعية والحياد وعدم الانحياز إلى جهة دون أخرى أو الاصطفاف المقصود والمغرض لرأي دون آخر. إن هذا التنزيل إلى حيز الواقع، كما قلنا في مقال سابق لنا، هو الذي سيعطي هذا الميثاق قوته وصلابته ونجاعته وفاعليته . فهو إذن مجرد تصور عام وكلي لما اعتبرته الهيأة العليا علاجا لما انتهت إليه بعد تشخيصها لمنظومة العدالة ووقوفها على ما تنخرها من علل وأمراض، وليس مجرد تصور جزئي قطاعي يخص كل قطاع من القطاعات على حدة. وهو ما يتطلب منا جميعا جمعية وهيآت ومحامين أن نساهم فيه عن طريق صوغ مشاريع قوانين وعقد لقاءات مع الجهات الفاعلة من حكومة وفرق برلمانية وغيرها، حتى نخرج منه بعدة مكاسب لنا وللأجيال التي ستأتي بعدنا. وقبل أن نفاجأ ذات يوم، بسلوكنا السلبي المتقاعس، بنصوص قوانين تجرف كل ما حصلنا عليه من مكتسبات. ولا نملك بعدئذ أن نرد علينا سيلها الجارف، لأن الوقت يكون قد فات علينا في حينه . فلا يبقى لنا وقتئذ سوى ركوب أساليب الاحتجاج غير المجدية. – إن أصحاب هذا « الخطاب « بسبب قصورهم عن إدراك الصبغة المجتمعية الكلية للميثاق ، أخذوا ينظرون إليه على أنه تجاوز مرحلة الحوار والمناقشة وصار نصا قانونيا. وذلك حتى قبل أن يمر بالقنوات المعروفة لسن القوانين ووضع التشريعات. ولذلك رأيتهم يطيلون الكلام بخصوص مسألة حضور النيابة العامة لجلسات التأديب التي تعقدها مجالس الهيآت. ويعارضون بشدة في هذا الحضور . وذلك :- مع أن هذا الحضور مما يستوجبه الدور الأساسي المنوط بهذه المؤسسة الممثلة للحق العام في نطاق نظرية امتياز تسيير المرفق العام المعروفة بنظرية التدبير المفوض، بحكم أن الأصل في سلطة توقيع الجزاءات التأديبية وغيرها من صميم اختصاص الدولة تتنازل عنه في بعض الأحيان لبعض الهيآت مع بقاء وصايتها عليها تمارسها عليها عن طريق النيابة العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع. مثلما تمارس أي جهة مانحة لهذا الامتياز وصايتها على الجهة المستفيدة منه. هذه الوصاية بمفهومها القانوني والاصطلاحي في نظرية المرفق العمومي المعروفة لدى دارسي القانون الإداري من طلاب السنة الثانية بكليات الحقوق حتى صارت عندهم من المسلمات والبدهيات، وليست الوصاية بمفهومها الممارس من قبل وزارة الداخلية على الجماعات الترابية من مجالس حضرية ومجالس قروية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية، كما توهم البعض ذلك. فإن الوصاية التي تحدثنا عنها في مجال نظرية التدبير المفوض تمارسها الدولة أو الإدارة أو المؤسسة العمومية على من تعهد إليه بتسيير مرفق عمومي ما أيا كانت الوزارة التي تنتمي إليها هذه الإدارة أو المؤسسة العمومية. بخلاف الأمر بالنسبة إلى الوصاية الإدارية والمالية التي تمارسها وزارة الداخلية وحدها على الجماعات الترابية ( وللمزيد من التوسع في ذلك ترجى قراءة موضوع « الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن غرفة المشورة في الطعون المرفوعة ضد قرارات النقباء ومجالس هيآت المحامين « للمستشار الأستاذ محمد المنتصر الداودي رئيس الغرفة الإدارية سابقا بالمجلس الأعلى . وهو منشور بالصفحة من 35 إلى 46 من العدد 3/2004 من سلسلة دفاتر المجلس الأعلى تحت عنوان « العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة ندوة 10 يونيو 2002 «).- مع أن البعض لم يكن يكتفي فقط بمجرد حضور النيابة العامة أثناء مناقشة المتابعة التأديبية، بل كان يطالب بأن تحضر كذلك لجلسات تداول هذه المجالس دون أن تدلي بصوتها، كما يحدث أمام محاكم النقض في العالم، بما في ذلك محكمة النقض عندنا بالمغرب لمن ليس له علم بذلك. وهذا ما جعل الميثاق يؤكد على عبارة : « دون أن يشارك في المداولات واتخاذ القرار «. وهي كما يتجلى ليست عبارة عن حشو أو عن إطناب كما توهم البعض ذلك. وإنما هي انتصار لموقف دون موقف آخر كان يرى ضرورة لهذا الحضور حتى أثناء المداولة ضمانا لعدالة هذه المجالس، وحتى تكون هنالك مراقبة عليها فلا تتحول هذه المداولات من تداول حول ثبوت المخالفة المتابع بها المحامي من عدمها ، إلى تداول حول هل هو كان معنا أو ضدنا خلال الانتخابات المهنية ؟ وهو موقف كان يرى معتنقوه أنه لا ينطوي على أي مساس لا باستقلال المحامي المتابع، ولا باستقلال الهيأة التي تنظر في المتابعة، ما دام هذا الحضور محض حضور غير مشارك في اتخاذ القرار. ولا ينطوي على أي توجيه للهيأة التي تكون حرة في اتخاذ ما تراه مناسبا في حق المحامي المتابع دون أن يوجهها في ذلك سوى ضميرها الحر المستقل. فهذا هو معنى الاستقلال . وليس غيره . بقلم: محمد فجار, نقيب سابق لهيأة المحامين بالجديدة

دراسة في القانون: بؤس الخطاب النقدي لميثاق إصلاح العدالة (الحلقة الثالثة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البنين: "سيتي وان " مراكش زوبعة في فنجان

إدانة زوجة خائنة بسيدي بنور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات