المغرب يفتقر إلى إستراتيجية حقيقية للهجرة

بلكندوز قال إن الاهتمام الملكي بالملف يهدف إلى بلورة سياسة حقيقية تعطي الأولوية للبعد الإنساني قال عبد الكريم بلكندوز، الخبير في شؤون الهجرة، إن اهتمام جلالة الملك محمد السادس بموضوع المهاجرين الأجانب، يؤشر إلى أن القضية بدأت تُؤخذ مأخذ الجد، وتعني، كذاك، وهذا هو الأهم، أن هناك إرادة قوية في بلورة سياسة حقيقية للهجرة تراعي الأبعاد الحقوقية، سياسة مندمجة ومنسجمة ومتكاملة تعطي الأولوية للبعد الإنساني. وسلط الخبير في حوار مع "الصباح" الضوء على عدد من الإشكاليات المطروحة في مجال الهجرة، خاصة في ما يتعلق بالحقوق السياسية للمواطنين المغاربة في المهجر. في ما يلي نص الحوار: كيف تفسرون الاهتمام المتزايد بقضايا الهجرة بالمغرب، خاصة من قبل جلالة الملك الذي أولى عناية خاصة بالموضوع بعد التقرير الموضوعاتي الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان في موضوع المهاجرين الأجانب واللاجئين بالمغرب؟ اهتمام أعلى سلطة في البلد بموضوع المهاجرين الأجانب يؤشر إلى أن القضية بدأت تُؤخذ مأخذ الجد، وتعني، كذاك، وهذا هو الأهم، أن هناك إرادة قوية في بلورة سياسة حقيقية للهجرة تراعي الأبعاد الحقوقية، سياسة مندمجة ومنسجمة ومتكاملة تعطي الأولوية للبعد الإنساني. المبادرة الملكية إيجابية جدا، وهي تندرج في سياق تكريس دولة الحق والقانون، وتكريس الانفتاح الذي انخرط فيه المغرب عبر الإصلاح الدستوري، والتحول في موقف المغرب من الهجرة، خاصة من خلال اعتماد المقاربة الحقوقية. الملف، بدأ بذلك يأخذ بعدا وطنيا ومجتمعيا يهم عدة أطراف عليها أن تتدخل إيجابا في الموضوع. من هذا المنطق، ينبغي أن نشدد على ضرورة مراجعة قانون (02.03)، المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المغرب، بإدماج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، بمعنى أنسنة القانون، عوض الاعتماد على الزجر والردع. ثم ينبغي العناية بموضوع اللجوء وتنظيم مسطرة وطنية مرتبطة به، إلى جانب تنظيم عملية تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين باعتماد مقاييس موضوعية واضحة وشفافة ومنفتحة على البعد الإنساني بصفة عامة. هل يعنـــي هذا التحول أن المغرب مطالب ببلورة إستراتيجية حقيقيــة للهجرة تأخــذ بعين الاعتبــار الأجانب في المغرب من جهة، ووجود المغاربة بالخـارج، من جهة أخرى؟ فعلا، الإستراتيجية المتعلقة بالهجرة يجب أن تركز على الجانبين كما أشرتم في سؤالكم، في هذا الباب المبادرة الملكية بدأت بالجوانب المتعلقة بالأجانب في المغرب انطلاقا من تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ونتمنى أن تتلوها مبادرة قوية أخرى خاصة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، نظرا للعجز الحكومي في هذا الميدان، وفشل مجلس الجالية في تقديم أي رأي استشاري خاص بتصحيح السياسات العمومية في هذا الشأن.تجدر الإشارة إلى أن المغرب كان سباقا إلى الاهتمام بالهجرة من خلال خلق مؤسسات تُعنى بالموضوع بالنسبة إلى المغاربة المقيمين بالخارج، إذ ظهرت إلى الوجود منذ بداية التسعينات من القرن الماضي مؤسسات على رأسها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، والوزارة المنتدبة لدى الوزارة الأولى آنذاك المكلفة بالجالية المغربية في الخارج، وبنك العمل، ومع انطلاق العهد الجديد، تم تأسيس مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ثم مجلس الجالية، إضافة إلى قطاعات حكومية تشتغل في الميدان، لكن ما يلاحظ بهذا الشأن هو غياب الاستمرارية في الهيكلة و التنظيم والعمل، إذ على سبيل المثال، كانت هناك وزارة تُعنى بقطاع الهجرة ثم حذفت أثناء حكومة التناوب التوافقي. وملف الهجرة في الواقع، هو ملف أفقي يهم مختلف القطاعات الحكومية...وبالعودة إلى سؤالكم، فإنه رغم ظهور مؤسسات عديدة تعنى بالموضوع، فإن ما نفتقر إليه في المغرب هي إستراتيجية شمولية ومندمجة للهجرة. هذه الإستراتيجية مطالبة بأن تؤسس على ركيزتين، الأولى تهم المهاجرين المغاربة في الخارج، والثانية تتصل بالأجانب الموجودين بالمغرب. إن ما يعطي الوزن والقيمة للعمل هي الإستراتيجية وليست المبادرات الجزئية والمخططات المتفرقة، وإلا ستبقى سياسة الهجرة رهينة التخبط وموسومة بالعشوائية. من المؤكد أن الأولوية بالنسبة إلى الهجرة بصفة عامة، هي وضع إستراتيجية واضحة تنبني على الاتفاق حول أهداف مضبوطة ومبادئ وقيم، وتقطع مع الرؤى النفعية التي سادت طويلا في هذا المجال، والرؤى الأمنية، بمعنى ضرورة النظر إلى الهجرة باعتبارها موردا للعملة فقط، الملف له جوانب اقتصادية وثقافية ودينية وجيوسياسية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. سمعنا أن الوزارة المكلفة بالجالية المغربية انكبت على إعداد دراسة لكنها غير متوفرة بعد. إن موضوع الهجرة تطرح العديد من الإشكاليات، التي تتطلب العناية والدراسة، ومن بين الأمور الشائكة مسألة الجنسية المزدوجة، والموقف الواجب اعتماده في هذا الشأن، فهذه من ضمن المسائل التي ينبغي الانكباب عليها. في كثير من الأحيان، هناك كسل فكري في ظل هيمنة المقاربة الأمنية في التعاطي مع موضوع الهجرة، وهو ما يعكسه عدم التطبيق الفعلي للحقوق السياسية للمهاجرين، رغم سقوط طابو الخوف من النتائج في اقتراع 25 نونبر 20، لكن ما يزال الطابو قائما بالنسبة إلى المشاركة السياسية لمغاربة المهجر، انطلاقا من بلدان الإقامة. هذا ما يُفسر استمرار التحفظ على منح حق المشاركة في الانتخابات التشريعية ترشيحا وتصويتا بالنسبة إلى المهاجرين في بلدان الإقامة، أليس كذلك؟إذا أخذنا مجلس الجالية الذي كان من المفروض أن يقدم رأيه الاستشاري في ما يخص الكيفية والميكانيزم وليس من حيث المبدأ لأنه حتى الدستور القديم يمنح للمهاجرين هذا الحق، لكنه لم يقم بذلك. مجلس الجالية له مهمتان، الأولى مكتوبة منصوص عليها في الظهير المؤسس، تتعلق بتقديم آراء استشارية في ما يتعلق بموضوع الهجرة والمهاجرين،وتقديم تقرير إستراتيجي كل سنتين، فإنه يمكن القول إن المجلس فشل في هذه المهمة فشلا ذريعا. لكنه بالمقابل، حقق نجاحا في المهمة الثانية غير المنصوص عليها في الظهير، وهي الحيلولة ما أمكن دون ضمان حقوق المواطنة السياسية للمواطنات والمواطنين المغاربة في الخارج، فهؤلاء ما يزالون محرومين من حقهم في التصويت والتشريح انطلاقا من بلدان الإقامة، رغم الخطابات الملكية السامية التي دعت إلى ذلك، بالأخص خطاب 6 نونبر 2005، والمجلس ظل طيلة الوقت يبحث عن ذرائع لتبرير موقفه السلبي تجاه الحقوق السياسية للمهاجرين. طبعا من بين الذرائع التي جرى تقديمها، أن مطلب المواطنة الكاملة والمشاركة السياسية ليس هو مطلب فئات عريضة من أفراد الجالية المغربية في الخارج، وفي هذا الصدد ينبع السؤال عن الجدوى من خلق فريق عمل "المواطنة والمشاركة السياسية" يعنى بالحقوق السياسية للمهاجرين ضمن فرق العمل الستة التي تشكلت في إطار مجلس الجالية، طبعا لا نقول إن الحقوق السياسية هو المطلب الوحيد للمهاجرين، ولكنه أحد المطالب الأساسية، إلى جانب الانتظارات القائمة على المستويات الاقتصادية(الاستثمار) والاجتماعية والتربوية والدينية، ووضعية المرأة، والشباب.ومن بين الذرائع التي جرى تقديمها كذلك، وجود صعوبات تقنية ومادية ولوجستيكية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن للمرء أن يستسيغ استمرار هذه الصعوبات إلى ما لا نهاية، لأنه لو توفرت الإرادة السياسية حقا، لكان تم تذليلها منذ وقت طويل. ثم هل فتح مجلس الجالية نقاشا في الموضوع مع بعض القطاعات المعنية، على رأسها قطاع الخارجية والداخلية لمعرفة طبيعة هذه الصعوبات في أفق تجاوزها؟ لا يمكن أن نتحدث عن صعوبات مادية وتقنية كل مرة يُطرح فيه ملف المشاركة السياسية للمهاجرين. ومن بين ما قيل حول الموضوع التكلفة المالية الباهظة للمشاركة السياسية للمهاجرين، رغم أننا نعرف قيمة التحويلات المالية التي يبعثها هؤلاء نحو بلدهم، والديمقراطية لها ثمن، ثم لماذا لا يقال الشيء نفسه بالنسبة إلى تنظيم الانتخابات في المغرب التي تُكلف اعتمادات مالية كبيرة. إن الواقع يؤكد أن الخوف من نتائج الانتخابات في الخارج هو الذي يشكل إحدى العقبات الأساسية التي تحول دون ضمان حق المشاركة في الانتخابات للمهاجرين انطلاقا من بلدان الإقامة. أجرى الحوار : جمال بورفيسي

المغرب يفتقر إلى إستراتيجية حقيقية للهجرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مهنة المحاماة في توصيات ميثاق إصلاح العدالة

سينما "المسرح الملكي"بالبيضاء تحتضر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات