الخضراوي: أخطر ما يهدد القضاء هو تسييسه

منسق لجنة الشباب تساءل عما إذا كان نشر أحكام الإدانة عقوبة مضاعفة إلى العقوبات التأديبية يرى محمد الخضراوي، منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، أنه مهما كانت النوايا أو المقاربات الإصلاحية التي تبرر نشر أسماء القضاة الذين صدرت في حقهم عقوبات تأديبية، فإن تنزيل الدستور بشكل سليم واحترام القانون ومراعاة الشرعية والمشروعية أولى وأوجب، وأضاف في حوار مع «الصباح» استرجاع الثقة في أشغال المجلس لا يكون بتخويف القضاة أو التشهير بالفاسدين، لأن المواطن في حاجة إلى الاطمئنان بأن مجلسه الأعلى له القدرة على حل مشاكل العدالة. أثارت أشغال المجلس الأعلى للقضاء التي صدرت أخيرا، عددا من ردود الفعل في نظركم لماذا كل هذه الضجة؟إذا كانت نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء تثير عادة مجموعة من النقاشات داخل أسرة العدالة بين مؤيد ومنتقد إلا أنها هذه المرة تميزت بذلك «السبق» الذي أقدمت عليه وزارة العدل عندما نشرت أسماء القضاة الذين تمت معاقبتهم تأديبيا في قضايا تتعلق بالفساد، ما أثار ردود فعل متباينة بخصوصه وتعليقات إخبارية وتفاعلية على مستوى المواقع الإلكترونية ومنتديات التواصل الاجتماعي وغيرها، وعرف الأمر تداعيات كثيرة دفعت وزارة العدل مرة أخرى وفي أقل من أسبوع إلى إصدار بيان آخر جاء بصيغة الجمع «بيانات وتوضيحات» تضمن تفاصيل أكثر وأكد على السياق الإصلاحي لهذا النشر / السابقة.ولا شك أننا بصفتنا قضاة إن كنا نترفع دائما عن «رد الفعل « لأننا نحمل معنا صفتنا وقيمنا القضائية التي تفرض علينا التروي حين ترتفع الأصوات ونلتزم بالتحفظ عندما يتضح لنا أن الأمر قد يتخذ لبوسا سياسيا ويبتعد عن المنطق المهني وعن محراب العدالة وقد يجرنا إلى قراءة النوايا ولعبة التصنيف والمواقع، إلا أن هذه «السابقة» ومن خلال السياق الذي يمر به مخاض إصلاح العدالة ببلادنا باعتباره شأنا عاما يجعل من التحفظ قرينا للتخاذل والصمت، لا يبقى فضيلة أو حكمة عندما نمس حقوقا يطالبنا الدستور بالذود عنها والتشبث بها كاستقلال السلطة القضائية والحفاظ على كرامة وهيبة القضاء وحماية حريات الأفراد والجماعات وحقوقهم وأمنهم القضائي، التي ليس من مصلحة أحد المزايدة عليها أو المساس بها ولو بحسن نية، ويكون إعمال فريضة التفكير والتفاعل الإيجابي واجبا ومسؤولية. في نظركم هل هناك مرتكزات قانونية بشأن نشر نتائج المجلس الأعلى للقضاء؟قبل الخوض في مناقشة بعض الجوانب القانونية والحقوقية لهذا النشر وسياقاته الدستورية ومساءلة مدى صحة دلالته الإصلاحية، لابد لي من التأكيد على بعض المنطلقات الأساسية بعدما طالعتنا بعض الآراء والمواقف التي تعمل على تجاهلها أو تجاوزها مستغلة ما ورد بالبيان وما تم نشره في إطار الشفافية.فلا مجال للتشكيك في الانخراط الفوري للقضاة في كل المقاربات الإصلاحية التي أسس لها صاحب الجلالة ومواقفهم الواضحة والتقاطهم التلقائي لكل الإشارات وتفاعلهم الإيجابي مع كل المبادرات، ولعل هذا ما جعل شباب المغرب الذين استطلعت آراءهم المندوبية السامية للتخطيط يؤكدون على ثقتهم في المؤسسة القضائية ويضعونها في الرتبة الثانية بعيدا عن مجموعة من المؤسسات بنسبة تصل إلى 58 في المائة في حين لم تحصل المؤسسة التشريعية إلا على 37 في المائة و 26 في المائة بالنسبة إلى الجماعات المحلية و 24في المائة فقط بالنسبة إلى الأحزاب السياسية.وهذا ما يجعلنا ندحض تماما من يعمل على اقتناص أي مناسبة لتبخيس جهود وتضحيات القضاة المغاربة ويعمل على إلصاق تهمة «التحيز الفئوي» Le corporatisme بهم كلما بادروا إلى الارتقاء بفكرهم الجمعوي ودافعا عن إحساسهم بالانتماء إلى أشرف المهن وأجلها وأصعبها. (Esprit de corps)لا أحد منا يمكن أن يدافع عن التعتيم أو يحارب الشفافية مستعملا منطق القبيلة وليس منا من يساند عمل الكواليس أو منطق نشر الفاسدين، بل كنا مبادرين غير ما مرة منذ سنوات طويلة إلى المطالبة بشفافية أشغال المجلس وضرورة نشر أشغاله وفق ضوابط معينة، وأحيل هنا على أشغال الندوة الوطنية التي نظمتها الودادية الحسنية للقضاة شهر دجنبر 2009 تحت عنوان: «الخطاب الملكي ومدونة القيم القضائية»، وهي متوفرة في المكتبات والخزانات للاطلاع والتأكد.وهذا ما يدفعني إلى طرح بعض الملاحظات الشكلية والموضوعية حول القضية الأساس لهذه الورقة ألا وهي مدى انسجام مسألة النشر لأسماء القضاة المعاقبين تأديبيا مع نص الدستور وروحه ومع قيمنا القضائية ومع السياق العام للاصلاح الذي نبتغيه.الملاحظة الأولى: وقد يوافق عليها جميع القضاة تقريبا وهي أن نشر نتائج المجلس الأعلى للقضاء ومختلف البيانات المتعلقة به على الموقع الخاص بوزارة العدل يعتبر تنزيلا مخالفا لروح الدستور الجديد وحتى لما راج في ندوات الحوار الوطني لإصلاح العدالة من ضرورة فك الارتباط حتى على المستوى الرمزي بين هذه المؤسسة الدستورية وهي (المجلس الأعلى للسلطة القضائية) ومؤسسة وزير العدل.لماذا لم يتم إفراد صفحة أو رابط خاص بالمجلس الأعلى للقضاء على غرار ما قامت به الوزارة بالنسبة إلى الحوار الوطني حول إصلاح العدالة وذلك لترك مسافة بينها وبين المجلس الأعلى للقضاء وللتدليل على التمايز وعدم التبعية، بل حتى هذه البيانات جاءت في رأس صفحتها أنها صادرة عن وزارة العدل والحريات وليس المجلس الأعلى للقضاء.لقد كان بإمكاننا تجاوز هذا الخلل الشكلي لولا أنه أضر بمجموعة من الحقوق وأثار لبسا في ذهن المتلقين ابتداء من وسائل الإعلام، حيث إن العديد من المواقع الإلكترونية تحدثت عن نتائج أشغال المجلس الأعلى للقضاء كأنها من ضمن صميم عمل وزارة العدل ومجهوداتها التي لا ننكرها لإصلاح العدالة، والجدل أن الأمر يتعلق بأشغال مؤسسة دستورية تتشرف برئاسة صاحب الجلالة وتتكون من نخبة من الأعضاء والمنتخبين أو المعينين بصفاتهم و منهم وزير العدل (وليس وزارة العدل). وهذا الخلط أعطى لنتائج المجلس بعدا سياسيا وفتح الباب أمام الفرقاء السياسيين ليبدوا تأييدهم أو انتقادهم لها كل حسب موقعه.وأعتقد أنه من أخطر ما يخشى منه على القضاء هو تسييسه La politisation de la magistrature أو إقحامه في مثل هذه المواضيع مما يمس باستقلاله.الملاحظة الثانية: ونحن نؤسس لآليات دولة القانون والمؤسسات ونتعاون جميعا لتكريس ثقافة حقوقية داخل المجتمع وإشاعة المعرفة القانونية لابد أن يكون لأعمالنا سند قانوني وبعد حقوقي وأن لا تخالف معلوما من الدستور بالضرورة، لكن بالرجوع إلى البيان موضوع المناقشة لاحظت أنه خال من أي إحالة على نص دستوري أو تشريعي واكتفى بعبارة «هذا وقد تقرر نشر تفاصيل نتائج...».وتبين لي في ما بعد من خلال أقوال بعض الصحف أن الأمر يتعلق بتوصية صادرة عن الحوار الوطني لإصلاح العدالة وأن الأمر يتعلق بتدابير الشفافية ومحاربة الفساد والضرب على يد كل من تسول أو ... له نفسه العبث بشرف المهنة وقدسيتها وحقوق المواطنين. لكن هل يمكن للتوصية كيفما كان نوعها أو كانت الجهة مصدرتها أن ترتقي إلى مصاف القانون الملزم بعد نشره والاطلاع عليه؟ألا يعتبر هكذا نشر أحكام الإدانة عقوبة جديدة أضيفت إلى العقوبات التأديبية الواردة بالنظام الأساسي لرجال القضاء المطبق حاليا؟ثم ما مدى دستورية هذه التوصية / القانون، ألا يجب أن تعرض القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها طبقا للفصل 132 من الدستور؟أعتقد أنه مهما كانت النوايا أو المقاربات الإصلاحية التي تبرر هذا النشر، فإن تنزيل الدستور بشكل سليم واحترام القانون ومراعاة الشرعية والمشروعية أولى وأوجب ولعل لنا في قصة ضبط أمير المؤمنين عمر لشارب الخمر عبرة ودليلا.الملاحظة الثالثة: وعلى سبيل النقاش القانوني الاستباقي لهذه التوصية التي قرأنا عنها في الصحف ولم تخرج إلى العلن بعد، فإني أعتقد بأن مسألة النشر خاصة في المادة التأديبية سواء بالنسبة إلى القضاة أو غيرهم من باقي المهن تعرف عدة ضوابط في مختلف دول العالم سواء منها المعروفة بعراقتها وتقاليدها في استقلال القضاء والشفافية والمحاسبة وحتى تلك التي مازالت تتلمس خطواتها الأولى، وهنا أحيل على مجموعة من المواقع الإلكترونية لمجالس عليا للقضاء للتأكد من أن للأمر قيودا ومساطر حفاظا على حقوق الجميع. كريمة مصلي

الخضراوي: أخطر ما يهدد القضاء هو تسييسه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مخلي: نشر العقوبات التأديبية يعطي إشارات سلبية

جلال الطاهر: الإصلاح يكون لمواجهة الحقائق مهما كانت قاسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات