حمداوي: الشباب يهربون إلى الجنس الرقمي

اعتبر أن التناقض الموجود بين العالمين الواقعي والافتراضي يخل بالتوازن النفسي والعاطفي للفرد اعتبر ابراهيم حمداوي، الباحث الاجتماعي والأستاذ الجامعي في كلية الآداب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن الفراغ وغياب التربية الجنسية السليمة هما من الأسباب الأساسية للجوء الشباب إلى ممارسة الجنس عبر الأنترنت، بالإضافة إلى السرية التي تطبع هذه الممارسة، مؤكدا أنها تؤثر بشكل سلبي على التوازن النفسي والعاطفي للفرد. هل يمكننا الحديث عن جنس يتم عبر الانترنت؟الجنس الإلكتروني أو الرقمي إن صح التعبير، هو جنس افتراضي أو تخيلي لغياب اللقاء الحقيقي، فهو تواصل بين شخصين أو أكثر عبر طرق الاتصال المتوفرة في الشبكة العنكبوتية من دردشة وتبادل للصور البورنوغرافية والعبارات الجنسية، ويلجأ إليه الأشخاص لاعتبارات نفسية واجتماعية معينة، وفي غالب الأحيان يكون مرضيا. وعادة ما تتم ممارسة الجنس عبر الانترنت بين أشخاص تكون إمكانية الاتصال المباشر غير متوفرة بالنسبة لهم، أو من أجل الانفلات من الحراسة المشددة وانعدام أماكن لتفريغ هذه الشهوة الجنسية، أو في حالة فرط الإثارة لدى البعض، هذا إلى جانب توفر الانترنت في كل مكان، والذي أصبح في متناول الجميع، دون رقابة أو حاجة إلى تأمين الأماكن، أو الخوف من الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، لكل هذه الأسباب يلجأ عدد من الشباب إلى هذه الممارسة الشاذة. ما الأسباب التي يمكن أن تدفع شخصا ما إلى ممارسة الجنس عبر الانترنت؟أعتقد أنه لا يمكن تفسير الجنس الرقمي بإرجاعه إلى سبب واحد مرتبط بالشخص نفسه أو الظروف المحيطة به مثل توفر الانترنت، لأن الأسباب أعمق من ذلك، وتجد تفسيرها في وجود اختلالات فردية واجتماعية واقتصادية وحتى سياسية. أول هذه الاختلالات تتمثل في اختلال التنشئة الاجتماعية، إذ نجد أن التربية الجنسية لا تحظى بالاهتمام اللازم في كل مراحل التنشئة الاجتماعية، فالحديث عن الجنس أو إعداد الفرد، ذكرا كان أم أنثى، جنسيا، يعتبر من المحرمات والطابوهات، إذ يرتبط عادة بالتدخل «العنيف» على الأعضاء التناسلية (الختان مثلا)، والشرف بالنسبة للفتاة، دون أن يتم إعداد المراهق لفهم الجنس في كليته وكل ما هو مرتبط به، إذ يجب ايلاء اهتمام للتربية الجنسية كما يهتم الآباء بتدريس أبنائهم اللغات والفنون مثلا أو أي مادة دراسية. كما أن المدرسة لا تعطي في مقرراتها الأهمية الكافية لهذا الموضوع، ولا تتعدى بعض التعليمات البسيطة حول كيفية استعمال العازل الطبي أو حبوب منع الحمل وغيرها، وبطريقة محتشمة. كما أن الإعلام أيضا مقصر في هذا الجانب، بتركيزه فقط على المواضيع الجنسية المرتبطة بالاغتصاب والاعتداءات.يجب التأكيد أيضا على أن فترة المراهقة والشباب كانت لا تتعدى سنا معينة، ليدخل بعدها الشخص مرحلة العمل وبالتالي النضج والاستقرار، لكن الآن أصبحت مرحلة الشباب تمتد أحيانا إلى ما بعد الأربعين، لأن الشاب أصبح يقضي وقتا أطول في الدراسة والبحث عن عمل بعد التخرج ومن ثم الاستقرار، في الوقت الذي ازدادت فيه عوامل الإثارة الجنسية، خصوصا مع تقدم العمر. وفي ظل هذه الأوضاع، يبحث الفرد عن تلبية رغباته بكل الوسائل المتاحة، وبسبب صرامة المجتمع أمام العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، يتم اللجوء إلى الانترنت بحثا عن اللذة والاكتفاء النفسي والعقلي، وتلبية لفضول اكتشاف هذا النوع من العلاقات.هل لانتشار هذه الظاهرة علاقة بمدى انفتاح المجتمع؟إن هذه الظاهرة مرتبطة بضعف البنية السوسيوثقافية للمجتمع، وانتشار الفضاءات المحفزة وغياب الرقابة، بالإضافة إلى عدم وجود مشاغل أخرى لسد وقت الفراغ، تمكن الفرد من اكتساب مهارات جديدة وتقويم شخصيته، وغياب مشروع اجتماعي حقيقي قادر على استيعاب الشباب، خصوصا في الأوساط الشعبية، حيث ينتشر الإدمان بكل أنواعه، ومنه الإدمان على الأنترنت. باختصار، يمكن اعتبار أن الظاهرة تعود إلى أسباب أساسها الفراغ وكثرة المثيرات.هل هي مرتبطة بشريحة عمرية معينة؟الجنس أمر يمس كل الشرائح الاجتماعية، غير أن الشباب يمثلون الفئة العمرية الأكثر استعمالا للانترنت لأغراض مرتبطة بالجنس، وذلك يعود لأسباب عديدة منها قدرتهم على التعلم والوصول إلى التكنولوجيات الحديثة، كما أن الشباب يشكلون الشريحة العمرية الأكبر في التركيبة السكانية المغربية. زد على ذلك، كما ذكرت سابقا، فإن فترة الشباب أصبحت تطول، إذا صح التعبير، أكثر من الماضي بسبب المتغيرات الاجتماعية، فيتأخر معها الاستقرار، فيلجأ بعضهم إلى ممارسة الجنس الخيالي أو الوهمي عبر الانترنت أو الهاتف ومشاهدة الأفلام الجنسية. ما هي المخاطر التي قد تتسبب فيها مثل هذه الممارسات؟ممارسة الجنس عبر الانترنت قد تتسبب في ظهور أمراض عضوية ونفسية مرتبطة بممارسة العادة السرية، وأيضا بالخلل النفسي الذي يشعر به الشخص الذي يلجأ إلى هذه الممارسة، بسبب التناقض الذي يشعر به ما بين ما هو موجود في العالم الافتراضي، الذي يمثله الانترنت، ويغيب على أرض الواقع، مما يؤثر على نظرته وتصوره للعملية الجنسية، وبالتالي، استقراره النفسي والعاطفي. ويؤدي عادة إدمان الجنس على الانترنت، إلى انعزال الشخص عن محيطه، خصوصا الأسري، لأنه يعلم أن ما يقوم به أمر غير مقبول في الأسرة وفي المجتمع بشكل عام.كيف يمكن الإقلاع عن هذا «الإدمان»؟أعتقد أن الأسرة تلعب دورا هاما في تكوين وتربية الطفل تربية جنسية سليمة، الأمر الذي يشكل وقاية ضد الاتجاه نحو سلوكات جنسية منحرفة منذ سن مبكرة، كما أؤكد على دور الأسرة والتربية، لتوجيه الأبناء لتفريغ طاقاتهم في أنشطة مفيدة تساهم في تكوينهم النفسي والمعرفي. على كل الأطراف أن تلعب الدور المنوط بها، سواء الإعلام أو المجتمع أو الأسرة أو الدولة، لإعطاء الأطفال والشباب بديلا أفضل لملء أوقات فراغهم، وفي الوقت نفسه، تساعدهم على تنمية مهاراتهم. أجرت الحوار: صفاء النوينو

حمداوي: الشباب يهربون إلى الجنس الرقمي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجريمة المعلوماتية في القانون المغربي والمقارن

ثلاث تجارب عن الجنس والانترنيت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات