أمهـات عازبـات… حـرب العائلـة والجائحـة

عشن لحظات صعبة بسبب كورونا وبعضهن نمن مع أبنائهن في الشوارع وجمعية الشنا تنقذ الموقف لم تكن جائحة كورونا رحيمة بأمهات عازبات، إذ بسبب الحجر الصحي ومنع التنقل بين المدن، وجدن صعوبة في القدوم إلى مقر جمعية التضامن النسوي لمؤسستها عائشة الشنا بالبيضاء، والنتيجة كانت كارثية، إذ أجبر بعضهن على النوم في الشوارع مع أبنائهن في ظروف قاسية، قبل أن ينقلن في ما بعد إلى مراكز للإيواء، يشاركن المتشردين والمتسولين الفراش ومرارة العيش. رغم المعاناة تمكنت جمعية التضامن النسوي لمؤسستها عائشة الشنا من جلبهن إلى مقراتها وضمان عيش كريم لهن ولأبنائهن. إنجاز: مصطفى لطفي - تصوير (أحمد جرفي) رغم مرورها من حالة صحية حرجة، لم تتردد عائشة الشنا مؤسسة جمعية "التضامن النسوي" في لقائنا بحمام تركي تابع لجمعيتها بحي راق بالبيضاء، إذ التزمت بتوقيت الموعد، وحلت على متن سيارة تعود للموديل الأول لـ "داسيا سانديرو". محنة الشنا سارع أعضاء في الجمعية إلى مساعدة الشنا على الترجل من السيارة. خطت خطوات صعبة ومتثاقلة باستعمال كرسي متحرك إلى داخل الحمام التركي، تشعر أنها بذلت مجهودا بدنيا كبيرا، قبل أن تستعيد أنفاسها بعد جلوسها على الكرسي. رغم الإجهاد، احتكرت الشنا الكلام لوقت طويل، بدأته بمعاناتها بسبب المرض، إذ أجبرت على دخول المصحة لمدة ثلاثة أسابيع لارتفاع كبير في ضربات القلب. تحكي عائشة، كيف أشعرت من قبل الطاقم الطبي أن أجلها قد حان، واقترح عليها العودة سريعا إلى منزلها والمكوث بين أفراد عائلتها. في الليل، تحكي عائشة الشنا أنها رفعت أكف الضراعة إلى الله، مستعطفة " أ سيدي ربي ديك المرة طلبت ليك طول العمر ودابا نطلب ليك شويا الفابور". في الغد عمت الصدمة بين الطاقم الطبي، إذ تراجع تسارع نبضات القلب بشكل مثير، وبدأت تتناقص دقاته من 160 إلى 120 إلى أن بدت حالتها الصحية تستقر. استفسرتها طبيبة عن هذه "المعجزة" الصغيرة، وبمرح أخبرتها أن الله استجاب دعاءها، بعدما طلبت منه تمديد الأجل إلى حين تسوية أمور جمعيتها. ظلت عائشة بالمستشفى لأسبوع إلى أن استعادت عافيتها وغادرته صوب منزلها وهمومها اليومية مع الأمهات العازبات. أهداف إنسانية تراهن جمعية عائشة الشنا، على تحقيق معادلة صعبة، وهي احتضان أمهات عازبات لتفادي فاجعة اجتماعية، محورها التخلي عن أبنائهن، دون المطلقات أو اللاتي تخلى عنهن أزواجهن، لأنهن على الأقل، يتعاطف معهن المجتمع ويساندنهن بقوة، عكس الأمهات العازبات، ضحية لعنات واحتقارات لا تتصور. معارك من جبهات مختلفة تخوضها جمعية "التضامن النسوي"، إذ تلعب دور الوساطة لعقد صلح بين الأم العازبة وعائلتها، على أمل فتح باب عودتها إلى حضن الأسرة، مع ضمانات عدم تعرضها لأعمال انتقامية تحت ذريعة تلطيخ شرف الأسرة. كما تتصل الجمعية بالأب البيولوجي للطفل، ومحاولة إقناعه من خلال مفاوضات ماراثونية من أجل الاعتراف به. وهنا، تقول عائشة الشنا بحسرة، " نادرا ما يعترف آباء بأبنائهم، وفي حال رقوا لحالهم، يتم الاعتراف بهم دون الزواج بأمهاتهم، إذ يكتفون بتسجيلهم في الحالة المدنية ومنح لقبهم لهم". صحيح أن هذا الموقف مر للأم، إلا أنه في الوقت نفسه يعد انتصارا كبيرا، إذ بعد معاناة أنصف ابنها وصار يحمل لقب والده، أما هي فالله وليها. في هذه الحالة، تعمل الجمعية على مساعدة الأم للحصول على الحالة المدنية وتسجيل ابنها، ويتم وضع اسم عائلي قريب جدا من لقب والده، على أمل تغييره مستقبلا في حال تراجع عن إنكاره. بعد قبول الأم بالجمعية، يوضع طفلها في حضانة تابعة للجمعية تشرف عليها أطر تتولى رعايته والطبخ له وتنظيفه، بحكم انشغال الأم في أمور العمل أو الدراسة والتكوين. تحدد مدة إقامة الأمهات بالجمعية في ثلاث سنوات، يخضعن في السنة الأولى إلى دورات تكوينية وتحسيسية في المجال الحقوقي والاجتماعي والنفسي، وأيضا كل ما هو معرفي وليس فقط تعلم الكتابة والقراءة، في حال كانت الأم العازبة أمية. يبقى الرهان الأكبر في الجمعية على التكوين الذاتي، عبر إقناع الأم بتقبل وضعها الجديد، وعدم احتقار نفسها وتنبيهها أن لها مسؤولية جسيمة تجاه طفلها، وأن وجودها بالجمعية للعمل للإنفاق على ابنها، للقطع مع ثقافة التسول وتسلم الصدقات من الغير. تستفيد الأم وابنها من مجانية الإيواء والمأكل والمشرب رفقة ابنها طيلة ثلاث سنوات، كما تستفيد من نصيب من المساعدات والإعانات والهبات التي يقدمها محسنون وشركات، كما توزع الألبسة المتبرع بها على الجميع بالعدل، إضافة إلى عطلة سنوية مؤدى عنها، محددة في 400 درهم أسبوعيا، يخصص جزء منها لأداء واجب كراء الغرفة، مع العلم أنهن يستفدن من المأكل مجانا بمقر الجمعية. الحجر الصحي وضع إعلان السلطات الطوارئ الصحية بسبب تفشي وباء كورونا، مسؤولي الجمعية في موقف صعب وحرج، وارتباك في طريقة تدبير هذه المرحلة الحرجة المستجدة، سيما بعد أن ألزمت الجمعية على إغلاق مقراتها ومشاريعها المدرة للربح، سيما المطعم والحمام التركي الفاخر. رغم هذه الظرفية الحرجة، نجحت عائشة الشنا وباقي أطر الجمعية في خلق الحدث، إذ حافظن على مكتسبات الجمعية المالية وضمنها حقوق المستخدمين فيها والأمهات العازبات، رغم توقف مشاريع يراهن عليها باعتبارها مداخيل مالية مهمة. بنوع من الفخر، أقرت عائشة الشنا أن جمعيتها نجحت في ضمان أجور مستخدميها، طيلة الأزمة دون نقصان ولا زيادة، إذ لم تتقبل أن يصطف هؤلاء أمام الشبابيك الأوتوماتيكية للاستفادة من تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ ترفض هذا الأمر بشكل مطلق، قبل أن تكشف عن وصفتها الساحرة التي جنبت الجمعية أزمة مالية خانقة، كما الأمر لباقي الجمعيات ومؤسسات أخرى بسبب الجائحة. تكشف الشنا، أنه في الجمعية، يتم إعداد ميزانية سنة أو سنتين المقبلتين، مثلا، الجمعية في الوقت الحالي، نجحت في وضع ميزانية 2023، وبالتالي فمواردها مضمونة مهما كانت الظروف والوضعية. هذا التخطيط الحكيم، مكن الجمعية من مواصلة نشاطها، وتقديم رعاية خاصة للأمهات العازبات اللواتي وجدن أنفسهن فجأة دون عمل، إذ صدرت تعليمات صارمة لهن بالتزام غرفهن مع أبنائهن، خوفا من العدوى، وهنا تدخلت الجمعية التي أمنت لهن أجورهن الأسبوعية ووزعت عليهن بالتساوي مساعدات وإعانات محسنين ومؤسسات. عدوى وأزمة مالية بعد أشهر من الصمود أمام الجائحة، أبى فيروس كورونا إلا أن يتسلل إلى داخل الجمعية ويصيب العديد من أطرها ونزيلاتها. تحكي هانية بونوار، مساعدة اجتماعية هذه التجربة، بحكم أنها من ضحايا الفيروس، إذ رغم إخضاع الجمعية جميع مستخدميها وأطرها والأمهات العازبات لتحاليل كورونا استعدادا لعودة الحياة إلى الجمعية ومرافقها، والذي تزامن مع الدخول المدرسي، نجح الفيروس في "غزو" الجمعية، إذ بشكل مفاجئ بدأت تظهر على بعضهن أعراض المرض، ليتم احتواء الوباء عبر سن طرق احترازية، أولاها الإسراع بإغلاق مقر الجمعية من جديد، وتتبع نصائح وزارة الصحية، التي ساهمت في تفعيلها حرفيا طبيبات عضوات في الجمعية. يبلغ عدد الأمهات العازبات التي تتولى الجمعية حاليا رعايتهن، 38 أما وطفلا، على أمل التحاق خمس أمهات بأبنائهن قريبا بالجمعية، وبالتالي سيرفع عدد نزلاء الجمعية إلى 48 فردا. بإصرار غريب على الحديث رغم مرضها، تقول الشنا، إن عدد نزيلات الجمعية كان لا يقل عن 50 أما عازبة في السنوات الماضية، ساهم في ذلك وجود دعم من منظمات دولية ووطنية، كانت تساعد الجمعية على تقديم المنح للأمهات، إلا أن هذه الدعم شهد تراجعا، ما دفع الجمعية للبحث عن حل بديل لضمان تمويلات قارة وتحقيق توازن. تؤكد الشنا أنه لا يمكن لأي جمعية مهما كانت أن تواصل نشاطها دون حصولها على مساعدات مالية وعينية، إلا أن جائحة كورونا كشفت عن هذا العيب القاتل، إذ توقف نشاط العديد من الجمعيات، ما دفعها وباقي أطر الجمعية إلى استيعاب الدرس، ونجحن في ضمان استقلال مالي مكنهن من تجاوز هذه الفترة الحرجة. أمهات في ورطة تدفع فتاة الثمن غاليا في أي علاقة غير شرعية، سيما إذا نتج عنها حمل. لا تتقبل عائلتها الموقف، وبدل مساندتها تجد نفسها مجبرة على الفرار خوفا من انتقام الأب أو الأشقاء بسبب العار الذي ألحقته بهم، في حين يوضع خليلها ضمن خانة أصناف الرجولة والفحولة. ليس أمام الأمهات العازبات إلا مقر جمعية عائشة الشنا، لحماية أنفسهن وأبنائهن من أي مكروه، إلى حين أن يشتد عودهن ويتقبلن واقعهن المر، ويصبحن بالتالي قادرات على رعاية أبنائهن والعيش بكرامة. فالجمعية هي "الدار الكبيرة"، تتولى حل المشاكل مهما كانت، فالهدف الأسمى هو إنقاذ الأطفال من الضياع وحياة التشرد وضمان حياة كريمة لهم وتسجيلهم في الحالة المدنية. أثارت عائشة الشنا نقطة غيبت عمدا، وهي أن الاعتراف بالأبناء المولودين خارج مؤسسة الزواج كان معمولا بها منذ القديم بالمغرب، إذ كان الشخص يعاشر جواريه وإيمائه، وينجب منهن أطفالا، ويقر بأبوته لهم، بناء على قاعدة الإلحاق. وبنوع من الحسرة، واصلت الشنا حديثها بالتأكيد أن المغاربة كانوا "ضاويين"، في إشارة إلى انفتاحهم وعدم تعاطيهم بحساسية مع الاعتراف بالأبناء، إلى أن حل "الظلام الوهابي" إلى المغرب، وبث سمومه في المجتمع، من قبيل الرفض القاطع للاعتراف بالأبناء غير الشرعيين وإيهام الناس أن ذلك تشجيع على الزنا والفساد. محنة الأمهات العازبات عاشت أمهات عازبات أسوأ أيامهن بعد فرض السلطات الحرج الصحي بسبب وباء كورونا، لدرجة أن العديد منهن نمن في الأزقة والشوارع، بعد أن أغلقت مراكز الإيواء وجمعيات تعنى بالدفاع عن النساء مقراتها، خوفا من الفيروس. تتذكر هانية بونوار تلك الفترة بحسرة، فالأم العازبة تبقى مكروهة وملعونة من قبل الجميع، وبقاؤها في الأسرة غير مرحب به ومحفوف بالمخاطر. بنبرة حزينة، قالت هانية إن الجمعية تلقت اتصالات عديدة من أمهات عازبات خلال فترة الحجر الصحي، يعانين مشكل الإيواء، وأجبرت العديد منهن على النوم في الشارع، قبل أن تتدخل السلطات التي عملت على نقلهن إلى مراكز الإيواء، إلا أنهن عشن مع أطفالهن لحظات عصبية، بعد أن وجدن أنفسهن يتقاسمن المركز مع المتشردين والمرضى نفسيا والمتسولين. إلا أن هذه الخطوة لقيت فشلا ذريعا، إذ كان هناك رفض لفتح المقرات، وهذا أمر عاد سببه الخوف الذي عاشه المغاربة في بداية الحجر من فيروس كورونا، لتضطر الجمعية إلى التكفل شخصيا بالموضوع وفتح مقراتها لاستقبال أمهات عازبات من مدن عديدة. لم تسلم من أزمة كوفيد 19 حتى النزيلات السابقات بالجمعية، إذ وجدن أنفسهن دون عمل، بعد أن أغلقت الشركات والمحلات التجارية التي كن يشتغلن فيها أبوابها بسب الحجر الصحي، فطرقن باب الجمعية التي قدمت لهن دعما ماليا ومساعدات غذائية إلى حين تجاوز الأزمة، فجمعية عائشة الشنا تعد حقا "الدار الكبيرة". أولاد عبد الله يلقى الأطفال رعاية خاصة بالجمعية، تتواصل حتى بعد مغادرة أمهاتهم واعتمادهن على أنفسهن، فعائشة الشنا، تظل أم الجميع، إذ لا يترددون في طرق بابها مع أي إحراج أو عراقيل تصادفهم. أحلام هؤلاء الأطفال انحصرت في قبولهم داخل أسلاك الشرطة والجيش والدرك، اختيار هذه المهن ليس صدفة، بل هو رغبة للتعويض عن الحرمان من الأبوة، وضمان الحقوق للجميع التي حرموا منها ذات يوم. إلا أن تحقيق هذه الأحلام صادف إشكالات كبيرة وصل بعضها إلى المحاكم الإدارية، والسبب عدم توفر هؤلاء الأبناء على الاسم الثلاثي في الحالة المدنية، لرفض آبائهم البيولوجيين الاعتراف بهم، لهذا يعوض اسم الأب باسم من أسماء العبودية، من قبيل عبد الله وعبد المطلب وغيرها من الأسماء. غياب الاسم الثلاثي، وضعهم في مواقف محرجة بداية باجتياز امتحانات الباكالوريا، وبعدها الالتحاق بمعاهد عليا وأخرى تابعة للمصالح الأمنية، كما الأمر لشاب اجتاز مباراة للأمن، فمنع من ولوج المدرسة لأنه غير شرعي، فاستنجد بعائشة الشنا، وصادف لقاؤه بها وجود صحافيين أجانب أثاروا الموضوع، ليعين في ما بعد بمؤسسة سجنية ويطوى الملف نهائيا. نجحت الأمهات العازبات في ضمان حياة سعيدة لأطفالهن، العديد منهن ضمن أعمالا بأجور محترمة بفضل حصولهن على دبلومات في قطاعات متنوعة، بل منهن من أقمن مشاريع خاصة وخضن تجارب ناجحة في التجارة والحرف، وأغلبهن اقتنى شققا سكنية، التي كانت طموحهن منذ أول يوم ولجت أقدامهن مقر الجمعية.

أمهـات عازبـات… حـرب العائلـة والجائحـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتحار شاب بالجديدة

المحمدية يحرج الوداد بـ "دونور"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات