أين قادك تسللك إلى "قبو إدغار ألان بو"؟ كتبت مجموعة "قبو إدغار ألان بو" وأنا أفكر في "الدوبلغنجر"، أي في ذلك التوأم الشرير الذي يصنع الأفكار القاتلة، ويدسها عن عمد في رأس شبيهه، ليحمله على القبول طوعا بأن يصبح سيئ السمعة. ومعنى ذلك أنني استحضرت في هذه المجموعة القصصية الجديدة زمرة صغيرة من "الأشباه" الذين يقيمون داخلي باستمرار، لا لأحاكيهم وأنتحل أساليبهم في الكتابة، بل لأحفز تلك الصلة الغامضة بيني وبينهم، وإظهارهم على نحو خارق للممكن. المجموعة الجديدة، كما أزعم، مساحة سردابية مكثفة للالتقاء بين اللغات والأشكال والنصوص الغائبة. هناك طباق قصصي لا يمكن للقارئ أن يخطئه، وهناك توسيع هائل للمقروء، وهناك نصاعة بنائية تقوم على التناوب بين نوعين أدبيين مستقلين، وعلى تنويع سردي أفقي وعمودي، وكذلك على توظيف التكرار والتجاور والتثغير في حزمة واحدة يصعب تفكيك عناصرها. هل فعلا كتابتك قلقة واجتماعية؟ النقاد عموما لا يكتبون إلا ما يشعرهم بالارتياح للمفاهيم والنظريات. هذا الكلام ليس ضد النقد الذي يقيس، في العمق، الناقص على المثالي، بل ضد التبسيط البارد لكل ما هو ضارب في التشابك والتعقيد. وعليه أتساءل: ما معنى كاتب اجتماعي؟ ما معنى كتابة قلقة؟ في نظري، هذا تصنيف غير حقيقي ولا يستند على أي أساس نقدي. كل كتابة عميقة وذات جدارة، لا يمكنها أن تتجاوز النفسي والاجتماعي والثقافي والفلسفي والسياسي. ومع ذلك، أزعم أن الكتابة وثيقة الصلة بالجماليات، باللغة والأسلوب والحبكة. ألا يخاف الشاعر والقاص من زحف الرقمنة؟ هل الشاعر معني بالحوامل الإلكترونية الجديدة أم بشيء أخطر من ذلك بكثير؟ أعتقد أن الشاعر ظل، في كل العصور، يمشي إلى حتفه مخلوع القلب ومعصوب العينين.. أن يكتب بيأس الميت، لا بزهو اليقظ الذي يطمح إلى الاستحمام بالأضواء. الشاعر الجديد رائد فضاء يعوم خارج مركبته، وخارج الغلاف الجوي.. وقريبا.. أعلى قليلا من نفسه. ولهذا، فهو في صراع ليس مع "الهجوم الرقمي"، بل مع الممكن الشعري الذي يقع دائما خارج الجاهز. أعتقد بصدق أن العدو القادم للشعراء، وللأدباء عموما، هو "مكننة الكتابة الأدبية". ذلك أن بإمكان الذكاء الاصطناعي، عبر برمجيات حاسوبية تعالج كميات لا متناهية من البُنَى الشعرية، أن يتخذ "قرارا" يفضي إلى قصائد لها وقع الطعنة على "الذخيرة الشعرية" التي أنجزها البشر عبر التاريخ. أجرى الحوار: خالد العطاوي