جلال الطاهر: الإصلاح يكون لمواجهة الحقائق مهما كانت قاسية

المحامي بهيأة البيضاء قال إن الإحجام عن متابعة القضاة الذين ثبت في حقهم ارتكاب أفعال جرمية يشكل خرقا للدستور أعلن المجلس الأعلى للقضاء نتائج دورته العادية لسنة 2013، التي استمرت أربعة أشهر. وما ميز هذه الدورة، هو نشر النتائج الكاملة والقرارات المتخذة، في النقل والمتابعة والتأديب والعزل والتعيين والتمديد والترقية...وقد كانت عملية النشر وسيلة ايجابية جعلت الرأي العام الحقوقي خاصة والوطني عامة، يحبذ تعميم نتائج مداولات المجلس الأعلى للقضاء، وهو اجراء يتخذ لأول مرة في حياة المجلس منذ تأسيسه في بداية الاستقلال، وفي هذا دلالة على أن المؤسسات الدستورية الوطنية، بدأت تقرأ وتتجاوب مع التحولات في المجتمع المغربي، وتسعى لأن تكون في مستوى تطلعات ومتطلبات المرحلة التي كان عنوانها هو إرهاصات 20 فبراير، ودستور 2011 في نصوصه وروحه. لذلك فإن عملية نشر نتائج المجلس الأعلى للقضاء، بصرف النظر عن ضرورتها وجرأتها، فإنها قد أكدت أن رياح الربيع، ونسائمه، قد هبت على هذه القلعة الدستورية، التي ظلت لعقود قلعة محصنة وبابا موصدا في وجه الشفافية، والحق في المعلومة، بحيث يجهل الرأي العام الحقوقي والاعلامي، ما يجري وكيف يجري، والوقائع والحيثيات والتهم التي توجه لبعض القضاة الذين يسيؤون إلى أمانة المسؤولية في النيابة عن الامام ورئيس الدولة، دينيا ودنيويا، بحيث أن عملية التكتم والتستر عن كثير مما كان يروج داخل هذه القلعة الحصينة، كانت في الماضي مصدرا لكثير من التأويل والتحامل، على كثير من القرارات التي يتخذها المجلس الأعلى للقضاء، وتكون صائبة غالبا، ولكن غياب الشفافية والعلنية التي هي من أسس المحاكمات العادلة، قد تشكل ثقبا في جدار هذه القرارات ينفذ منه بعض من حماة الفساد وممن في قلوبهم مرض، للتشكيك في عدالتها وإنصافها...وبالرغم من قرار النشر الذي شكل سابقة في عمل المجلس، سيما قرارات التأديب خاصة المتعلقة بالعزل، إلا أن هناك من يعتبر أن ذلك غير كاف بل يعتبر أن الصواب هو نشر كل الوقائع والأحداث موضوع المتابعات بتفاصيلها، والمكونة للأفعال موضوع العقوبة سيما إن كان الفعل المرتكب من “الكبائر”، كالرشوة واستغلال النفوذ والانحرافات الاخلاقية التي تدمر سمعة القضاء، وتفقده الوقار والهيبة وثقة المتقاضي الوطني والأجنبي.وعلى كل حال، فإن عدم نشر تفاصيل الوقائع والتقارير موضوع القرارات، قد لا يؤثر على مفعول النشر ودواعيه وآثاره، لأن نشر أسماء القضاة الذين صدرت في حقهم العقوبات، وطبيعة التهم التي وجهت اليهم، يفي بالغايات المتوخاة من وراء عملية النشر، في المرحلة الراهنة على الأقل، لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فثقافة كل شيء أو لا شيء، تتنافى مع منهجية التدرج، في الانفتاح والشفافية وفتح الأبواب على مصراعيها للضروري وغير الضروري، في عملية تطهير المؤسسة القضائية من الشوائب والأدران، والتي هي قليلة نسبيا، ولكن مفعول بقائها أو التغاضي عنها، يشكل عنصر تدمير سرطاني للجسم القضائي بكامله. فخطورة الإعلان عن الأسماء وطبيعة الأفعال، خطوة جزئية كبيرة أو صغيرة، ولكنها في الاتجاه الصحيح، لأن مسافة المائة ميل، تبدأ بخطوة واحدة، كما يقال.هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن نشر وزارة العدل لأشغال المجلس الأعلى للقضاء لا يشكل انتقاصا من استقلالية المجلس كما يزعم البعض فالنشر مسألة إجرائية، ما يهم فيها هو مستوى النتائج، وطبيعة القضايا التي عالجها المجلس، والقرارات التي اتخذها، ويكفي أن يكون قرار النشر قد اتخذه المجلس، وتبقى عملية التنفيذ، وهي التي قامت بها وزارة العدل مسألة اجرائية. ولا يجب أن يغيب عن الأذهان، أن وزير العدل والحريات مازال يرأس المجلس الأعلى للقضاء نيابة عن الملك طبقا للدستور الذي مازال المجلس يمارس مهامه طبقا لفصوله، ولذلك فلا وجاهة للتحفظ حول جهة النشر، وكون ذلك له مساس باستقلال السلطة القضائية، لأن وزير العدل بوضعه الحالي يستمد وضعه الاعتباري، من صفة النيابة عن الملك، لا بصفته الوزارية كعضو في السلطة التنفيذية.إن ما يجب التأكيد عليه، في موضوع نشر أشغال دورة المجلس الأعلى الأخيرة، هو ضرورة تفعيل تلك النتائج، والذهاب بها إلى أبعد مدى، ليكون لسابقة النشر مفعولها في الردع والتطهير والعبرة، سيما من ثبتت في حقه ممارسات، تقع تحت طائلة القانون الجنائي، فيجب ـ والحالة هذه ـ تحريك المساطر القضائية، ضد من ثبت في حقه العبث بمسؤولية أمانة توزيع العدل بين الناس، وخاصة من ثبتت في حقه جريمة الرشوة التي تعتبر من «الكبائر» بالنسبة للقاضي، فلا يعقل أن يطبق القانون الجنائي، عن كل من ارتكب مخالفة لفصوله من المواطنين، ويستثنى القاضي من سريان مقتضيات القانون الجنائي عليه، عندما يقوم الدليل على إجرامه، وهل هناك دليل أقوى من قرارات المجلس الأعلى للقضاء؟.إن الإحجام عن متابعة القضاة الذين ثبت في حقهم ارتكاب أفعال جرمية، يشكل خرقا للدستور الذي ينص في فصله على أن «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاص ذاتيون أو اعتباريون، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له...».فكلمتي «الجميع، ومتساوون» لا تترك أي مجال للاجتهاد أو التأويل في أن مقتضيات القانون يجب أن تأخذ مجراها، في حق القضاة، الذين، خانوا أمانة الثقة والتكليف المسند إليهم، من الأمة لإقامة العدل بين الناس بنزاهة، وعدل، وإنصاف وامتثال للقانون الذي هو «أسمى تعبير عن إرادة الأمة...» بنص الدستور.هذا، ويمكن توسيع مجال تطبيق القانون في هذا الموضوع، لممتلكات هؤلاء الفاسدين لاستظهار ما إذا كانت مكتسبة عن طريق مشروع أم لا، فأباطرة المخدرات تصادر أموالهم المكتسبة من هذا المصدر، والشيء يصدق على كل من اغتنى من نفوذ سلطته القضائية بطريقة غير مشروعة، بل إن تاجر المخدرات لا سلطة رسمية له عكس القاضي. والسير في اتجاه المحاسبة والجزاء، هو فقط تطبيق الدستور الذي أكد على «... ربط المسؤولية بالمحاسبة...» وليس في تحريك المساطر القضائية ضد ممارسة الانحراف داخل السلطة القضائية أي مساس بمكانة القضاء الذي تبقى حرمته مصونة، وشرفاؤه ـ وهم كثر ـ في أعلى عليين، ولا يجب الخلط بين بعض القضاة أصحاب «الكبائر» والقضاء، لأن الأوائل بثبوت ممارستهم للأفعال الجرمية جعلوا نفسهم خارج السلطة القضائية، وفقدوا الصفة والمكانة والضمانات التي يخص بها الدستور القضاء كسلطة، والقضاة كأعضاء في هذه السلطة عليهم أن يعلنوا إدانتهم وتبرؤهم من أصحاب هذه الممارسات المنحرفة، التي قد يكون لها انعكاس سلبي، على المكانة الاعتبارية للسلطة القضائية ككل، التي ينتظر الجميع أن تكون فوق الشبهات، وهذا دور الجمعيات المهنية للقضاة أيضا، التي عليها أن تحدد موقفها بوضوح من الانحرافات الخطيرة، التي أكدها المجلس الأعلى للقضاء في دورته العادية لسنة 2013، بدل التنافس في المزايدات، واعتناق ثقافة «انصر أخاك ظالما...» ومغازلة المنحرفين بهواجس انتخابية. لأن الإصلاح يكون لمواجهة الحقائق مهما كانت قاسية، بدل بذل الجهد لتبريرها... كريمة مصلي

جلال الطاهر: الإصلاح يكون لمواجهة الحقائق مهما كانت قاسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الخضراوي: أخطر ما يهدد القضاء هو تسييسه

المتابعة الجنائية للقضاة ... خيار أم غض طرف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات